العدد 1968 - الجمعة 25 يناير 2008م الموافق 16 محرم 1429هـ

التمييز جريمة بحق الوطن

هاشم سلمان الموسوي comments [at] alwasatnews.com

غريبٌ أن تصطف كتلٌ ضد التحقيق في التمييز الوظيفي. فالقضية وطنية، ومن المفترض من النواب بصفتهم ممثلي الشعب أن تكون هموم الوطن من أولويات أعمالهم دونما تفريق بين أحد في الانتماء الطائفي أو التوجه الايديولوجي.

لا ندري إن كان هؤلاء النواب يحسبون أنفسهم مدافعين عن السلطة ليقفوا صفا واحدا ضد كل تحقيق أو مساءلة تطول المفسدين. وهي حالة غريبة لتكريس الفساد والإصرار عليه من نواب مُنتَخَبين، لا يمكن أن تحدث إلا في البحرين لأسباب خاصة! ولعل مرجع ذلك للآليات التشريعية والرقابية العقيمة في الدستور، وكذلك الدوائر الانتخابية غير العادلة التي أفرزت نواب موالاة جنّدوا أنفسهم؛ للدفاع عن السلطة في قبال حقوق الشعب.

المشكلة الرئيسية هي إن هؤلاء النواب اعتبروا كل ما يصدر عن الوزراء «المقرّبين» صائبا ومنطقة محرمة على السؤال، حتى لو كانت السياسة التي تتبعها السلطة واضحة في التفريق بين المواطنين على أساس طائفي أحيانا، وتشطيري أحيانا أخرى. وكذلك لو كان التمييز واضحا مثل الشمس ويلحظه كل العاملين في وزارات الدولة، بل لديهم أدلتهم العملية التي لا يرقى إليها شك فهو في نظرهم وَهْمٌ وسراب.

ولعل سائلا يسأل: ما الذي يخيف كتل الموالاة؟ ولماذا هذه الاستماتة في عرقلة تشكيل لجنة تحقيق مرتين متتاليتين، وإثارة زوابع وتهديدات بأن فتح هذا الملف «مدعاة لتأزيم وضع المجلس في الداخل والخارج»؟

بل إن أكثر ما يدهش أن كتل الموالاة تنتمي إلى جمعيات إسلامية. وهي ملزمة أخلاقيا ودينيا بعدم النكث بالقسم الذي أقسمت عليه عند تولي المنصب في الجلسة الأولى للمجلس، حين أقسموا جميعا باحترام الدستور الذي ينص بكل صراحة على العدل وتكافؤ الفرص بين المواطنين. فالمادة الرابعة تقول: «العدل أساس الحكم، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين، والحرية والمساواة والأمن والطمأنينة والعلم والتضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة».

أما المادة (13) فتنص في البند (ب) على ما يأتي: «تكفل الدولة توفير فرص العمل للمواطنين وعدالة شروطه».

وإذا كان العاطلون عن العمل ممن يحملون المؤهلات الجامعية يصلون إلى 2000 عاطل فإن الوظائف التي يشغلها الأجانب في الوزارات الحكومية تصل إلى أربعة آلاف وظيفة، بعضهم قضى أكثر من 25 عاما في وظيفته. وهي مخالفة صريحة للمادة (16) التي تنص على ما يأتي:

«أ. الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها، ويستهدف موظفو الدولة في أداء وظائفهم المصلحة العامة. ولا يولّى الأجانب الوظائف العامة إلا في الأحوال التي يبينها القانون.

ب. المواطنون سواء في تولي الوظائف العامة وفقا للشروط التي يقررها القانون».

إذا، أين دعوى التأزيم التي يتبجح بها نواب الموالاة؟ أليس من حق المواطن المطالبة باحترام الدستور؟ أليست المادة (18) صريحة في رفض التمييز إذ تقول:

«الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة»؟

فالمسألة ليست في توظيف شخص أو شخصين بل توظيف 11 ألفا و130 موظفا يمثلون 29 في المئة من مجموع القوى العاملة في القطاع الحكومي البالغ عددها 38508 فضلا عن التعيينات في المناصب الكبيرة التي لا تتم في الغالب على أسس الكفاءة والخبرة.

وبالإضافة إلى عدم توافر العدالة الاجتماعية في التوظيف فقد تم تجميد 2000 وظيفة لمدة ثلاث سنوات، على حين العاطلون الذين يحملون المؤهلات الجامعية وحدهم يمثلون العدد نفسه، فضلا عن أن الكثير من الوظائف لا تحتاج إلى المؤهل الجامعي.

ولو قارنا التوظيف في السنوات الماضية لرأينا توقفه خلال الفترة من 1993 إلى 1999 وهي فترة غير قليلة بقي فيها العدد يراوح مكانه في حدود 30 ألف موظف. وهو أحد الأسباب الرئيسية التي يجب مساءلة الحكومة فيها. والجدول التالي يوضح كيف كانت الأعداد ثابتة لمدة ست سنوات.

ولا ندري أية حجة لوزير شئون مجلس الوزراء الشيخ أحمد بن عطية الله آل خليفة حين يمتنع عن كشف أسماء الذين تم توظيفهم بعذر أن ذلك يدخل ضمن الأسرار الشخصية التي لا يمكن البوح بها! غريبٌ أمر المسئولين في هذا البلد، وخصوصا أننا للمرة الأولى في التاريخ نسمع أن الاسم يعتبر من الأسرار الشخصية. فيحجب حتى عن العضو البرلماني الذي من المفترض أن تكون المعلومات التي يحصل عليها تفوق مسألة الاسم والرقم الشخصي. فهو مخوّل قانونا أن يعرف المؤهلات التي يحملها الموظفون الجدد والآلية التي تم توظيفهم من خلالها، وكذلك عدد المتقدمين للوظائف نفسها، ومؤهلاتهم، وطريقة الإعلان عن الوظائف هل حدثت في إطار قانوني أم خارج نطاق القانون، وكذلك عدد الشواغر في كل وزارة، ولماذا يبقى الأجانب لمدد تربو على ربع قرن. كل ذلك ليس من حق الوزير حجبه عن العضو البرلماني تحت أية ذريعة. ومن حق النواب بل المفروض عليهم عدم التنازل عن صلاحياتهم للدفاع عن حقوق منتَخِبيهم.

وللأسف الشديد تشهد البلد سنويا تخريج أفواج كبيرة من الطلبة المتفوقين الذين يكفي فوج واحد منهم لسد النقص في جميع أجهزة الدولة في جميع التخصصات خلال مدة لا تزيد على أربع سنوات إلا أن يأتي الوزير بكلام غريب حين يقول إنّ «أسباب توظيف الأجانب تتلخص في الحاجة الضرورية لشغل الوظائف التخصصية والفنية في مجال الهندسة والطب والقانون والمحاسبة والتعليم والتمريض والحاسب الآلي، وغير ذلك من الوظائف المتخصصة الأخرى التي يتم الإعلان عنها في الصحف المحلية ولا يتقدم بحرينيون مؤهلون لشغلها، أو لا يتوافر العدد الكلي من البحرينيين المؤهلين لشغلها».

أليس من حقنا أن نتساءل: أين مكمن الخلل؟ هل هو في الوزير نفسه أم سوء التخطيط؟ بحيث تعجز أفواج الخريجين عن سد النقص في مثل هذه التخصصات بحسب تصريحه. ونحن نعلم أن البحرينيين مشهود لهم بالكفاءة في التحصيل والتعليم على مستوى الوطن العربي عموما والخليجي خصوصا. وتشهد على ذلك أعداد الملتحقين بالدراسات العليا على رغم ظروفهم المادية القاهرة.

ونود تذكير الوزير بأننا لا نقبل الاستغفال حين يقول إنّ «ديوان الخدمة المدنية اعتمد في بعض الجهات الحكومية وظائفَ خاصة لمتدربين تقوم الجهات الحكومية بالاستفادة منها لإعداد البحرينيين لشغل هذه الوظائف مستقبلا بعد استكمالهم البرامج التدريبية المناسبة»؛ لأن الأدلة تشير إلى وجود أجانب قضوا من العمر عتيا في أقسام الوزارات لم يتم استبدالهم، وحين تمت خصخصة المرافق التي يعملون فيها تم نقلهم إلى أقسام جديدة ليس لديهم خبرة فيها ولا يستطيعون حتى القدرة على استيعاب التدريب فيها؛ لكبر سنّهم؛ وبعد الأقسام الجديدة عن مجال خبرتهم.

أقولها بكل ثقة: المواطن لا يقبل الاستغفال. والتاريخ لن يسكت عن مثل هذه التلاعبات.وستأتي الأيام التي سيكشف فيها زيف هذا التحالف الهش بين السلطة وقوى ليس لها هدفٌ سوى مناكفة قوى المعارضة.

إقرأ أيضا لـ "هاشم سلمان الموسوي"

العدد 1968 - الجمعة 25 يناير 2008م الموافق 16 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً