العدد 1972 - الثلثاء 29 يناير 2008م الموافق 20 محرم 1429هـ

اللغة العالمية للدين

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

«الفن بأشكاله يحمل معنيين اثنين: السطحي والرمزي. أما الذين يغوصون إلى أعمق من السطح فيفعلون ذلك على مسئوليتهم تماما كالذين يختارون قراءة رمزية الأمور. المشاهد هو المرآة الحقيقية وليس الحياة».

( أوسكار وايلد)

لا يشكل الظهور الأول للدين سرا أو أمرا مثيرا للدهشة. إذ يعلم الجميع أن رسومات الكهوف والرموز الهيروغليفية هي أول ما ألقى الضوء على سعي الإنسان الأول للحصول على معنى للحياة. بقيت تلك الصور تترسخ في الأذهان بشكل تدريجي ثم تحولت إلى أصنام سجلت بداية عصر الوثنية. عندما اتخذت التقاليد الدينية الإبراهيمية موقعا مركزيا، ألغيت عبادة الأوثان في معظم أرجاء العالم. لكن هل حصل ذلك فعلا؟

الفن هو اللغة الوحيدة التي يتشارك فيها جميع البشر، وبإمكان أي شخص أن ينظر إلى قطعة فنية ويخبرك ما تعنيه بالنسبة له. يمكن كتابة أي كلمة بمئات اللغات، ولكنها لن تعني الكثير إلا لقلّة تفهم اللغة التي كُتِبت فيها. على رغم ذلك يمكن للكلمات أن تعني أمورا مختلفة في اللغة الواحدة، وذلك وفقا للمضمون الذي تأتي في سياقه.

فلنأخذ على سبيل المثال كلمة «اقرأ». إنها أول كلمة نزلت على النبي محمد (ص) في القرآن الكريم. إسأل جميع العرب عن معناها وستحصل على الجواب نفسه. سيقولون لك أيضا إن النبي الكريم كان أميا. وعند سؤالهم لماذا يأمر الله تعالى رجلا أميا أن يقرأ، يهز معظمهم كتفيه دلالة على عدم معرفة الجواب. لماذا؟ إنه توثين لكلمة «اقرأ».

عندما تواصَل الناس للمرة الأولى من خلال استخدام الصور ألهت الأوثان. ومع تحسّن أساليب التواصل بدأت الكلمة المكتوبة، على شكل كتب مقدسة، تحل محل الأوثان أحيانا، ولكن كلما كان تفسير الكلمة أكثر رسوخا وثباتا كلما ازداد توثين صورتها. فالكلمات توصل عمقا واتساعا للمعنى الذي يتسامى على مجموع حروفها. يمكن على سبيل المثال، تفسير كلمة اقرأ على أنها تعني «انشر»، كما هو الحال في نشر رسالة الدين، من حيث الجوهر إذن أن التفسير المتحجر لكلمات الله تعالى من قبل الإنسان قد يشكل نوعا من توثين الرموز.

يؤمن جميع المسلمين بأن القرآن الكريم يصلح لكل زمان ومكان. وهناك بعض المسلمين الذين يؤمنون بأن القرآن الكريم حيّ ويمكن تكييفه مع مجتمع اليوم تماما مثلما كان في عهد النبي (ص). ولكن هناك بعض المسلمين الذين لا يؤمنون سوى بتفسير واحد للإسلام الذي يجب على الجميع اتباعه عبر العالم تماما كتفسير جورج بوش للديمقراطية.

لقد اضطررت ككاتب أن أتفاوض على المعاني المجردة لأعمالي مع مختلف مسئولي الوزارات في عدد من بلدان العالم، وقابلت أناسا أفكارهم متحجرة إلى درجة تجعل الجبال فخورة. من العار أن يستمر الرقيب بحراسة البوابة الفكرية في هذا العالم، كأنه الكاهن الذي يحرس الأوثان والرموز التي نعبدها.

يتبع العقل البشري القوانين نفسها التي يتبعها باقي ما في الطبيعة. ويشكل التنوع في جميع الأمور الحية مفتاحا للنجاح، أما ضياعه فموت محتم، فكلما قل تنوع الجينات التي يختار المرء من مجموعها شريكا له مثلا كلما ازداد احتمال إصابة نسله بالمرض. إن العقلية البشرية تعمل بالأسلوب نفسه: كلما قلت احتمالات التعرض إلى مجموعة من الأفكار المتنوعة كلما ازدادت العقلية مرضا.

نشأت في جزء من العالم إذ كانت قصة جورج أورويل «مزرعة الحيوانات» ANIMAL FARM ممنوعة تماما كما كانت في الاتحاد السوفييتي السابق. فهناك منعها النظام الإستبدادي في الكرملين لأنه لم يرد للرسائل الديمقراطية أن تنتشر داخل حدوده. لقد اختار المراقبون في الاتحاد السوفييتي أن يغوصوا تحت سطحية المجاز وأن يفهموا رسالة ذلك الكتاب، لذا منعوا انتشاره. في بيئتي، مُنِعت تلك الرواية بسبب وجود صورة خنزير على غلافها. تخيل ذلك!

نزل القرآن الكريم في بلاد العرب التي كانت تزدهر بغنى شعر الجاهلية. ولا تقتصر أعجوبة القرآن الكريم على رسالته فقط، وإنما على إعجاز إعراب كلماته المستخدمة لإيصال تلك الرسالة. نثره لا مثيل له في تاريخ اللغة العربية ومن العار المطلق أن يبقى القرآن الكريم رهينة عند أولئك الذين يفضلون وثنية الكلمات على عمق معناها ومرونة الفكر الإنساني.

* ألّف فكرة سلسلة مجموعة «الـ 99»، وهي قصة مصورة لأبطال خارقين يتمتع كل منهم بقوة تعكس جوهر الدين الإسلامي، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1972 - الثلثاء 29 يناير 2008م الموافق 20 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً