العدد 2001 - الأربعاء 27 فبراير 2008م الموافق 19 صفر 1429هـ

«المستبعَدون» قطعة الشطرنج المفقودة... موعد «الصحوة» الآن!

بدأ مترجم «الشيعة في العالم... صحوة المستبعدين واستراتيجيتهم» كتابه بالقول إن الكتاب «ليس دفاعا عن الشيعة، ولا تعريضا بالسنّة، بل عرض للتاريخ والواقع»، فيما برّرت دار الفارابي نشرها للكتاب بأن هدفه أن «يرى القارئ صورة عمّا يسعى إلى الإحاطة به، ولكي يرى كيف ينظر الآخرون إلينا».

الطبعة العربيّة الأولى التي صدرت العام 2007 ترجمها عن الفرنسيّة نسيب عون. أمّا مؤلّف الكتاب فهو فرنسوا تويال، مدير الدروس في المدرسة الحربية العليا للجيوش الفرنسية، ومستشار رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي وهو متخصص بالدراسات الاستراتيجية وله نحو 25 كتابا. تلك المناصب هي ما يضفي على الكتاب ثقلا آخر بحكم عمق تجربة مؤلفه السياسيّة واحتكاكه عن قرْب بشبكات ودهاليز سياسات الدول.

الكتاب الذي يقع 191 صفحة من القطع المتوسط يركّز على الأساسيّ من الظواهر والحالات الشيعيّة، وما يناسب في تناوله السهل والموجز الجمهور الذي لا تستهويه الدراسات والأبحاث الأشدّ عمقا والأكثر تفصيلا. ويبدو أن مؤلفه عبر استعانته في بحثه بأكثر من 60 مرجعا بالفرنسيّة والإنجليزيّة بذل جهدا للوصول إلى معلومات لن تكون صحيحة مئة في المئة حتما، ولكنّ فيها ثراء وتتبّعا بالغَيْن، ولربما انطوى الكتاب على خبايا يجهلها القراء العرب أنفسهم، بل وأصحاب المذهب نفسه.

حينما تنتهي من قراءة هذا الكتاب تلمس حجم تداخل الدينيّ بالسياسيّ، ويكشف لك المؤلف عبر قراءة خريطة جغرافيّة - سياسيّة - استراتيجيّة في العالم المعاصر الكثير ممّا يجهله القراء العرب أو سواهم عن «الشيعيّة»، سواء كانوا مسيحيّين ومسلمين سنّة وشيعة بمختلف فرقهم وفي سائر بلدان انتشارهم. والكتاب بحق يمثل «نزهة» في التاريخ والجغرافيا والسياسة هدفها استشراف المستقبل.

قسّم تويال كتابه إلى قسمين: الأول عنونه بـ «الشيعيّة الإيرانيّة: نجاحات وحدود» وتطرّق فيه إلى وضع الشيعة في إيران وأذربيجان وأفغانستان وتركيا والهند وآسيا الوسطى. وفي القسم الثاني الذي عنونه بـ «الشيعيّة العربيّة أو صحوة المستعبدين» تطرّق إلى أوضاع الشيعة في العراق والخليج واليمن وسوريّة ولبنان. وختم الكتاب بملاحق مهمّة تعين القارئ على فهمٍ أفضل للعقائد والتاريخ الشيعيّ والديموغرافيا الشيعيّة.

على رغم أن الكتاب صدر بالفرنسية في طبعته الأولى العام 1992 ولكنه لايزال يحتفظ بجدّته، فالفكرة التي طرحها تويال آنذاك وتعززت في الفترة الأخيرة تركز على أن معتنقي مذهب التشيّع (بقطع النظر عن اختلاف تشكيلاتهم العقائديّة) أصبحوا عاملا جغراسيّا مهمّا في البلدان التي يعيشون فيها وعلى مستوى الساحة الدوليّة بسبب الأوضاع الصراعيّة المعاشة.

يؤكد المؤلّف من خلال كتابه أنّ العالم الإسلاميّ أخذ أخيرا يبدو بالنسبة إلى الاختصاصي بالجغرافيا السياسيّة كما بالنسبة إلى المثقف العاديّ على حقيقته السوسيولوجيّة كتنوع عقيديّ جغرافيّ سياسيّ، كما لم تعد «الشيعيّة» - بحسب تعبير المترجم - نوعا غريبا من الإسلام بل أحد مكوناته الأساسيّة، وهي تاليا قطعة شطرنج سيكون لها تأثير بعدما استبعدت كثيرا عبر التاريخ.

تنبأ المؤلف في طبعة كتابه الأولى في باريس العام 1995 بتغيّر الواقع العالميّ، وهو ما وقع فعلا مع إعادة طبع الكتاب في 2001، وقد لفت تويال في طبعته العربية أخيرا إلى أنّ الواقع الجديد منذ خمس سنوات أفرز واقعا بدت فيه أوضاع العالم الإسلاميّ والمنطقة مثقلة بالتهديدات وعدم الاستقرار مع سعي الجماعات الشيعيّة إلى الخروج من المنعزلات التي عاشت فيها طوال قرون سياسيّا واجتماعيّا عبر الترويج لمذهب «رؤيويّ» يتمحور حول الإمام الغائب ويفترض عدم نهائية التاريخ، أي أنّه يعيش حالة «غليان سياسيّ دائم»، وهو ما جمّد بالطبع أحلام الوحدة العربية الذاوية لبضعة عقود من الزمن.

يؤكد المؤلّف أنّ الدين الإسلاميّ لا يفرّق بين المجتمع المدنيّ والدينيّ باعتبار أنه لم يجرِ التمييز بينهما في بداية الدعوة المحمديّة، وأن النزاع بين السنّة والشيعة سياسيّ بامتياز. ويلفت تويال إلى أنه ليس ثمّة في الأفق ما ينبئ عن إمكان التقارب بين العالمين السنيّ والشيعيّ، وبالمقابل ليس ثمّة ما ينبئ عن وجود أيّة نيّة للتواصل بين متفرّعات الشيعة أنفسهم، كما أنّ هناك تقسيماتٍ ومجموعاتٍ داخل الشيعة الاثني عشريّة لا تحمل إرادة التقارب، ويرجع ذلك إلى افتقاد المذهب الشيعيّ إلى «مسكونيّة شيعيّة»، بحسب تويال.

في ختام كتابه يطرح تويال عددا من الأسئلة عن مصير «الشيعيّة»، وإمكان أن تتطوّر من الداخل على كلّ الصعد من خلال مفاهيم العصرنة، مؤكدا أنها لن تتفتت بل سترسّخ وجودها جغرافيّا وسياسيّا.

العدد 2001 - الأربعاء 27 فبراير 2008م الموافق 19 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً