العدد 1982 - الجمعة 08 فبراير 2008م الموافق 30 محرم 1429هـ

الأغنية الوطنية تألقت ثم اختفت... فهل تعود؟

من منا لم يسمع عبدالحليم حافظ يغني «خلي السلاح صاحي» أو لم يردد مع مارسيل خليفة «أحن إلى خبز أمي» و «بالأخضر كفناك»؟ ومن منا لم يطرب لغناء جوليا بطرس لسيد المقاومة «أحبائي»و «يا قدس يا مدينة الصلاة» لفيروز؟

بالتأكيد لن يكون الحديث عن الأغنية الوطنية مكتملا من دون الرجوع إلى نجومها الكبار من كتّاب وملحنين أمثال سيد درويش وأحمد رامي وعبدالفتاح مصطفى، وصلاح جاهين الذي كوّن مع عبدالحليم حافظ والملحن الكبير كمال الطويل ثلاثيا رائعا قدم أغاني وطنية تعبر عن طموحات الثورة المصرية، ونالت قدرا هائلا من الشهرة والانتشار وحفظها الشباب عن ظهر قلب.

استطاعت الأغنية الوطنية أن تلاقي رواجها بين الناس العاديين حتى الذين لا يهتمون بالغناء؛ لأنها ظهرت في مرحلة حاسمة استطاعت أن توافق إيقاعها مع إيقاع جماهير الغناء نفسه فحققت نجاحا مبهرا.

الأغنيات الوطنية كانت تتمتع بشيئين مهمين، أولهما بساطة اللحن وشعبيته، وثانيهما الكلمة الجديدة التي حملت من الأحلام الوطنية والاجتماعية؛ مما لف الناس حولها بالملايين، ومن الناحية اللحنية لم يكن أي منها في قالب النشيد بل ألحان تحمل طابع الطرب الشعبي في كثير من مقاطعها كما تحمل سمات الهتاف الجماعي في بعض الفِقرات، وهو مزيج لم يقدم.

الكثير من النقاد يعتبرون أن الأغنية الوطنية تمر الآن في سبات عميق، بعد أن كانت متألقة وصاعدة، والأحيان القليلة التي تظهر فيها الأغنية الوطنية باتت مقتصرة على المناسبات أو بعض الحوادث السياسية الكبيرة.

والحقيقة إن الأغنية الوطنية تراجعت واختفت من سوق الغناء؛ لأنها سلعة غير مرغوب فيها، وسط ضجيج الأغاني الشبابية الصاعدة بإيقاعها المزدوج وكلماتها المبعثرة، وسطوة الفيديو كليب. أصبح الاستماع إليها ضربا من «التسيس» المرفوض للفن، والبعض يحاول الابتعاد عن مثل هذا التصنيف فيقول إنها موضة تقليدية.

والحقيقة أيضا إن الموضة الحديثة التي تأخذ في حسبانها حالة الحب الطارئ، والعلاقات بين الشباب والشابات في أمكنة العمل والجامعات، ولوعة الفراق واحتراق قلوب العشاق، غير مبالية بأحاديث الأغاني الوطنية التي تحثُّ على روحِ النضال وتزرع حب الوطن والانتماء.

الدليل على ذلك محتوى المسابقات الغنائية والمهرجانات الفنية التي لا تحتوي على أية أغنية وطنية، على حين تركز جل عملها على أغانٍ شبابية أو أغانٍ فنية كما يقال. فلو طلب من متسابق في «سوبر ستار»، أو «ستار أكاديمي» مثلا أن يغني أغنية لأحد المطربين الكبار فلن يطلب منه أغنية وطنية؛ لأن المطلوب منه أن يكون مطربا شبابيا يتلاءم وموضة «الجمهور عوز كده».

البعض يقول إن تفكك المجتمع العربي وتَكرار حوادثه المأسوية هما اللذان تسببا في تراجع الأغنية الوطنية أمام الأغنية الشبابية التي تجدد نفسها عبر الصورة المتحركة وتضمين نفسها بجوانب الإغراء الجاذب لفئة الشباب.

والبعض الآخر يضيف أن الأغنية الوطنية هي بمثابة عمل صعب وجبار لا يرتقي إليه كتّاب الأغاني الحاليين مثل كتاب أغاني «الخيار» أو «العنب» أو «أخاصمك آه».

وإذا كانت هذه بعضا من الأسباب الواقفة خلف تراجع الأغنية الوطنية، فمن المؤكد أن هناك أسبابا أكثر عمقا تتعلق بسياسية الإعلام العربي وارتباطه بالإعلام «المُعَوْلَم»، وهي سياسية تقوم على إبراز الأغاني الشبابية وإبراز نجومها وإقامة الحفلات وتوجيه الإعلام إليهم فقط في كل شيء. وإذا ما قرر إذاعة أغنية وطنية فيجب أن تكون مدحا للجهة السياسية المستضيفة. فإذا كنت فنانا صاعدا تطمح إلى الشهرة والانتشار فعليك الابتعاد عن الأغاني الوطنية الجريئة التي تطالب بتغيير الأوضاع، وإلا حُرِمت من الظهور الإعلامي.

العدد 1982 - الجمعة 08 فبراير 2008م الموافق 30 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً