في هذه المرة تحدت 17 صحيفة دنماركية مشاعر أكثر من مليار مسلم بشكل صارخ بإعادة نشرها الرسوم المسيئة للنبي (ص) تحت شعار حرية التعبير! العقلية السوية التي تحترم إنسانيتها تضع لنفسها ضوابط أخلاقية ومعايير أدبية في مسألة الحرية، وإذا ما فرط الإنسان في الحرية سيسمح لنفسه بالتطاول على كل من يتقاطع معه في الاعتقاد أو السياسة أو الثقافة أو الحضارة وبعد ذلك تخرج الحرية عن إطارها الأخلاقي التي لا تفرق في حال نقد الخطأ بين أحد من الناس، ولا تقبل الحرية بأن يتدخل العرق أو النسب أو العشيرة أو المصالح الشخصية أو الانتماء المذهبي أو السياسي بأن يغير من مفهومها الحقيقي، لا أحد من البشر الأسوياء يتمكن من أن يقف ضد الحرية بمفهومها الأخلاقي، لأن بحسب فهمنا للحرية أنها وسيلة مهمة لبناء الحضارات وتطور المجتمعات في كل الميادين الثقافية والفنية والأدبية والعلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والمهنية وغيرها من الفروع.
أما أن تطلب الحرية أن أهاجم وأنتقد وأشكك في كل ما يفعله من يختلف معي في التوجه والانتماء والمصالح، فهذا ليس مطلبا عقلانيا ولا يتفق مع الفطرة الإنسانية السليمة، لأن الحرية لم تعط للإنسان إلا للتعمير والبناء ولتعديل الإعوجاج الذي قد يصيب هذه الجهة أو تلك، ولم تعط الحرية للبشرية من أجل الإبقاء على مواقع الفساد والإفساد والحط من قدر الإصلاح والنماء.
ما تحدثه الصحف الدنماركية بين وقت وآخر ليس له علاقة بمفهوم الحرية لا من قريب ولا من بعيد، والسلطات في الدنمارك تعلم هذا الأمر تماما، وإن قلنا لا تعلم فتلك مصيبة كبرى، ولو حاولنا تعريف مملكة الدنمارك بإيجاز شديد نقول إنها تقع في شمال أوروبا. عاصمتها كوبنهاغن. تتألف من شبه جزيرة غوتلند التي تشكل مساحتها ثلثي مساحة البلاد، بالإضافة إلى 483 جزيرة صغيرة بين بحر البلطيق شرقا وبحر الشمال غربا. تحدها ألمانيا جنوبا. ويبلغ عدد المسلمين في الدنمارك أكثر من 150 ألف مسلم، واليهود لا يتجاوز عددهم أكثر من ستة الآف شخص.
إزاء ذلك، المسألة باتت واضحة وجلية لكل من أراد التعرف على حقيقة ذلك التجرؤ على شخص رسول الإنسانية محمد (ص) في الدنمارك وغيرها من الدول الغربية، فأنت أيها القارئ العزيز تعلم أن في تلك الدول التي تدعي زورا وبهتانا أن الرسوم المسيئة للرسول (ص) تندرج تحت مفهوم حرية التعبير، بمجرد الحديث عن محرقة اليهود «الهولوكوست» بسلبية ولو بنسبة 1 في المئة تصاب الحرية المزعومة بشلل حتى يجعلها لا تقوى على الحركة، ولكن إذا ما أريد لها أن تنال من رسول الإسلام والسلام (ص) تنشط وتقوى وتعطى المنشطات بنسبة قد تتجاوز 100 في المئة، هذه حرية عرجاء وعوراء، فهي تمد رجلها السليمة باتجاه الإسلام لتنال منه وتمد رجلها المقطوعة للصهاينة لتحنو عليهم، تنظر إلى الإسلام بعين الريبة وتنظر بعينها العوراء إلى الصهيانية حتى لا ترى إلا الظلام والتضليل والزيف والحقد والكراهية وتستعطفهم لعلهم يعطفون أصحاب الحرية العرجاء العوراء فتات من الدولارات الأميركية، خزي وعار لتلك الحرية في الدنيا قبل الآخرة.
وقد أثبتت التحقيقات أنّ الصهيوني الساقط دانييل بايبس بمن معه ومن خلفه وهم كثر وقفَ خلف تلك الإساءات لنبينا الأمجد محمد (ص). والهدف واضح وجلي، هو استدراج المسلمين الدنماركيين إلى سلسلةٍ من التداعيات والمواقف العاطفيّة السلبية؟!لاستدراج الدنماركيين المسيحيين للمواقف العاطفية السلبية نفسها أيضا! وبالنتيجة إيصال الطرفين واقتيادهما من أذقانهما إلى سلسة من الأفعال وردود الفعل التي يفقد فيها البشر وعيهم وعقولهم مستجيبين لغرائزهم وغرائزهم فقط.. لتكون فتنة وقودها الناسُ وما عمّروا وثمّروا وجنوا وشقوا من أجله.
لقد قذف الحاقد على الإنسانية بايبس حجارته في بركةِ الدم، المسألة باتت واضحة للعالم أجمع، إن هذا التجرؤ من أولئك الذين باعوا ريشهم وعقليتهم الفنية بثمن بخس للصهاينة لم يأت من فراغ أو جاء من أجل الشهرة، وإنما حدث ذلك من تخوف صهيوني من تزايد عدد المسلمين في مملكة الدنمارك، الذي يجعلهم يقلقون على مستقبلهم، وفي هذه الحال لا يمكنهم الاعتراض على ذلك الوضع من الناحية القانونية، ولهذا أرشدهم شيطانهم إلى التوجه إلى إثارة الفتنة بين المسلمين والمسيحيين لتسمح للحكومة الدنماركية اتخاذ إجراءات قانونية ومن ضمنها ترحيل المسلمين من البلاد أو التقليل من دخول المسلمين إليها، وفي الوقت نفسه يسمح لليهود الدخول إلى الدنمارك بكل يسر، لأنهم في ظاهر الأمر مسالمون ليس لهم في هذه الفتنة لا ناقة ولا جمل كما يقولون. هذا هو الخبث الصهيوني الذي ما برح يعلب بأدمغة الماديين من البشر منذ زمن بعيد يصل إلى أعمق نقطة في التاريخ الإنساني، وكنا نتوقع تحركا سياسيا واسعا من الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي لتنبيه الدنمارك إلى أن هذه مؤامرة كبيرة تحاك في الظلام ستكون ضحيتها المصالح المشتركة، وكنا نتوقع أن تقف في هذه المسألة بحزم شديد، لأن ليس في القاموس الإسلامي مفهوم السكوت في حال تعرض نبيكم إلى الإساءة، وإنما في أخلاقيات القاموس الإسلامي الذي يحمله كل مسلم في قلبه ويضمه بقلبه ويحتضنه بعقله ويتملك أحاسيسه ومشاعره ويسري في عروقه أن الإساءة للنبي الذي يمثل محور حياتنا أمر كبير جدا، يجب أن تستنفر كل القوى بأدواتها السلمية والقانونية المتاحة في هذا العالم لنلجم كل من باع إنسانيته بأبخس الأثمان، ولا نقول إلا اللهم اجعل كيدهم في نحورهم وفرق شملهم واجعل أيامهم القادمة شرا عليهم واخرج من هذه الفتنة المسلمين والمسيحيين من بينهم سالمين.
سلمان سالم
العدد 2008 - الأربعاء 05 مارس 2008م الموافق 26 صفر 1429هـ