العدد 2284 - السبت 06 ديسمبر 2008م الموافق 07 ذي الحجة 1429هـ

الإسكان والنفط ومقبرة السادة!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

على أبواب العيد، والناس تستعد لقضاء إجازة سعيدة، تفاجئنا الصحافة بأخبارٍ لا تسر، أكثرها شؤما انخفاض أسعار النفط. فبينما استبشر الجميع باعتماد الحكومة سعر الستين دولارا للبرميل، ستضطر الحكومة والنواب لمراجعة حساباتهم من جديد، فالبرميل نزل إلى الـ 45 (نفط برنت 43 والفنزويلي 34.7)، وهناك تقارير متشائمة تحذّر بتدهوره إلى العشرين، وهي كارثةٌ كبرى نسأل الله أن تتجنبها البلاد.

أخبار الصفحة الأولى يوم الجمعة، ترسم معالم المرحلة المقبلة إلى حدٍ كبير، فالخبر الرئيسي يتكلّم عن «ترخيص أضخم مشروع في العاصمة بـ 800 مليون دينار»، وأسفله تصريح وزير البلديات بأن مشروع المناطق الآيلة للسقوط، لم تُرصد له أي مبالغ في موازنة 2009 - 2010، على رغم أنه من أهم وأفضل المشاريع الحضرية التي وُجّهت لإنقاذ الطبقات الفقيرة في أسفل السلم الاجتماعي، ووفرت السكن لمئات العوائل من مختلف المحافظات.

القارئ لا يحتاج إلى خبير اقتصادي ليفكّ هذه الأرقام وهو يرى عمليات دفن البحر على قدمٍ وساق، والمشاريع الكبرى تقوم على رجليها في المحرق والشمالية والجنوبية، وتوجد لها موارد وتمويلات، بينما المشاريع الإسكانية الشعبية تتبخّر، وتتحوّل أراضيها المفترضة إلى استثمارات خاصة.

من أخبار الجمعة أيضا، وزارة العمل لا تستبعد استمرار تسريح البحرينيين، وما توفّر من أرقامٍ أوليةٍ تكشف عن تسريح حوالي 47 بحرينيا من القطاع المصرفي حتى الآن، من مجموع 9500، وعلى رغم أنها أرقام متواضعة، إلاّ أن الأمل ألاّ يستمر ذلك، بما ينذر مجددا بصعود نسبة البطالة إلى معدلاتها السابقة مرة أخرى.

الخبر الأخير المحزن في أسفل الصفحة، كان عن «مقبرة السادة»، وهي إحدى القضايا الخلافية التي تشهد شدا وجذبا بين وزير العدل وبين البلديين. مجرد الدخول في مثل هكذا متاهاتٍ كريهٌ أصلا، فما كان ينبغي للوزير أن يتورّط أكثر وأكثر، ويورّط وزارته القائمة على تحقيق العدل ورعاية الشئون الإسلامية، في قضيةٍ خاسرةٍ من الأساس، فهذه ليست دار عبادة، ولا جمعية سياسية حتى تُقحم في مماحكاتٍ تثير الاشمئزاز والقرف والفرقة. هذه مقبرة، تقع في قلب منطقةٍ غير مختلطةٍ أصلا، وكانت الحكمة تتطلّب أن تُحلّ بالتوافق والكلمة الطيبة، وليس إعلان الحرب على الأهالي وركوب أكبر خيل للمقارعة والتهديدات.

إنها مقبرةٌ يا سعادة الوزير وليست دار عبادة لتدخلوها في لعبة الحسابات السياسية والتوازنات، إنها مجموعة حفرٍ تحتوي عظام الماضين، من أهالي قرى توبلي وتكْتَكان والكَوَرَة، فلا تجعلوا رفاتهم مادة للمتاجرات والخلافات الطائفية والاحتقانات، فالأهالي غاضبون وهم يرون التعدّي باسم القانون على مقبرةٍ تضم رفات أجدادهم من مئات السنين.

أكتب ذلك وأتذكّر قوله تعالى: «ألهاكم التكاثر. حتى زرتم المقابر»، وأشعر بالخجل لما أوصلتنا إليه هذه السياسات، وخصوصا وأنا أتذكّر سبب نزول الآية. فمؤسفٌ أن يذكّر المرء ببديهيات الدين الحنيف، وهو يقرأ بيانا متشنجا يفتقر إلى الكياسة والتعقل، بتهديد من ينظّف مقبرة إسلامية في بلدٍ إسلامي، بالملاحقة القانونية!

أخبار مزعجةٌ على أبواب العيد... أليس كذلك؟ فهذه بلادنا وهذه قضاياها وصغائرها، وهل يفرّ المرء من أبيه؟ وأمه وأخيه؟ وبلاده التي تؤويه؟ علّ الحكمة تعود فتأخذ زمام المبادرة، رحمة بالأحياء والأموات في هذه البلاد. هدى الله الجميع

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2284 - السبت 06 ديسمبر 2008م الموافق 07 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً