العدد 1966 - الأربعاء 23 يناير 2008م الموافق 14 محرم 1429هـ

ثمن احتواء إيران: هل ستدفعه الولايات المتحدة؟

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

يبدو أن موضوع وقضية إيران كان ولا يزال حتى وقتنا الراهن منبتا للكثير من الهواجس المتعددة في تقاربها وتضادها واعتلاجها، كما أنه شكل عنصرا حصريا لإثارة وإغراء سياسي في المنطقة لا مثيل له تاريخيا، وهو لطالما ارتبط تاريخيا بإمبراطورية الشاه ونفوذه الإقليمي الطاغي المسنود أميركيا وصهيونيا، وامتد نحو «ثورة الخميني» التي أسقطت الحكم الشاهنشاهي في إيران ونالت ما نالته من تعاطف وإعجاب من قبل الكثير من الحركات والقوى والتيارات الإسلامية - السياسية في المنطقة، ناهيك من ما تشكله مزاعم بعض كبار المسئولين الإيرانيين بشأن الحقوق السيادية التاريخية في البحرين والجزر الإماراتية من توجسات وحساسيات عالية تصل إلى حد إثارة الجدل حول تغليب «الخطر الإيراني» على «الخطر الصهيوني»، ولا يمكن لعاقل أن ينكر في ذلك المقام كيف أصبح موضوع الهاجس الإيراني وما يثيره من حساسيات بمثابة قشة النجاة السياسية ولوح الحكمة والرزانة الطافية لدى «المتردية» و»النطيحة» و»ما أكل السبع والضبع» في مجتمعنا ممن سعوا لترويج صور تضم الرئيس الإيراني أحمدي نجاد مستقبلا حاخامات يهود من منظمة «ناطوري كارتا» العالمية المناهضة للصهيونية منذ قرن ونيف وقد عنونوها ببلاهة «زعيم الصفويين يستقبل حاخامات الصهاينة على شرف المذبحة العربية»!

وقد ارتقى موضوع العلاقات العربية - الإيرانية درجات ومستويات عديدة من الحساسية بين عناصر التشويق والنفور السياسي خصوصا مع صعود إيران كقوة إقليمية كبرى في المنطقة عقب سقوط نظام صدام حسين في العراق، فكانت هنالك في الذاكرة العربية الجماعية صورتان محيرتان للنفوذ الإيراني، وقد تمثلت الصورة الأولى في التدخلات الإيرانية الفجة في العراق بأذرعها الأخطبوطية المتعددة، أما الصورة الأخرى فهي في الدعم الإيراني الواضح والمعلن لــ «حزب الله» الذي خاض معارك بطولية واستشهادية ألهبت حماس الشعوب العربية وكبدت العدو الصهيوني أكلافا وخسائر باهظة حسبما أشار إليه تقرير «فينوغراد» الإسرائيلي في حين لم يكن لها إلا صدى مخاوف لدى الأنظمة والحكومات العربية!

وإن كانت هنالك من أنباء كثيرة ولكنها بدت وكأنما هي متضاربة ومشكوك في صدقيتها حول سعي «البنك الأهلي المتحد» وغيره لتعليق وتجميد جميع أنشطته في إيران وهو ما قد يصنف ضمن مساعي الحصار والاحتواء الدولي الموجه من قبل الولايات المتحدة الأميركية بقوة تجاه إيران، وإن كانت صحيفة «الشرق الأوسط» قد أفردت موضوعا مطولا حول الاحتواء الدولي لإيران المدار أميركيا في 17 يناير/ كانون الثاني 2008، واعتبرت أن أول من استخدم كلمة «احتواء» هو المفكر الاستراتيجي الأميركي جورج كينان في العام 1947 من خلال مقالة له نشرت في مجلة «فورين أفيرز» الأميركية، فقد نشرت دورية «فورين أفيرز» الأميركية ذاتها في عددها الأخير مقالا لبروفيسور السياسة الدولية في كلية فليتشر للقانون والعلوم السياسية والي ناصر والشريك الرئيسي في مجلس العلاقات الدولية الأميركي راي تاكيه، والمقال المنشور يحمل رؤية تنقض منطق ومساعي احتواء إيران على غرار تجربة احتواء الاتحاد السوفييتي وتضم دعوة استراتيجية بديله لفرض خيار»الاحتواء» على اعتبار أنها أكثر عقلانية وأقل كلفة بكثير.

ويشير الباحثان في بدايات المقال إلى سعي الولايات المتحدة الأميركية إلى الدفع بكامل قواها ومن خلال ممارسة الضغوط المباشرة على تكثيف انتشارها العسكري في الخليج وتخصيصها مبلغ 75 مليون دولار أميركي كدعم لبرنامج ترويج الديمقراطية الموجه ضد النظام الإيراني الحاكم، والسعي إلى إدارة وتفعيل مساعي احتواء دولية تعمل على محاصرة إيران ماليا واقتصاديا، والضغط المباشر على الأمم المتحدة ووكالة الطاقة الذرية الدولية للتحرك الحازم والمضاد تجاه البرنامج النووي الإيراني، بالإضافة إلى تصنيف منظمة «الحرس الثوري الإيراني» وما تتبعها من أذرع مساندة باعتبارها منظمة إرهابية دولية مستهدفة، وهو الأمر الذي نتج عنه استهداف عناصرها من قبل قوات الاحتلال الأميركية في العراق، إلى جانب تسليح الكثير من دول الخليج المجاورة بما يقدر كلفته بــ20 مليار دولار أميركي، ويختصر الباحثان المساعي الاستراتيجية الأميركية في المنطقة تجاه إيران عبر سعيها إلى «رسم خط فاصل يمتد من لبنان وحتى عمان ليفصل إيران عن جيرانها العرب»، ويشددان على أن إدارة بوش تسعى حاليا إلى إنعاش عملية السلام الفلسطينية - الإسرائيلية جزئيا بغرض إعادة التركيز أنظار وطاقات حلفائها من دول المنطقة نحو «الخطر الإيراني»، ويوضحان ذلك عبر تبيان ظهور «الهلال الشيعي» بقوة في المنطقة ما أدى إلى سعي السعودية ومصر إلى دعم جهود استهداف «حزب الله» في جنوب لبنان، وتأمل الولايات المتحدة الأميركية من ذلك أن يدفع الأطراف العربية البارزة إلى أن تكون لها مصلحة مشتركة لأول مرة في دحر «الخطر والتهديد الإيراني» المشترك لكلا الجانبين!

وما يؤكده الباحثان هو «أن مثل هذه المساعي لاحتواء إيران لا تحمل أية عناصر ضرورية تكفل لها تحقيق النجاح، بل إنها قد تساعد على زيادة الوضع سوء بكثير وتهديد استقرار المنطقة ككل» ويوضحان بأنه «لم يكن هدف إيران الواقعي والعملي قط هو السعي لإثارة الفوضى في المنطقة لأجل تحقيق بعض الوعود الغيبية المقدسة، ولا يتمثل في أن تكون قوة توسعية ذات طموحات عظمى، ولا يمكن مقارنتها أبدا بروسيا والصين، وإنما إيران تهدف لأن تكون دولة وقوة محورية معتبرة في المنطقة».

ويشرح الباحثان بطلان الفرضيات والقواعد النظرية لاحتواء إيران دوليا من خلال الاعتماد بشكل أساسي على جيرانها العرب، ويبينان بأنه «وعلى رغم ما تعانيه الدول العربية من مخاوف تجاه البروز الإيراني في المنطقة، إذ تتحسس البحرين والسعودية من التمدد الإيراني وتنتقدان تدخل طهران في شئونهم الداخلية، كما أن مصر والأردن لا تخفيان قلقهما تجاه طغيان التأثير الإيراني في المنطقة وما يمكن أن يؤثر سلبا على موقعهما وعلى مجريات القضية الفلسطينية بالتحديد، إلا أن هذه الدول لا تتخذ حتى الآن موقفا عدائيا على صعيد رسمي تجاه إيران، بل أن هنالك دول كقطر والإمارات العربية المتحدة تتمتعان بعلاقات اقتصادية واسعة وراسخة مع طهران منذ منتصف التسعينات»، ولربما فاتتهما الإشارة إلى اتفاقية الغاز والمياه الاستراتيجية الموقعة حديثا بين البحرين وإيران.

وينفي الباحثان إمكان نجاح المساعي الأميركية الرامية إلى إنعاش عملية السلام الفلسطينية - الإسرائيلية ولو بشكل مؤقت نظرا إلى تطورات المشهد الأخيرة في الأراضي المحتلة وغياب الشركاء الحقيقيين الأقوياء الكفيلين بإنجاح هذه العملية ولو نسبيا، وينبهان إلى ما تتمتع به إيران من قوة ناعمة في المنطقة ومن دعائم وممكنات استراتيجية أكثر رسوخا من ما لدى الولايات المتحدة الأميركية، ويستبعدان أن يكون هنالك أي تأثير لمسار القضية الفلسطينية على الشأن الإيراني، فإيران تستند وتعول بقوة على استعراض نفوذها الاستراتيجي الدول المخفقة في المنطقة مثل أفغانستان والعراق ولبنان.

ويعمدان إلى الإشارة إلى أن آخر محاولة أميركية لاحتواء إيران من خلال التعويل على جيرانها من الحلفاء العرب في ثمانينات القرن الماضي، وكيف أدت المحاولة الاستراتيجية الأميركية إلى خلق وتدعيم وتعميم ثقافة إسلامية سنية على أمل التصدي للمد الإيراني الشيعي، وقد ساهمت في الإتيان بثمار مأساوية على يد التنظيمات المتطرفة كـ»القاعدة» وغيرها، وأن محاولة أميركية أخرى على ذات المنوال الاستراتيجي لكفيلة مرة أخرى بإعادة إحياء وتعزيز هذه الثقافة لتعمل كحائط صد أيديولوجي متشدد، وليس ببعيد ما حدث من دعم لـ»تنظيمات جهادية سلفية» مثل «جند الشام» في جنوب لبنان لمناكفة نفوذ «حزب الله» وكيف انقلب بعدها السحر على الساحر ونتج عن ذلك حصاد وبيل على صعيد الاستقرار في لبنان!

وفي سعيهما لترسيخ حل ورؤية بديلة تنهض بها الإدارة الأميركية لحل الملف الإيراني يدعو الباحثان إلى «دعم وتعزيز إطار جديد من التكامل الإقليمي تتشارك في جميع الأطراف المحورية في المنطقة «ويعتبران «خيارات الحوار والتفاوض والتجارة على رغم صعوبتها إلا أنها قد تشكل أدوات إقناع جيدة» بالإضافة إلى «استئناف العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية الأميركية - الإيرانية، والتنسيق المشترك فيما يتعلق بالعراق» وبالتالي تبرز الحاجة الملحة إلى «إيجاد نظام أمني إقليمي جديد تتشارك فيه جميع الأطراف مثل إيران ودول الخليج في خلق شراكة بناءة تتصدى لمخاطر الصراعات الطائفية»، كما ويرى الباحثان بأنه بإمكان «السعودية وإيران وهما الدولتان الأبرز في المنطقة التعاون في إقناع حلفائهم في العراق لتبني عقد وطني جديد يعترف ويقر بحقوق الأقليات في العراق» وفي النهاية يرى الباحثان بأن سعي الولايات المتحدة لتبني هذا الحل البديل سيكون أفضل بكثير في مردوده العملي والواقعي على ضمان استقرار النفوذ الأميركي في الخليج وأقل كلفة من حل «الاحتواء الشامل»!

وإننا أمام ذلك البديل الذي قد يجمع الكثير على عمليته وعقلانيته وإيجابيته نتساءل:

هل في نية الولايات المتحدة الأميركية أن تتكفل بدفع أثمان احتواء إيران بالكامل، أم أن هناك جزء كبيرا غائما في الفاتورة الاستراتيجية للمنطقة؟!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1966 - الأربعاء 23 يناير 2008م الموافق 14 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً