العدد 2000 - الثلثاء 26 فبراير 2008م الموافق 18 صفر 1429هـ

فقراء... والشاطر يكسب

إن مسلسل ارتفاع الأسعار على ما يبدو لن ينتهي قبل أن يأتي على روح آخر مواطن بحريني (شريف)! ومن الواضح جدا أنه قد تحول إلى مسلسل مكسيكي مدبلج فظل يدور في حلقته المفرغة من دون أن يتمكن الكاتب من الوصول إلى الحلقة الأخيرة فيه ليختم بها حوادثه (البايخة) التي أنهكت الناس وأقلقت راحتهم... ولذلك فلا نستغرب من تكرار الإعلان بين الفينة والفينة عن الرفع المترقب لأسعار مجموعة جديدة من السلع التي غالبا ما تكون استهلاكية ومن الدرجة الأولى.

مسلسل سخيف وبداية بلا نهاية ضحيتها الأولى والأخيرة هو المواطن الحافي القدمين الدامع العينين على حاله وما صار إليه وهو في حضن بلده، غريب بلا غربة وحي بلا روح، مطلوب لهذا وذاك ولم يبق من يمكن أن يقرضه ولو فلس (لآخر الشهر)، وآخر تلك الطرفات هو خبر ارتفاع أسعار الرز (على رغم أنها مرتفعة أصلا)... والبقية تأتي بلا ريب... وماذا في ذلك وأين يقع الخلل، فلابد أن هناك حسابات مصرفية لم تعان من الفائض بعد، ولابد أن جيوب (بعض) التجار مازالت جائعة لأرواح الناس تحصدها ولا تبالي... حسابات مصرفية مازالت تنادي (هل من مزيد؟) ومزيد من الارتفاع في الأسعار يعادل مزيدا من السقوط تحت خط الفقر، ومزيدا من الجوع، ومزيدا من الإسقاط من معدل حقوق العيش الكريم لأي إنسان في داخل موطنه أو خارجه.

ولعل للظلم باب هنا فينبغي لنا العمل على سده، فليس التجار والباعة وحدهم المسئولين عن ارتفاع الأسعار، نعم بعض السلع كان ارتفاعها مبررا، لكن بعضها الآخر لم يكن كذلك! (وهو الوضع الغالب) وحتى السلع التي كان ارتفاعها مبررا لم نجد مبررا للمزايدة التي تلت الارتفاع المبرر هذا، كما أن المستهلك يلعب دوره العظيم في استمرار وتفاقم هذا الوضع، ولنقل بصراحة أننا نحن من شجع ارتفاع الأسعار منذ البداية ونحن من صفق له تصفيقا حادا قبل أن يصفق له التجار، فلا شيء يبرر لنا أن نشتري السلعة بأي سعر كان ونقول (أمرنا لله)، إذا فأين سياسة البدائل الاستهلاكية؟ وأيننا نحن عنها؟ وما يمثل ذلك تمثيلا حيا هو ما نحن بصدده من ارتفاع في أسعار الرز، ما يعني عبئا ثقيلا سيلقي بكاهله على الفقراء (الذين هم الشريحة العظمى من الشعب واقعا)... وبصراحة نحن (البحرينيين) نعاني من عيب شائع (والاعتراف بالذنب فضيلة) عيبنا أننا إذا لم نأكل الرز فنعتبر أن شيئا مهما قد انتزع من برنامجنا اليومي! إخواني لا عيب في استبدال الغالي بالرخيص (نسبيا) ولا عيب في أن نغير بعض عاداتنا الغذائية بهدف التقليل من العبء المادي الذي يرهق موازنة الأسرة، الرز مثلا هو نشويات ما يعني أنه (ومن الناحية الغذائية) لن يكون هنالك فرق بتاتا بين أن تتناول رز باللحم أو معكرونة باللحم، أو حتى فاصوليا (باعتبار أن البقوليات مصدر بروتين نباتي وتحتوي على النشويات بنسبة ما). نعم في ذلك تغيير لعاداتنا التي عشنا وتربينا عليها، لكن أيضا فيه أمل لأن نخفف عن أنفسنا عناء التهاب كل ما التهب من أسعار السلع، فلابد لنا من أن نغير في عاداتنا ونقاطع ما صار سعره خارج عن طاقتنا المادية مادامت حكومتنا لم تقرر بعد التغيير من وضعنا وظروفنا الحياتية بشكل ملموس، وقل للطامع في رزقه من الـ 40 مليون «مش بوزك».

ومادامت مملكتنا الحبيبة قد عودتنا على استيراد تجارب الآخرين وتطبيقها عندنا فلا عيب في أن نسير على هدى ما عودتنا عليه حكومتنا الرشيدة ونستورد تجربة غاندي في الهند... ذلك الرجل الهندوسي الحر بكل ما تحمله الكلمة من معنى، كان يحارب الاحتلال وتمكن من تحرير أرض بلاده بمجرد إخضاع عادات الشعب لبعض التغيير في نمط العيش، ونحن لا نحارب احتلالا ولا نغزو بلادا وإنما كل غرضنا هو أن (نعيش)، يعني أن عدونا الأوحد هنا هو الفقر المدقع بنا والموقع بأهلنا جوعا في قبورهم أو مرضى في فراشهم... نحارب آفة الفقر قبل أن يلتهم ما بقي من عظام شعبنا العزيز الكريم، ولا ننسى أن طبع الكريم كريم، يرضى بالبسيط ويحيا وكأنه في قمة العيش الرغيد.

ولماذا نخجل من استبدال السلع الغالية بالرخيصة؟ هل نخاف من أن يقول الناس عنا (فقراء)؟ ولم الخجل والخوف مادام هذا هو الواقع (ولمن لم يفهم بعد: نحن البحرينيون فقراء فعلا!) ولا ينبغي أن يقتصر التغيير على السلع الغذائية، فكما أن الارتفاع حل بكل شيء فلابد من أن نغير عاداتنا في استخدام كل شيء، فمثلا «البالطو» النسائي التهب سعره لكن مازال بالإمكان اختيار قماش أرخص والاستغناء عن تلك الزركشات بلا معنى التي ترفع من سعر العباءة أكثر وأكثر وكأنها مصنوعة من خيوط الذهب! وإذا كانت الصالونات قد أثقلت كاهل الأزواج - كما قيل حديثا - فلِمَ لا تتبرع فتاة من كل عائلة وتدرس دورة تجميل في أحد الصالونات ثم تقدم هذه الخدمات داخل نطاق عائلتها وصديقاتها؟! ولا أعتقد أن ذلك سيثير جدل أحد، فلا توجد جهة في الدولة أو حتى خارجها من حقها أن تمنع فتاة من تزيين أختها أو عمتها أو قريبة لها، ولا يتطلب الأمر أي إجراء حكومي مادامت لم تتاجر بنشاطها هذا وتكون بذلك قد وفرت على العائلة الكثير الكثير!

وعلى مثل ذلك فلنقس باقي الأمور، ثم انظروا وسترون كيف سيتمكن المواطن البحريني من تحسين وضعه ولو بالشيء البسيط، فوجود البدائل الأقل كلفة سيحسن من حال الناس وسيفتح لهم أملا وبابا للحياة بعدما أعدمهم السوق راحة بالهم. إخواني... ليس كلامي هذا خياليا ولا هو من باب النكتة أو المداعبة، بل هو أمر واقعي يمكن تحقيقه وهو عملي في الوقت ذاته، فمن جهة أنت تتعايش مع الوضع الاقتصادي المزري في البلد (المتزامن مع زيادة العوائد النفطية)، ومن جهة أخرى نكون قد وجهنا رسالة واضحة إلى كل من يتاجر بأرواح الناس ومقدراتهم، ولكل من يرفع الأسعار بغير حجة منطقية، رسالة لا مضمون لها إلا عبارة واحدة: «إذا كنت تاجرا شاطرا فإني مواطن فقير لكني أشطر منك»... ولا تنسوا أن البضاعة إذا قاطعها الناس لابد أن ينزل سعرها... وأولا وآخرا (الشاطر يكسب).

مريم الملاح

العدد 2000 - الثلثاء 26 فبراير 2008م الموافق 18 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً