العدد 1969 - السبت 26 يناير 2008م الموافق 17 محرم 1429هـ

المصارحة التاريخية في مرافعة ما بعد غزّة!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

التئم شمل المؤتمر الإسلامي هذه الأيام من أجل غزّة أم لم يلتئم وأصدر بيانات واستنكارات ترضي هذا الحاكم أو ذلك المواطن أو تغضب هذا الحاكم أو ذلك المواطن أم لم يصدر لكن الأهم برأيي في هذه اللحظة التاريخية التي نمرّ بها كعرب ومسلمين هو شيء آخر تماما, أنها لحظة كرامة أمة وعنفوانها ووقفة عز وإرادة واضحة تقفها بوجه الصلف الصهيوني الذي لن ينقطع, وعلينا أن لا نفرّط بهذه الفرصة مرة أخرى كما حصل مع لبنان عندما اختلفنا على حقنا الثابت رغم الانتصار التاريخي فيما اتفقوا هم على باطلهم المؤكّد رغم انكسارهم المزلزل!

في صيف العام قبل الماضي أقدم مقاومون لبنانيون تابعون لحزب الله في إطار عملية عسكرية محضة باختطاف اثنين من جنود الاحتلال الصهيوني على الحدود بين فلسطين المحتلّة وبين لبنان المستباح من جانب «إسرائيل» ليل نهار من الأرض والجو والبحر؛ وذلك من أجل مبادلتهم بأسرى لبنانيين وآخرين يرزخون في سجون العدو الصهيوني منذ سنوات دون أي اكتراث مما يسمّى بالمجتمع الدولي, فقامت وقتها دولة الإرهاب المنظم بشن أقسى وأبشع عدوان وحرب إبادة عرفتها الحروب العربية الإسرائيلية على بلد عربي فدمرت الحجر والبشر بحجة استرداد الأسيرين!

وهي إذ لم تفلح في تحقيق أيّ من أهدافها لكنها أثبتت بما لا يدع مجالا للشك والتردد بأنها دولة مؤسسات إرهابية ودولة عصابات إجرامية لا تلتزم بأيّ عرف أو قانون أرضي أو سماوي وإنّ ما يسمّى بالمجتمع الدولي غير مستعد لردعها بل أنه على استعداد كامل لتغطية جرائمها ونعتها بـ «المدافعة» عن السلام فيما صبّت على المقاومين ومن يدعمهم كلّ أوصاف ونعوت «الإرهاب والوحشية»!

في هذه الأثناء دبّ الاختلاف بين صفوفنا نحن العرب والمسلمين وفي داخل صفوف اللبنانيين أنفسهم ولا يزالون مختلفين إلا مَنْ رحم ربي!

ما يحصل في غزّة اليوم هو سيناريو مشابه تماما لعدوان يوليو/ تموز 2006 وجوهره هو أنّ المقاومين الفلسطينيين المتمترسين خلف أو بين شعب المقاومة في غزّة يهددون أمن سكّان المستعمرات الإسرائيلية القريبة من غزّة بصواريخهم الإرهابية وبالتالي فإنّ إسرائيل تقوم بواجب الدفاع عن نفسها عندما تحاصر غزّة الآنَ؛ لأنها تريد تجفيف منابع الإرهاب الغزاوي الخارج عن سياق التسوية الشرق أوسطية!

نعم هذا ما سمعه أو سيسمعه أيّ وسيط دولي أو مسلم أو عربي يبحث عن حل لكارثة حصار غزّة وحرب الإبادة التي ستظل مفتوحة عليها ما لم يرفع العرب والمسلمون وفي مقدّمتهم الفلسطينيون راية الاستسلام أمام المرافعة الصهيونية المغلوطة!

وهنا أيضا لابدّ من التذكير بأنّ العرب والمسلمين وخصوصا الفلسطينيين الذين كانوا أصلا مختلفينَ فيما بينهم فإنّ أعمال «إسرائيل» الوحشية ربما ستزيدهم اختلافا حول سبل التعامل مع هذا العدوان ومع حرب الإبادة المفتوحة عليهم بالحجج الواهية نفسها التي واجهوا فيها الصف اللبناني والصفوف العربية!

وهنا نودّ أنْ نقول لكلّ حريص على التدخل من أجل فك الحصار ولكلّ حريص على إنهاء ما يسمّى بأزمة الوقود أو الغذاء أو الدواء مشكورا: نعم جازاكم الله خير الجزاء على جهودكم الخيّرة و على ما تتفضلون به من تحرّك مطلوب ولكن نضيف فنقول ومن خلال عمق التجربة وتراكماتها : لا يغرنكم فتح فجوة هنا أو هناك في هذا الحصار الظالم؛ لأنه سيكون مؤقتا واشبه بـ»استراحة محارب» لدى العدو سُرعان ما سيعود بقوة أكثر ضد غزّة او غير غزّة هذه المرة وقد يذهب بعيدا ولن يستثني أحدا مهما طالت قامته «الدولية» او اتسعت علاقاته او عظم ذكاؤه او «تذاكيه» إذا ما صممنا على مواجهة المشكلة بالجوهر اللهم إلا أن نذعن لقانون الغاب الصهيوني نهائيا والعياذ بالله أو أن نمتلك الشجاعة الكافية والحزم والصرامة والشفافية المطلوبة و نقدّم مرافعة العرب والمسلمين التاريخية المطلوبة حول أصل المشكلة الفلسطينية من الجذور وعدم الاختباء وراء القشور!

إنّ المشكلة في جوهرها تكمن في سوء تقديرنا للحالة التي نمرّ بها كعرب ومسلمين وسوء تقديرنا لفعل وممارسة العدو, اذ إن حرب تموز العالمية نعم العالمية في العام 2006 م ضد لبنان أثبتت بما لا يدع مجالا للشك والتردد بأن «اسرائيل» لا حدود لعدوانها، ولا حدود لمطامعها، ولا حدود لذرائعها، وهي ستختلقها من تحت الأرض حتى لو قدّمنا كلّ أوراق الاعتماد المطلوبة لديها, غير أننا في الوقت نفسه نستطيع ليس فقط أن نهزمها بل وأن نلقنها درسا قاسيا وقاسيا جدا في الهزيمة شرط أن تكون إرادتنا صلبة واتجاه البوصلة لدينا صحيح ! وبكلمة واحدة هي أن نوجّه كلّ الجهود وكلّ البنادق وكلّ الحراب ضد العدو لا أن نفتح باب الاحتراب في ما بيننا ونحاسب بعضنا بعضا فيم أخطأ وفيم أصاب ونحن وسط الميدان نرد العدوان ونلملم الجراح والأشلاء المتناثرة أو ونحن مشغولون بدفن شهدائنا!!

الآنَ أيضا فإن ما هو مطلوب في هذه اللحظة التاريخية ليس محاسبة هذا الفصيل أو ذاك على خطأ هنا أو هناك أو سوء تقدير هنا او هناك وعندها نستطيع أيضا أن نهزم «إسرائيل» في هذه المعركة ونلقها درسا قاسيا لا يقل قساوة عن درس لبنان إذا ما تماسكنا كعرب ومسلمين وبقي اتجاه البوصلة يشير ويحشد باتجاه العدو الرئيسي والحقيقي وليس باتجاه الاحتراب الداخلي!

والطريق إلى ذلك بات واضحا ألا و هو أن نقول للعالم كلّه أننا لسنا مع شعب غزّة المحاصر فقط ونطالب برفع الحصار عنه فهذا ينبغي أن يكون تحصيل حاصل ولا خلاف عليه, بل أننا مع المقاومين الفلسطينيين الذين يأسرون جنود العدو ويصبّون صواريخهم عليهم؛ لأنهم هم المعتدون وقطاع الطرق الحقيقيون ومجاهدو المقاومة عندما يردون على العدوان بالنار فهم المدافعون الحقيقيون عن السلام والحياة وليس العكس كما تحاول بعض أوساط ما يسمّى بالمجتمع الدولي وفي طليعتها الإدارة الأميركية المنحازة بالمطلق الى حكّام تل أبيب!

وإن سكّان المستعمرات التي تتحدّثون عنها هم غاصبون، ومستعمرون، ومحتلّون، ويمارسون فعل الاحتلال في كلّ ثانية إضافية يبقون فيها على أرض الغير ولا يمارسون مطلقا فعل البراءة الذي تدّعون, حتى تتهموا المجاهدينَ من وحدات الصواريخ بالإرهاب ضد مدنيين أبرياء!

في أيّ مؤتمر إسلامي أو عربي أو دولي نحضره يجب أن نقول كلمتنا هذه بصرامة ونضيف: فليرحل هؤلاء المغتصبون فورا من أرض الغير وليتفكك نظام العنصرية الصهيوني الفاشي القابع في تل أبيب, ولنحتكم بعدها لصناديق الاقتراع والديمقراطية التي بها تتشدقون وعندها سترون مَنْ هو المدافع الحقيقي عن السلام ومَنْ هو الإرهابي والمتوحش الحقيقي؟

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1969 - السبت 26 يناير 2008م الموافق 17 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً