العدد 1998 - الأحد 24 فبراير 2008م الموافق 16 صفر 1429هـ

جوزف... لو كنت حيا

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

قبل عام مضى رحل الصديق جوزف سماحة. وخلال يوم وداعه في بيروت زرت غرفته في صحيفة «الأخبار» اللبنانية التي تبوأ فيها منصب رئيس التحرير في شطر حياته الأخير. الغرفة عادية وجوزف ترك على عجل أوراقه ودفاتره وأقلامه وصحفه وكتبه من دون ترتيب ليسرع بالذهاب إلى لندن لمواساة صديقه حازم صاغيه بوفاة زوجته مي غصوب. فهذا الصديق الكريم والوفي والنبيل غادر مكتبه بسرعة ولم يخطر على باله أن قدره سيكون بانتظاره هناك.

مضى العام الأول على رحيل جوزف والأمور التي عاشها وراقبها وكتب عنها لاتزال على حالها أو تتطور سلبا وإيجابا. فالدنيا لا تتوقف فهي مقبلة مدبرة، تستقبل وتودع، تصعد وتهبط ذهابا وإيابا من دون انتباه أو وعي. الأيام تمر، والوقت يتواصل من دون انقطاع، والحياة تستمر، والمشاهد تتعاقب، والصور تتكرر... والإنسان حائر بين الاختيار والقدر. عمر البشر مبرمج ولا يعرف موعد الساعة إلا في موعدها.

جوزف،

تريد أن تعرف ماذا حصل في السنة الماضية؟ وماذا كنت رأيت لو بقيت حيا؟ الحياة تدافع وفيها «الحلو» و «المر» والمتوقع وغير المتوقع. في الولايات المتحدة لايزال «المفقوع الرأس» جورج بوش يكابر في سنته الأخيرة ويترنح يسرة ويمنة بعد أن صدر تقرير المخابرات المركزية مشيرا إلى توقيف إيران مشروعها النووي العسكري في العام 2003.

هذا التطور النوعي حصل في وقت تشهد ساحات أميركا معركة حامية في الحزبين الجمهوري والديمقراطي لاختيار المرشح المفضل لانتخابات الرئاسة. الجديد في الموضوع ظهور «القوة السوداء»، كما كان يقول المناضل المغدور مالكوم اكس، على ساحة التنافس. لا يعرف حتى الآن المدى الطبيعي الذي ستصل إليه قوة باراك أوباما ولكن هناك إشارات ربما تؤدي إلى حصول انقلاب في مزاج الشارع الأميركي يكسر تلك النمطية المتوارثة في هذا البلد الغريب من نوعه في تركيبته وتاريخه. المعركة حتى الآن ساخنة ومتأرجحة بين «باراك» و «اوباما». فهل يتغلب الأول على الثاني أم الثاني على الأول؟ الجواب النهائي في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

في أوروبا حصلت الكثير من التطورات منها الجيد ومنها السيئ ومنها غير واضح الملامح. في إيطاليا تعثرت حكومة التحالف اليساري. وفي فرنسا وهي البلد الذي قضيت فيه شطرا من حياتك أصبح نيكولا ساركوزي رئيسا للجمهورية وطلق زوجته وتزوج عارضة أزياء وقام بجولات حكومية سريعة على بلدان كثيرة وقع فيها على عقود وصفقات قدرت بنحو 90 مليار دولار الأمر الذي أثار انتباه بوش وأزعجه. وفي مطلع السنة قفزت مسألة كوسوفو على شاشة القارة وأعلنت استقلالها الأسبوع الماضي ما دفع صربيا وإسبانيا واليونان وروسيا وبعض دول أوروبا الشرقية إلى الاعتراض والاستنكار. حتى الآن لم تتوضح الصورة النهائية للموقف الدولي ولكن هناك إشارات تدل على عودة «الحرب الباردة» ضمن شروط وقوانين مختلفة تحتل فيها مسألة الأمن القومي وتوابعها (الدرع الصاروخي) نقطة مركزية في تجاذبات القوى الكبرى على أوروبا.

في الصين لاتزال الصورة على حالها. فهذا المارد ينمو ويتطور اقتصاديا وبحذر سياسي. بينما الهند لاتزال تحقق خطواتها الأولى بنجاح في مجال التقدم التقني. وروسيا تستعد الآن لتوديع رئيسها الناجح فلاديمير بوتين وهناك احتمالات ترجح عودته إلى السلطة.

في إفريقيا حصلت انتخابات في كينيا تحولت بعد إعلان النتائج إلى حرب أهلية قبلية سياسية ذهب ضحيتها مئات القتلى والجرحى. وفي تشاد تطور الصراع على السلطة وكادت المعارضة المسلحة تسقط الرئيس إدريس ديبي لولا تدخل فرنسا ساركوزي في الربع الساعة الأخيرة وأنقذته من الانهيار. وفي دارفور لايزال الإقليم عرضة للتجاذبات القارية الدولية في سياق ممانعة سودانية للتدويل.

في أميركا اللاتينية بدأت تظهر معالم سياسية على الشاشة الإقليمية. فالرئيس الفنزويلي تراجعت شعبيته بعد خسارته الاستفتاء على تعديل الدستور الذي طمح منه تأمين زعامته إلى الأبد. وفي كوبا تنحى «الرفيق» فيديل كاسترو عن رئاسة الدولة لشقيقه رأوول لأسباب صحية تتصل بالشيخوخة.

أما في آسيا فحدث ولا حرج. فالقوس الذي يطلق عليه «هلال الأزمات» شهد تحولات دراماتيكية مذهلة. فالمعارضة بينظير بوتو اغتيلت بانفجار قبل شهرين تقريبا وفاز حزبها الذي ورثه زوجها بالانتخابات وأخذ يهدد الرئيس برويز مشرف على الزعامة بعد أن نجحت تكتلات المعارضة في كسب غالبية المقاعد. هذا في باكستان. أما في أفغانستان فإن حال هذا البلد القبلي الإقوامي تسير من أسوأ إلى أسوأ. قوات التحالف الأطلسي تترنح ومجموعات «القاعدة» و «طالبان» أخذت تستعيد قواها ومواقعها وبدأت تنتشر إلى باكستان المجاورة وتهدد أمنها ووحدتها.

البسط والقبض

في إيران لاتزال استراتيجية البسط والقبض بين طهران وواشنطن على حالها سواء على مستوى اللقاءات «الفنية» و «التقنية» بشأن تقاسم النفوذ في العراق أو على مستوى الملف النووي والضغوط الدولية بشأن زيادة العقوبات، بينما الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي يستعد لمعركة انتخابات السلطة التشريعية لايزال يواصل إطلاق صواريخه البخارية عشوائيا. أما العراق الذي يستعد لاستقبال أحمدي نجاد في الأسبوع المقبل لاتزال حكومة الاحتلال تستبد به وتشطره وتمزقه وتسرقه وتنهبه وفق «النموذج الأميركي» الذي وعد بوش شعوب «الشرق الأوسط» بتعميمه عليهم. فهذه الحكومة المتهالكة نجحت في العام الماضي في تبوأ المرتبة الثالثة بصفتها الأكثر فسادا في العالم، فهي جاءت بعد الصومال وماينمار في «مارثون» من هو الأوسخ في الكرة الأرضية. الكارثة العراقية لم تستقر على قاع حتى الآن والتطورات ترجح احتمالات خطيرة وخصوصا بعد بلوغ التوتر الأمني على الحدود التركية درجة الحرب والمطاردة والملاحقة. وفي أنقرة بدأت الحكومة الإسلامية المعتدلة تتخذ خطوات تقلم أظافر العلمانية المتطرفة إذ سمح البرلمان بموافقة من الرئيس بارتداء الحجاب في الجامعات والمؤسسات الرسمية.

جوزف،

تريد أن تعرف ماذا حصل في لبنان، وما هي أخبار فلسطين العزيزة على قلوبنا؟ انقسمت السلطة على بعضها وتضاربت «حماس» و «فتح» في غزة وتقاتل الإخوة وانشق القطاع عن الضفة وأقدم مقاتلون «أشاوس» على تمزيق صور أبوجهاد. وصدق أو لا تصدق قام مسلحون من «حماس» بدوس كوفية أبوعمار على مرأى حكومة تل أبيب. أما رئيس الحكومة أيهود أولمرت فقد تملص من إخفاقاته وانتكاساته في العدوان على لبنان إذ قرر تقرير القاضي العنصري فينوغراد إعفاء حكومته من المسئولية السياسية بناء على طلب أميركي. أما الرئيس محمود عباس الذي توجه إلى أنابوليس، لحضور «مؤتمر دولي» شاركت فيه سورية، تائه في خرائط طرق لا يعرف أولها من آخرها بينما أفعى الاستيطان تواصل تمددها في القدس والضفة. وغزة المسكينة التي انفجرت أخويا فهي تعاني مرارة التجويع بعد أن فرضت حكومة أولمرت أسوأ حصار منذ حملات وغزوات الفرنجة. هذا الحصار المفروض ازداد قساوة برحيل المناضل «الرفيق» جورج حبش الذي غادر الدنيا على مقربة من فلسطين.

في لبنان احتفل الأصدقاء أمس بالذكرى الأولى لغيابك وعقد نادي «اللقاء» سلسلة فعاليات تناولت جوانب من حياتك وأفكارك على خط مواز مع تاريخ بيروت إذ عرض فيلم «بيروت يا بيروت» للصديق المشترك الراحل مارون بغدادي.

بيروت لاتزال تعاني وتتعرض يوميا لخطر الاقتتال والانتحار. فهذه المدينة كتب عليها أن تعيش في حال يرثى لها. مظاهرات وتجمعات «مليونية» تترافق مع حملات وتصريحات مجبولة بالكراهية والاستعداد للتناحر والموت.

بيروت اليوم أسوأ مما كانت عليه قبل سنة. الانتخابات الرئاسية لم تعقد وكرسي بعبدا لايزال فارغا منذ خروج أميل لحود من القصر. حتى الآن لم تتوافق أطراف «8 و14 آذار» على صيغة توفيقية أو تسوية تاريخية قاسية. ومنذ أكثر من أربعة شهور فشلت كل المحاولات لترتيب تلك الجلسة. فرنسا ساركوزي فشل في مبادرته. وجامعة الدول العربية على قاب قوسين من إحباط مبادرتها. وقمة دمشق العربية باتت مهددة بسبب الاختلاف على الرئاسة اللبنانية. ودمشق شهدت قبل 13 يوما حادثا مؤلما حين وقعت جريمة اغتيال مخابراتية استهدفت القائد العسكري لحزب الله عماد مغنية. لم يعرف حتى الآن كيف حصلت الجريمة، ومن نفذها لابد انه ارتكبها لمصلحة أميركا و «إسرائيل»؟ هذه الجريمة وضعت لبنان أمام أبواب مفتوحة. ويرجح أن تستمر التجاذبات الأهلية في تعطيل الحياة السياسية نظرا لتنافس القوى على خوض معركة الأرقام (13، 10، 7 أو 10، 10، 10 أو 12، 8، 6... الخ) أو استعراض الحشود (مليون أو نصف مليون) في وقت باتت احتمالات «الحرب المفتوحة» تطرق الأبواب.

جوزف،

هذه بعض صور العالم كان بإمكانك مشاهدتها لو كنت حيا. أما التوقعات المحتملة في الآتي من الأيام فإنها ليست مريحة. وضع لبنان أسوأ من تلك اللحظة التي قررت فيها مغادرة مكتبك في بيروت بقصد مواساة صديقنا في لندن. فالأحوال التي وصفتها في تلك المقالات الوداعية ونشرتها في «الأخبار» في الأسبوع الأخير من رحيلك وتوقعت فيها أن تكون الأيام أصعب كانت صحيحة في مخاوفها ورؤيتها. لبنان دخل منذ نحو السنتين حقل الألغام العنقودية ولا يعرف متى تأتي اللحظة. فهذا المسألة الإنسانية السياسية تشبه حياة البشر إذ لا خيار فيها وإنما قدر محتوم.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1998 - الأحد 24 فبراير 2008م الموافق 16 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً