عبارة رددتها (جهينة) بعد سؤال والدتها لها عن سبب الحزن الذي اجتاح ملامح وجهها... ما حدث أنها ذات صباح استيقظت جهينة والفرحة تملأ وجهها الطفولي البريء وفي رأسها يدور ألف تذكار ومشوار، وأول مشاويرها أنها لابد وأن تنطلق وبسرعة إلى السوق لتشتري هدية لصديقتها المقعدة التي ستحتفل هذه الليلة بعيد ميلادها، وبسرعة البرق تجهزت جهينة للخروج وصعدت إلى سيارتها ووجهها أشرق بابتسامه يعلوها الأمل بلقاء يوم جديد ولكنه جديد من نوع آخر لم نعهد مثله في أيام الغوص... وقادت سيارتها ببطء وهي تفكر في نوع الهدية التي ستشتريها، وأخيرا وبعد طول غرق في زحمة الطريق الملتهب بنار سيارات تحمل لوحاتها اسم البلد مع اختلاف جنسيات راكبيها وغياب ملامحهم... وصلت جهينة إلى السوق وتناولت محفظتها وأسرعت تسابق الريح تدخل إلى هذا المحل وتخرج من ذاك... ولكن ما الذي يحدث؟ إنها تدخل والابتسامه تعلو وجهها ولكنها تغادر المحل بوجه آخر يحمل ملامح أخرى ترسم على وجهها ألف سؤال وسؤال وحيرة تعلقت بين شفتيها اللتين آثرتا الصمت والاكتفاء بالمراقبة الصامتة لما يحدث في موطنها الذي ينقاد وبشكل متسارع إلى مستنقع الهوية المشوهة فما يحصل أنها في كل محل تجد بداخله مجموعة من الزبونات اللواتي يرتدين العباءة الخليجية بينما تتصدر أصابع أقدامهن تلك السراويل المطرزة الفضفاضة التي تحكي معالم أصولهن وانتماءاتهن، تارة يتحدثن العربية بشكل غريب وتارة يدور بينهن حديث متسارع بلغتهن الأم، والمثير للحزن يا وطني أن هذه المشاهد تتكرر في الأسواق والمستشفيات والمتنزهات التي تكاد تصرخ من شدة ازدحامها بهن كغرباء أصبحوا فجأة مواطنين... أخيرا توقفت جهينة وبعد حوارها النفسي المستقطع أمام واجهة المحل الذي اعتادت دائما أن تجد ضالتها فيه فها هي تتأمل عقدا رائعا على واجهته الزجاجية ليشرق وجهها مرة أخرى وتهم بالدخول وهي تظن بأنها على وشك أن تنهي مهمتها وتعود إلى البيت وهي تحمل أجمل هدية... وتدخل إلى المحل ليرحب بها البائع الذي اعتاد على ارتيادها للمحل بين الحين والآخر فهي زبونته الدائمة، ثم ذهب ليتابع إجراءات خدمته لإحدى الزبونات التي كانت بداخل المحل قبل وصول جهينة وكانت شابة جميلة ترتدي عباءة خليجية كما نرتدي... تسلمت الشابة ما ابتاعته شاكرة البائع وكانت تهم بالخروج ولكن قبل أن تغادر فُتح الباب ودخلت امرأة أكبر منها سنا وأظنها والدتها وهي كذلك، ولكنها تتحدث الهندية بطلاقة لترد عليها ابنتها بالمثل... وضاعت جهينة بين شتات أفكارها وواقع حياتها لتحمل نفسها على عجل وتغادر المحل وتصعد سيارتها تسابق الريح قبل الزمن وتتساءل في نفسها... من هؤلاء؟ أغلفة تشبهنا وبواطن ليست من أصولنا وهوية ليست هويتنا، ما الذي يجري بحق السماء؟ وصلت جهينة إلى البيت ولا أدري يحملها الهم أم هي التي تحمله... لتعاجلها والدتها بالسؤال: أين الهدية؟ لتصمت جهينة قليلا تغالب دموعها ثم تجيب بشفاه مرتعشة...
جهينه: هديتي لها أنها لم تستطعم طعم الغربة يا أمي كما استطعمتها أنا وهنيئا لها كرسيها المدولب الذي لم تطأ به خارج أسوار بيتها الذي يحميها من قسوة هذا الشعور.
نوال الحوطه
العدد 2285 - الأحد 07 ديسمبر 2008م الموافق 08 ذي الحجة 1429هـ