العدد 2008 - الأربعاء 05 مارس 2008م الموافق 26 صفر 1429هـ

اللافتة ... هاتف لا يرنُّ ... وبوش

في الضبط أنت على مفترق مَشاهد: ضبط امرأة لزوجها في أحد المقاهي مع إحداهن. ضبط رجل الدين لأحدهم وهو يستمع إلى موسيقى. ضبط رجل المخابرات لمواطن يقرأ جهرا: «ومن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله». ضبط الرقابة لنياتنا في رؤية العالم. ضبط رجل المرور لمركبة متهالكة تجرأت على اجتياز الخط الأبيض - لا الأحمر -، ما قبل الإشارة الضوئية، ضبط العرب جميعا وهم يزفون إلى اللعنة والإبادة وأشياء أخرى. عن أي ضبط نتحدث بالضبط؟ ألا تبدو كل تلك المشاهد والنماذج في العميق من انفلاتها وفوضاها؟

اللافتة

عصا أخرى في عمى الجهات. محاولة لتذكيرنا بعمانا المقبل. استفزاز مقنع في كثير من أوجهه. اللافتة تصحيح لأخطاء تيهنا. محاولة أخرى لإرشادنا إلى المأوى بأقل قدر من التيه والغفلة. اللافتة نص يجهر بجهلنا أمام الخلق. ومتعهدها يعرف أمكنتنا السرية والمعلنة، بدليل أنه الوصي على هدايتنا لحظة الغفلة. اللافتة كثيرا ما تتقمص دور الصوت/ الهتاف الذي يباغتنا لحظة نخرج على نص الطريق والجهات.

المنعطف

عليك ألا تكون منحازا بإفراط إلى الطريق المستقيم، إذ أمام منعطف أو منحنى ستجد نفسك خارج سياق النص. تظل مراهنا على استقامة الطريق. تغفل، تسهو بعض الشئ لتجد نفسك خارج الطريق والمنعطف. في حفرة أو معانقا لعمود إنارة!. ربما هو المنعطف الوحيد القادر على حشد انتباهك وصحوتك، لأنه المعني بتقرير بلوغك المكان من عدمه. الطريق المستقيم لا تحتاج فيه إلى تأهب وحرق أعصاب. إنه هناك ممتد مع امتداد البصر. لا شئ خارج المألوف. وحين تفتقد تلك القيمة: الخروج على المألوف. تصبح رحلتك ضربا من تسكُّع بعد الثانية فجرا، لأنك لم تجد طريقك إلى النوم.

المواعيد

وخصوصا من قبل أولئك الذين لا يجيئون... لا يحضرون. درس بليغ. «فلقة» من نوع آخر تصيبك في الصميم من القلب والروح والأعصاب. الذين لا يحضرون في الأمكنة المرتبة يمارسون عليك نوعا من الجلْد وسفك للدم من نوع آخر. نوع لا يمكنك أن تنساه لمجرد حضور تحقق بعد زمن. تظل منشدَّا لأعصاب الموعد الأول، والخيبة الأولى، الصدمة الأولى. منشدَّا لتركك في مهب الظنون والتهاويم. مثل تلك الخيبة والصدمة تجعلانك منشدَّا إلى النقيض من النظام والزمن. يحدث أحيانا أن تمعن في إهدار وقت الأصدقاء والأحبة. تصلبهم جميعا على خشبة تلك الخيبة والصدمة التي صُلبتَ عليها ذات يوم.

هاتف لا يرنُّ

اللعنة على التكنولوجيا. في الأمس البعيد كان كافيا أن تصف تلَّة خلف شجرة «غاف» حين تتعامد الشمس، موعدا للقاء، وأنت على ناقتك أو راجلا، مكانا للقاء عمل... صفقة... وله... وأحيانا نزوة. اليوم بتنا أسرى لنداء يحدد لنا شروط وكيفية علاقاتنا بالعالم. صوت الهاتف حين يرن كثيرا ما يكون مصحوبا بالخيبات والتهديد: تهديد جهة بطاقات الائتمان، تهديد مسئول بحجب الإعلان عنك. صديق (كثَّر العيار) وأراد أن يشتم أحدا ولم يجد «حيط هبيط غيرك»، وأكثر الأحيان «الرقم غلط». على الجهة الأخرى آسيوي يملك بقالة، يهدد أحدهم بـ «الشرته» لتراكم حسابه، ليكتشف أنك لست المعنيَّ بعد أن أفرغ كل تهديداته وشتائمه. تنسجم أو تتعاطف مع المعنيِّ بالأمر، فلا تتردد في شتم صاحب البقالة.

حين لا يرن الهاتف تشعر أن العالم والوقت وأنت (غلط) على رغم أنه حين يرن تكون موعودا بما يشبه الكوارث!.

المطارات

في المطارات أشعر بيتْم متأخر. يتْم يتعلق بترصدي لنوعية الحقائب الجلدية الفاخرة، وكذلك الأحذية! أمر آخر رصدته عبر سفر يمتد لأكثر من 27 عاما، أن الفقراء يبكرون في الحضور قبل ساعات من إقلاع الطائرة، البعض منهم لا تستغرب حضوره قبل يوم! فيما المرفهون يؤخرون إقلاع الطائرة، وتظل الطائرة جاثمة على صدورنا، قبل أن تكون جاثمة على المدرج، ريثما يحضر سعادته لأنه من مواطني سفر الدرجة الأولى، أما نحن فمجموعة من البنغاليين المرحَّلين على رغم أننا نغادر أوطاننا بخيارنا!. ثمة ضبط مهمل هنا على المعنيين رصده وتفكيكه.

الجمارك

لا أفرِّق كثيرا بين موظف الجمارك، والرقيب على المطبوعات! كلاهما يمارس وظيفته بنيَّة الضبط. كل المصطفين أمامه من بشر وإصدارات مدعاة للشك حتى يثبت العكس. وأحيانا يصير العكس هو يقين التهمة! الفارق يكمن في ذهنية وإمكانات كل منهما. يتسلل مهربون لموت مفخخ ودمار. يتسلل لوردات الطائفية وتمزيق لحمة المجتمع. أي مجتمع. حتى مجتمع عالم الحيوان، عدا عن عالم البشر. الكثير من أولئك يمرون بسلام، وأحيانا باعتذارات معلنة وخفية، فيما كثيرون يتم ضبطهم، أحيانا لأن ثرمومتر المزاج (ولَّعْ حدَّه) ولأن الموكل لديه سلطة يريدك أن تفهم أنك خاضع لسلطته ويتمنى وعلى استعداد للنذر أن ترفع (خشمك) وتلاسنه، سيكون ذلك بمثابة فرج بالنسبة إليه. ثمة ترقية في الطريق ستصله على حساب بؤسك وإذلالك وحشرك في زاوية!.

النوم

في «النوم»

أكشف فكرتي في «الموت»

أعتاد الذهابَ إليَّ

ليلي فاترٌ

وفضاءُ أعضائي سراب ماثلٌ...

في النوم اكتشف الرؤى

لغة... سلالات... غزالا...

تاجَ أمنية

فضمَّتني عباءة

ماتبقى من قوافٍ حرَّةٍ

لأصيرَ أجلى من دليلي...

لأبثَّ روحي في الهزيع

من الكلام ... من الزوال...

بوش

ثمة ثلاثة كوابيس عرفها العالم في العقد والنصف عقد الأخير: صدام حسين، أسامة بن لادن، وجورج دبليو بوش. لكن يظل الأسوأ بينهم من دون جدل: بوش، لأن امتداد خرابه ودماره تجاوز الكوكب ليطال كواكب أخرى تعمل عليه وكالة «ناسا»، وباتت في حكم القانون وملزمة به!.

يودِّع بوش شهوره الأخيرة. يودِّع مصحوبا بحزمات من اللعنات والدعاء عليه بشلل الأطفال والحوَل والعقم ومرض باركنسون. ذلك مانملكه من أسلحة!.

هذا الأفَّاق الأفاك المتصهين يدفع ربع سكان العالم إلى احتراف القتل لفرط ما أوغل في الدم، ويدفع الربع الثاني إلى التطرف لفرط تطرفه هو ووقاحته، ويدفع الربع الثالث إلى التعاطف مع الربعين الأولين، ويدفع الربع الرابع إلى التفرج على الجميع!!!.

العدد 2008 - الأربعاء 05 مارس 2008م الموافق 26 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً