العدد 2004 - السبت 01 مارس 2008م الموافق 22 صفر 1429هـ

مهما ضاقت أحلام الرجال... أوطاننا غير قابلة للقسمة!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

منذ أن تأسست الدولة الإسرائيلية وزُرِعت في قلب الوطن العربي والإسلامي, والنقاش والجدل لا يتوقف بين النخب في بلادنا عمّا إذا كان ما أخذ بالقوّة والغصب من أرضنا وحقوقنا ومنابع ثروتنا كامة وكأقطار في فلسطين أوّلا وفي سائر ما بات يُعرف بدول الطوق ثانيا, يمكن أنْ يُسترد بالاحتجاج السياسي والعمل الإعلامي والدعائي وبالجهد والمساعي الدبلوماسية في المحافل الدولية - باعتبارها آخر ما توصّل اليه ما يُسمّى بالمجتمع الدولي الحر والتقدّمي من طرق لحل النزاعات - سلميا!

أو أن ما أخذ بالقوّة لا يُسترد إلا بالقوّة وكل ما عدا ذلك من كلام ليس سوى تفاصيل!

وفيما نرى العرب والمسلمين اليوم وبعد مرور العقد تلو العقد يتناقشون ويتجادلون وأحيانا يتصارعون أو يتحاربون بسبب هذا الجدال, لم يترك الإسرائيليون فرصة ولا مناسبة إلا ويثبتون لخصمهم بأنّ الصراع إنما هو صراع وجودي وأنه لا حل له إلا أن يتنازل أحد الطرفين للطرف الآخر سلما - وفي هذه الحالة أن يقدم العرب والمسلمون صكا تاريخيا بالاستسلام للمطالب الإسرائيلية - أو أن يحسم النزاع حربا مفتوحة لا هوادة فيها, وطبقا لموازين القوى للمنتصرين في الحرب العالمية الثانية والتي انتجت فيما أنتجت أقطارنا العربية المجزأة والمتنازعة, فالمنتصر معروف أيضا!

في هذه الاثناء كانت الأمّة قد أفرزت معادلة على مستوى مختلف عنوانها: المقاومة هي السبيل الوحيد لردع الاحتلال!

بدأت القصة فلسطينية ثم امتدّت عربية فإسلامية ثم عادت فلسطينية وهاهي اليوم تتكرس لبنانية فلسطينية عربية إسلامية أصبح فيها ما يُسمّى بتحالف الفصائل الفلسطينية من جهة وحزب الله اللبناني من جهة أخرى بما يمثلان من حالة تراكمية واستقطابية لكلّ ما تبقى في الضمير والوجدان العربي والإسلامي من شحن وخبرة ودروس وعبر, وكأنهما رأس الحربة في معادلة الصراع الآنفة الذكر:

المقاومة هي السبيل الوحيد لردع الاحتلال!

أيا يكن الرأي بخصوص المسألة اللبنانية الداخلية, أو ما يُسمّى بالملف اللبناني الداخلي بتضاريسه المختلفة, فإنه بات من المستحيل لأيّ كان أن تسجل حلولا او يقترح تسويات لهذا الملف من دون الأخذ بعين الاعتبار ما تمثله هذه المعادلة في الضمير والوجدان بل وفي موازين القوى الحقيقية على أرض الصراع العربي والإسلامي ضد «إسرائيل»!

لا أحد في العالم كلّه يستطيع الآن أنْ يُعيد عقارب الساعة في لبنان إلى الوراء! تماما كما أنه لا يستطيع أحد في العالم أن يغيّر عقيدة أو هوية الملايين من أبناء الأمّة العربية والإسلامية!

فالمقاومة باتت اليوم عقيدة وهوية وثقافة مليونية وليست حزبا أو فئة أو طائفة أو دولة أو قطرا يشرف عليه حاكم بعينه فاذا ما تفاهمت معه على تسوية ما، تستطيع أن تنفذها على أرض الواقع! يُخطئ مَنْ يظن خلاف ذلك ويضيع وقته وربما مستقبله!

ولذلك فإنّ أي كلام من النوع الذي قد يبدو «مهذبا» أو»راقيا» أو «عقلانيا» أو» واقعيا» من النوع الذي يقول: «لماذا هذا الإصرار على توريط هذا البلد أو ذاك أو هذه الحكومة أو تلك أو حتى لماذا توريط الأمّة في عمل مغامر وغير محسوب... يجرنا إلى مصادمة العالم أو التصادم مع المجتمع الدولي...» إلى آخر الكلام الذي قد يبدو معسولا أو جذابا لدى بعض أروقة المجتمع الدولي... إنما سيلقى الصدود والعقوق من «إسرائيل» والمجتمع الدولي أوّلا, فضلا عن كونه يأتي متأخرا جدا بنظر الملايين من العرب والمسلمين, ولا ينال قائله سوى»شبهة» التواطؤ مع العدو!

ذلك أنها مرافعة لا تستوي مع معاناة أمّة وصل فيها الصراع مع عدوّها الى العظم وبات شلال دمها النازف منذ ما يزيد على القرن لا يتوقف إلا بإزالة هذه الغدة السرطانية التي اسمها «إسرائيل» من قلبها النابض!

لا أحد هنا يُطالب أو يروّج لما كانت تتهم به الأمّة العربية يوما بانها تريد رمي اليهود في البحر!

إنما كان ولا يزال المقصود أن «إسرائيل» هذه القائمة على غصب أراضي وحقوق الغير وعلى الفكر العنصري الاستئصالي إنما تمثل كيانا باليا يحمل بذور زواله في داخله فضلا عن أن ممارساته الدموية والوحشية اليومية تساهم بجدٍ في تحقق مقولة الاستعمار والأمبريالية انما يحفران قبرهما بأيديهما! وإنّ المقاومة إنما تسرع في تفكيك هذا الكيان بعدما أصبح من مخلفات الماضي, وهي عازمة على صنع البديل الحضاري الذي يجمع الأديان والأعراق والثقافات والملل والنحل في إطار الاحتكام إلى الاستفتاء الشعبي وصناديق الاقتراع لكلّ السكّان الاصليين ومن تبقى بعد تفكيك النظام العنصري البغيض.

في هذه الاثناء يلحظ أي مراقب أو مهتم من أمتنا المنكوبة بالاحتلال الاستئصالي البغيض ان ثمة غيوما سوداء تعاود الظهور في السماء العربية بعد ثمة انقشاع كنا قد تفاءلنا به خيرا قبل مدة!

وثمة علائم غير صحية كذلك بدأت تغزو بعض العقل العربي وبعض أروقة صناعة القرار فيه لايمكن تلقيها بارتياح!

فماذا يعني أنْ يتصاعد الخلاف العربي العربي عشية التحضير لقمّة دمشق العربية إلى درجة التهديد بالمقاطعة وإفشال القمّة و»طربقتها» على رؤوس أصحابها, حتى بات العدو يشمت علنا بالتشتت والتناحر العربيين, في زمن يفترض فينا أن نغتنمه نحن لتكريس واقع الانحدار والانكسار الإسرائيليليين الفاضحين؟!

أوماذا يعني إدارة الظهر لأهلنا في غزّة وتركهم محاصرين بكلّ أنواع الجوع والعطش والمذابح اليومية والموت البطيئ والترويج لمقولات «الوساطة» بين إسرائيل وحماس والضغط عليهم للتخلي عن دفاعاتهم الشرعية, بدل دعمها وتعزيزها من خلال التوسّط بين فتح وحماس وإعادة إحياء الوفاق الفلسطيني الذي هو احوج ما يكون إليه اهلنا في غزة ورام الله من اي شئ آخر؟!

وماذا يعني التحوّل المفاجئ الى فكرة انقاذ الاقتصاد الأميركي المنهار بعد أن لاحت في الآفق صحوة استبشرنا بها خيرا وهي عودة بعض الرساميل العربية إلى موطنها وأهلها؟!

أو ماذا يعني الانقلاب غير المبرر في الخطاب الرسمي العربي والإسلامي على فريضة التضامن العربي والإسلامي مع المقاومة والصمود اللبناني والفلسطيني الأسطوريين في زمن الوهن الإسرائيلي والإذعان العلني لحقيقة هزيمتهم وإخفاقهم في حربهم على لبنان كما ظهر ولا يزال من قبل إجماع النخب والقيادات الإسرائيلية؟!

أو ماذا يعني الدوران المفاجئ نحو الخلف إلى حد «التواقح» على العقل العربي وذاكرته وتاريخه بإعلان استعداد البعض الاحتماء بالمظلة النووية الإسرائيلية بحجّة التهديد النووي الإيراني المزعوم؟!

أو ماذا يعني إعادة إحياء مقولة «الخطر» الشيعي الموهوم على مصر والعالم العربي لمجرد موافقة مفتي مصرعلى قبول شيعة عرب للدراسة في الأزهر الشريف, وإن كان الطلب المقدّم هو أصلا من طرف جماعة ما يُسمّون بشيعة 14 شباط اللبنانية المعروفة أصلا بعدائها لسورية وإيران وغزلها مع أميركا؟!

أو ماذا يعني نكأ الجراح القومية والطائفية في الأقليم من خلال مطالبة البعض من هواة السلطة الجدد بإعادة النظر ببعض الاتفاقيات الدولية بين العراق وإيران بحجة أن العراق قد تغيّر وإيران قد تغيّرت؟!

او ماذا يعني العودة الى «ثقافة» داحس والغبراء وتحريك الساكن والمطمور من الفتن من خلال اشاعة مقولات التخوين وإخراج المواطنين من مواطنيتهم لمجرد الاختلاف معهم في النظرة والموقف؟!

اوماذا... وماذا... يعني غير هذا الكثير؟ مما لا يليق بأمّة هي في موازين القوى الطبيعية والحسابية تتقدّم نحو الأمام كما يفترض, فيما عدوها هو الذي يتراجع كما هو واقع, ما يتطلب سلوكا غير الذي نراه ونسمعه!

فليس صحيحا أننا نخسر بالتمسك بالمبادئ ومنها جهاد العدو الغاصب وإظهار الصلابة والعزم الراسخ في المواجهة الميدانية او التفاوضية معه ولا نربح إلا من خلال إبداء بعض التراخي معه بحجّة العقلانية او الواقعية او محاسبة موازين القوى المختلة لغير صالحنا!

فالعكس تماما هو المطلوب مع العدو, تماما كما أن العكس تماما هو المطلوب في التعامل مع الداخل وأهل الدارمن البيت الوطني العربي والإسلامي الواحد؛ أي الرفق واللين وحسن النية وتحمل الرأي الآخر وعدم التشكيك به فقط؛ لأنه رأي آخر! وحظر التعامل معه بالقمع او التحقير او الازدراء او الاستهزاء فضلا عن الاستئصال اوسحب المواطنية!!

حتى وصل بالبعض ممن حسب يوما على النخبة اليسارية التي رفعت في يوم من الأيام صور كل زعماء الكفاح ضد الظلم العالمي من لينين الى ماوتسي تونغ الى أبوعمّار الى الإمام الخميني وحاربت الانعزاليين والعنصريين في لبنان وشعارهم المنحرف «قوّة لبنان في ضعفه» الى الارتداد من جديد والمجاهرة بالقول نعم: «إن قوة لبنان في ضعفه»! فقط وفقط لأنه لم يعد يتحمّل شريكه في الوطن ولا يطيق انتصاراته, إلى درجة أنه بات يريد الطلاق منه بسبب وعود واهية وفارغة!

وهل ظن كلّ هؤلاء أن «العصمة» في الأخوة أو المواطنة أو الشراكة في الوطن أو التضامن العربي أو الإسلامي هو بيدهم حتى يستطيعوا «تقسيم» الأرزاق والبيوت والأوطان كما يحلو لهم ومتى يشاؤون؟!

معاذ الله ان يكون ذلك كذلك!

لعمرُك ما ضاقت بلاد بأهلها

ولكن أحلام الرجال تضيق!

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 2004 - السبت 01 مارس 2008م الموافق 22 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً