العدد 1987 - الأربعاء 13 فبراير 2008م الموافق 05 صفر 1429هـ

«التعددية النقابية»... هل تؤدي إلى اغتيال المجتمع المدني؟

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

إن كانت حكومتنا الرشيدة قد وجدت نفسها مرة واحدة ومن دون مقدمات «متيمة» جدّا بالعمل النقابي وحريصة على تكريس مبادئ التعددية والاختلاف إلى أبعد الحدود، فلماذا لا تدفع إذا بجهودها ومساعيها ناحية تحسين أوضاع النقابيين في بعض مؤسسات البلاد وتعوضهم عمّا حاق بهم من أضرار معنوية جسيمة، وعن قطع أرزاقهم وخسرانهم لوظائفهم، وإدخالهم في متاهات لا طائل منها في تحقيقات واستجوابات بوليسية وتهديدهم باتخاذ الإجراءات التأديبية أو الترهيبية، وعزلهم وحصرهم ونبذهم مؤسسيّا بعيدا عن زملائهم كما يفعل بالمجانين والمرضى نفسيّا في العصور الوسطى؟!

فمع إشراقة كل يوم جديد تزداد قائمة أسماء النشطاء النقابيين «المغضوب عليهم» و «الضالين» من قبل مسئوليهم ومرؤوسيهم في أماكن العمل، فيتم التصرف حيالهم كما لو أنهم مذنبون ومرتكبون لأفعال جنائية مخزية يعاقب عليها القانون وتستلزم أقصى العقوبات، وتنشر صورهم وأخبارهم في الصحف اليومية لتصبح مثارا للجدل والرأي العام وانعكاسا واضحا لانشطار الرؤية الميدانية تجاه العمل النقابي سواء من قبل منظمات المجتمع المدني أو من قبل الدولة، فمن منكم مثلا من لم يقرأ عن قضية النقابي جمال عتيق والنقابية نجية عبدالغفار أو النقابي فيصل غزوان وغيرهم الكثير والكثير؟! ومن منكم من لم يسمع مثلا عن قضية رئيس نقابة عمال شركة «دي إتش إل» النقابي عبدالله أحمد التي لاتزال قضيته حبيسة أدراج الاستئناف القضائي، وعلى رغم أن المحكمة قد حكمت في البداية لصالحه عبر تعويضه بمبلغ 5000 دينار بحريني نظير ما لحق به من أضرار مادية ومعنوية إلا أنه لايزال حتى اللحظة الحالية عاطلا عن العمل، وبانتظار الإنصاف من العدالة القضائية وكله أمل كغيره من النقابيين أن يتمكن من العودة مرة أخرى إلى العمل وهو مطلب أساسي وحق مشروع لا خلاف عليه طالما لم يقرن البعض بين العمل النقابي وجنايات الاختلاس والتزوير وتعاطي الرشاوى والتحرش الجنسي والإتيان بأفعال خادشة للحياء العام في مواقع العمل!

ألسنا إذا بحاجة إلى نصب تذكاري لضحايا العمل النقابي إلى جوار نصب للإنجازات والمكتسبات؟!

وعلى رغم أن العمل النقابي له جذور نضالية طويلة وراسخة في هذه البلاد والمسيرة النقابية قد كان لها أبرز الدور والأثر الريادي في خلق الحراك الاجتماعي الفاعل والبناء وتعزيز المطالبات الحقوقية المشروعة وتنمية الوعي والحس الوطني لا يمكن نكرانها وجحودها، وعلى رغم وعود وتوجيهات سامية لجلالة الملك المفدى بحق مزاولة العمل النقابي وبعدم مشروعية فصل النقابي من عمله إلا أنه وللأسف هنالك مسئولون في الدولة لا يكترثون بأمر تلك الحقوق الأصيلة والتوجيهات السامية وكأنما هم يرمون بها عرض الحائط، وهم حينها يعمدون إلى مساومة العمال على حقوقهم وأرزاقهم، فإما الحق وإما الرزق ولا جامع بينهما!

وإن كان البعض يتذرع بأن اعتماد التعددية النقابية سيقود إلى كسر احتكار العمل النقابي من قبل البعض وتجييره سياسيا، وإن كنا لا نختلف على أن العمل النقابي في مشهده الحالي بما يعبر عنه من قضايا وحقوق عامة بحسب ارتباطه واندراجه ضمن مؤسسة أو كيان معين وهو إذا من الطبيعي أن يمثل أشكال الصراع السياسي الحالية التي تدور جميعها في فلك المطالبات الحقوقية الشعبية وعلى رأسها تحسين الوضع المعيشي وتحقيق العدالة الاجتماعية، إلا أنه وما نود أن نشير إليه إلى أن الاختلاف ليس على مبدأ التعددية في حد ذاته وإنما في الأغراض السياسية من التعجيل بطرح هذا المبدأ على حساب الإخلال والتقصير في موجبات أخرى، وما ستقود إليه حينها «تعددية العمل النقابي» حتما في ظل أوضاع وظروف الاحتقان الطائفي والفئوي الحالية ومع وجود أزمة كبرى للعمالة الوافدة في البلاد، أضف إلى ذلك التجربة الخالدة في إنشاء منظمات وجمعيات «الغونغو» وهي منظمات وجمعيات مزيفة تدار من الأعلى بغرض أن تتحرك وتلعب ضد أدوارها ومسئولياتها وأدوار ومسئوليات زملائها من المنظمات والجمعيات الأصيلة!

فإن كان العمل النقابي وسلسلة المطالبات الحقوقية العامة في البلاد ربما هي في بعضها من الحقول النادرة التي لم يغزُها «التطييف السياسي»، وهي تحظى بإجماع شعبي عام لا خلاف عليه، فإننا هذه المرة وفي ظل إقرار تعددية العمل النقابي معرضون لأن نرى انعكاسا أكثر شفافية لتفاعلات محاليل التطييف السياسي أيّا كان منبتها ومنشؤها، وإن كنا قد شاهدنا استشراسا فئويا غريبا من قبل بعض الجماعات والفئات المتمصلحة ما ان تصل البرلمان، فتخيلوا مثلا أن يكون لها نقابات نصرة للمرامي السياسي ولو على أنف الموانع الشرعية والموانع الطبقية! ألن يشكل ذلك ارتكاسة حقيقية للعمل النقابي ورجوعا به إلى الوراء ويشل من حركة تطوره ويثخن الحركة العمالية؟ تخيّلوا أن نجد يوم غد نقابة تحمل شعار «أطيعوا أولي الأمر منكم» ونقابة أخرى تتبنى شعار «كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة» وأخرى تقارعهم «لا صوت يعلو فوق صوت المرجعية» و «يد الله مع يد الجماعة» وغيرها من شعارات يتم تجييرها سياسيّا!

ولعله من المناسب لنا وأمام ما تشهده الساحة من إضرابات عاتية للعمالة الوافدة الساعية إلى المطالبة بحقوقها أن نتساءل عن ما يمكن أن يضيفه مبدأ «تعددية العمل النقابي» إلى هذه الوقائع فيما لو كانت هنالك نقابة هندية ونقابة بنغالية ونقابة باكستانية ونقابة فلبينية ترجع في النهاية وبطبيعة الحال إلى التنسيق مع سفارات بلدانها في المملكة فيما قد يشكل نوعا من التدخل السياسي والاستراتيجي! ألا يمكننا أن نعتبر أن الاهتمام المشغوف بإقرار مبدأ التعددية النقابية قد يشكل طلقة قاضية ضمن طلقات اغتيال «المجتمع المدني» في البحرين لصالح تعزيز وتقوية نفوذ المجتمعات الأهلية التي سيسهل التحكم بها وتوجيهها ومساومتها على حساب المطالب الوطنية؟!

وما نعرفه أن التعددية إما أن تكون مصدر إثراء وإغناء إيجابي، وإما أن تكون مصدر تشظية وتفتيت وعودة إلى القهقرى الأولى بحسب الظروف والملابسات المحيط بها، ونعرف أننا وأمام جميع تلك الحقائق شهدنا مواقف مسئولة وطنيّا وحريصة على المصلحة العامة تميّز بها عدد من أعضاء مجلس الشورى وعلى رأسهم نائب الرئيس جمال فخرو، وهي مواقف بالتالي تستحق الإشادة والتقدير على العكس من مواقف بعض ممثلي الشعب!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1987 - الأربعاء 13 فبراير 2008م الموافق 05 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً