العدد 1983 - السبت 09 فبراير 2008م الموافق 01 صفر 1429هـ

لبنان بين خيارين... رهينة أو قرار!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

ثمة غيوم سوداء تتجمع شيئا فشيئا فوق السماء العربية عموما والسماء اللبنانية على وجه الخصوص تؤشر جميعها على أن ثمة سوء أكبر يحضّر للبنان والعرب من ذلك السوء الحاصل حتى الآنَ ما لم يشد العرب والمسلمين المعنيين من حولهم رحالهم الى لبنان لانقاذه مما هو فيه من حالة أسر عامّة للبلد أخذته وشعبه جميعا رهينة من أجل ما بات يعرف بالحسم النهائي لنتائج معارك أميركا الإقليمية والدولية بما يتناسب وطموحات المشروع الأميركي الإمبراطوري العالمي!

وبموازاة ذلك أيضا يمكن القول بأنه ثمة فضاءات غير مشجّعة على الإطلاق تحوم بشأن الملف اللبناني بشكل خاص لا توحي أبدا بقرب الانفراج على صعيد ما بات يُعرف بالاستحقاق الرئاسي. فلا المبادرة العربية تمكّنت من تحقيق اختراق يقرّب بين رؤية الموالاة والمعارضة أو هي في طرقها إلى ذلك ولا المعادلة الدولية باتت مهتمة بحل لهذه المعضلة أو حتى التفكير بمثل هذا الملف بعد أن صار لبنان كلّه وراءها في ظل الصراعات المحتدمة على مناطق النفوذ الافرو -آسيوية، من جهة ودخول الأميركيين في الحمى الانتخابية التي قد تنسيهم حتى جنودهم المنتشرين في مختلف بقاع الأرض من جهة اخرى!

على صعيد آخر فإنّ تقرير فينوغراد الذي كشف عورة الإسرائيلي «الذي لا يقهر» والذي قد يكون سببا في استنفاره على أكثر من صعيد في محاولة لرد الاعتبار لعنجهيته التي تمرغت فوق التراب اللبناني وزاد عليها الوضع الملتهب في غزّة وعملية ديمونا الفدائية النوعية، ما قد يدفع الحاكم الإسرائيلي الطائش لارتكاب حماقة جديدة تجاه لبنان أو كحد أدنى تجاه غزّة، وهو الأمر الذي بدأت مؤشراته تلوح في الأفق في الأيام الأخيرة من خلال تكثيف الطلعات الجوية الصهيونية في السماء اللبنانية وتكرار الخروقات ورفع درجتها إلى مستوى اغتيال مواطنين لبنانيين وجرح آخرين، وتزايد الدعوات العلنية لاغتيال رجال حكومة حماس المُقالة ما يمكن اعتباره شكلا من أشكال الإسقاط المتعمّد للقرار 1701 من جهة والتنكر النهائي لمقررات أو توصيات أنابوليس الأميركية الدولية من جهة أخرى. و هو ما يمكن أن يترتب عليه تداعيات خطيرة قد تجعل اندلاع المواجهة في المنطقة مسألة وقت وتوقيت مناسب تبحث عنه «إسرائيل» لرد الاعتبار لقادتها المنهارينَ في الداخل والممسوكين بإرادة دولية محضة لأجل أن يربح بوش المعركة الانتخابية أكثر من أي شيء آخر!

الوضع الداخلي اللبناني هو الآخر يمر في واحد من أسوأ أنواع التخبط والانقسام والأزمات المطلبية المستفحلة على أكثر من صعيد من جهة، فيما وصل التصعيد الكلامي والتراشق الإعلامي والانقسام السياسي بين فريقي الموالاة والمعارضة من جهة أخرى إلى الدرجة التي يصعب معها «اجترار» ما بات يسميه اللبنانيون «التكاذب المشترك» بشأن صيغة مناسبة لما يمكن تسميته بالحل التوافقي خصوصا بعد أحداث الأحد الأسود ووصول العلاقة بين الطرفين إلى ما يشبه الطلاق البائن! ما يجعل الداخل اللبناني بيئة صالحة ومناسبة للتفكير بشن مواجهات جديدة ضد لبنان ومقاومته العسكرية والسياسية في محاولة لدق أسافين الفتن المتنقلة في الداخل اللبناني من جديد، أكثرمما يشاع عن وجود مساع حميدة للمصالحة والتلاقي بين الأطراف المختلفة وإن العمل جارٍ على قدم وساق لعقد التسويات فيما بينها على قاعدة لاغالب ولا مغلوب بين الفرقاء كما هو معلن في الظاهر، فيما يبدي اللبنانيون تشاؤما متناميا حول الحلول التي تأتي من الخارج ويصفونها بإنها ماهي إلا مساعٍ من أجل ذر الرماد في العيون كما صار اللبنانيون يرددون بصوت عال ومسموع للقاصي والداني!

كلّ هذه العوامل والمؤشرات توحي بانّ لبنان لا يمكن أن يبقى طويلا على هذه الشاكلة وإن انفجار الأوضاع فيه أو من حوله أمر قد يقع في أية لحظة وتحت أية حجة أو ذريعة ما لم تتدخل «المعجزة الربانية» لانقاذه مما يخطط له من مؤامرات جهنمية!

المطلعون على تفاصيل وخبايا الوضع اللبناني الداخلي وما أحاط ويحيط به من تعقيدات وتشابكات وتحديات يقطعون بان الحل الوحيد المتوافر والمُتاح لمنع الانفجار هو إذعان مايُسمّى بالموالاة لشروط حكومة مشاركة حقيقية ووحدة وطنية في إطار سلة متكاملة من الحل تتجاوز «سطحية» الاتفاق على اسم الرئيس، وهو الأمر الذي لطالما أصرت عليه المعارضة وعاد الجنرال عون بحضور السيدحسن نصرالله على تأكيده في لقائهما المشترك في احتفالية الذكرى السنوية لورقة التفاهم بين الرجلين والتيارينِ والحزبينِ الاكثريين، رغم قدرتهما الواضحة والأكيدة على حسم المعركة الداخلية لصالحهما بكلّ سهولة لولا حرصهما على السلم الأهلي ومنع تحقق مخطط الفتن المذهبية المتنقلة المعدّة لكلّ قطر عربي وإسلامي على قاعدة العرقنة التي باتت انموذج الخيار الأميركي لكلّ نزاع أو اختلاف فيما تسميه بأقطار الشرق الأوسط الجديد والموسّع!

هذا الوضع الاستثنائي قد يدفع بالعدو الصهيوني المحشور في الزاوية للتفكير مجددا للاستفراد بلبنان، وهو ما لن يمر بسهولة هذه المرة ابدا كما صار معلوما وقد يفتح حربا من نوع جديد ستغيّر وجه المنطقة وربما التاريخ المعاصر كلّه كما سبق وحذرالأ مين العام لحزب الله اللبناني السيدحسن نصرالله!

وعندها سيكون متأخرا جدا على أي وسيط عربي أو دولي أن يفعل شيئا تجاه لبنان، تماما كما سيكون متأخرا جدا على فريق الموالاة اللبناني القبول بأية صيغة توافقية للحكم ، هذا إن بقيت أصلا تشكيلة ما يُعرف اليوم بالموالاة على المسرح السياسي اللبناني!

إنّ لبنان اليوم على مفترق طريق خطير فإمّا أن يحسم أهله خيار وجهته المقبلة بالتوافق والتراضي وتحديدا باتجاه العض بالنواجذ على عروبة لبنان والتوافق على إعلانه بلدا مستقلا ومتحررا من أية التزامات تجاه المشروع الأميركي الشيطاني و كذلك عدم القبول باعتماد أرضه لا مقرا ولا ممرا للتآمر ضد سورية كما ينصّ اتفاق الطائف، أو أن يقع في المحظورفيتم هذا الحسم من خلال اندلاع حرب ستكون هذه المرة لاشك أقوى وأشد وأكثر خطورة من حرب تموز الماضية!

العارفون ببواطن الأمور هذه يُسارعون القول بانه «وما على الرسول إلاّ البلاغ المبين» وإنه لقد أعذر من أنذر من الوسطاء الإقليميين أو الدوليين، كما أنه لن ينفع الندم غدا من جانب أيّ من الاطراف المحلية المتورّطة في مشروع الفتنة الكبرى المعدة للبنان، كما لن يبقى مجال كذلك لأحد للوقوف على الحياد هذه المرة كما يقولون كما لن يتسامح مع أحد أن يفهم موقفه أو يعطي الانطباع بانه طعن في الظهر؛ لأن المعركة هذه المرة ستكون شاملة وقاسية ولن يفلت أحد من المترددين من دون عقاب مهما تكن حجته الظاهرية تبدو وكأنها قانونية أو عقلانية؛ لأن المعركة ستكون هذه المرة معركة وجود لا معركة حدود كما نسمع في الأروقة الخلفية للمخططين لمثل هذه الحرب أو المتوقعين إيّاها والمستعدين للرد عليها بكل ما أوتوا من قوّة ومن رباط الخيل وغير الخيل!

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1983 - السبت 09 فبراير 2008م الموافق 01 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً