العدد 2010 - الجمعة 07 مارس 2008م الموافق 28 صفر 1429هـ

على مشارف نظام عالمي جديد

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في سياق تشخيصها لأزمة الدولار ودور الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي على حد سواء، بشرت بام وودال، محررة شئون قارة آسيا في مجلة «ايكونومست» الاقتصادية البريطانية باحتمال بزوغ «نظام عالمي جديد، تلعب فيه آسيا دور المحرك للنمو العالمي».

وودال، التي وصفت الفترة الحالية في الاقتصاد الدولي بأنها «فترة ثورية»، حذرت من التغييرات التي قد ترافق التحولات الراهنة، لتزعزع الاستقرار السياسي العالمي، إلا أنها ختمت بالدعوة لدخول «النظام العالمي الجديد»، الذي لن تحكمه أوروبا أو أميركا، بل سيدار من قارة آسيا بقوة الفقراء.

وذكرت الخبيرة الاقتصادية، التي كانت تتحدث على هامش «منتدى القادة»، الذي استضافته العاصمة الإماراتية أبوظبي أخيرا، أن الولايات المتحدة دخلت بالفعل مرحلة الركود بسبب أزمات الرهن العقاري الثانوي والائتمان. وقالت وودال إن الأسواق الناشئة مسئولة عن 50 في المئة من الناتج القومي العالمي بفعل النمو في الصين والهند.

ليست وودال الوحيدة التي تبشر لهذه الولادة، فقبلها، وفي خطابه التقليدي أمام الدبلوماسيين الأجانب في فرنسا في مطلع هذا العام، أشار الرئيس الفرنسي إلى أنه «من المحتمل أن ندخل في غضون العقود الثلاثة أو الأربعة القادمة عصر القوة النسبية. فصعود الصين والهند والبرازيل وإنعاش روسيا سيخلق الظروف الضرورية لظهور عدة قوى كبرى جديدة».

وأضاف الرئيس الفرنسي قائلا «سيكون ذلك عالم متعدد الأقطاب وقد يصبح فيه الاتحاد الأوروبي واحدا من أكثر القوى فاعلية إذا كانت لديه الإرادة».

وقبل هذين الاثنين وتحديدا في العام 1991، أعلن الرئيس جورج بوش الأب، على دوي سقوط الاتحاد السوفياتي، وانهيار جدار برلين، وعلى دوي الحرب التي انتهت لتوها في العراق والكويت، قيام النظام العالمي الجديد.

يعزز من احتمال رجحان كفة آسيا، أو بالأحرى الشرق في هذا النظام الجديد بدلا من الغرب هو بروز مؤسسات مثل «معاهدة شنغهاي للتعاون» (SCO) التي رأت النور في العام 1996 بحفز من الصين، وكان هدفها في البداية متواضعا للغاية: حل الخلافات الحدودية بين هذه الأخيرة وبين جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق المحاذية لها، و»تعميق الثقة العسكرية بين الأطراف الموقعة»، خصوصا بين الصينيين والروس، الذين خاضوا مرارا مجابهات عسكرية حدودية خطرة.

أما المبادئ الثلاثة التي رفعتها المنظمة في آب بداية، فقد كانت مكافحة الشرور الثلاثة: «الإرهاب، والتطرف، والنزعة الانفصالية» وهذه كلها قضايا داخلية في كل من الدول الأعضاء التي تعاني من واحد من هذه «الشرور» بيد أن قمة «بيشيك» التي عقدت في منتصف أغسطس/ آب 2007 خطت خطوة كبرى إلى الأمام نحو البدء بتحويل المنظمة من تكتل إقليمي محدود الأهداف إلى ما يحتمل أن يتطور في المستقبل إلى حلف عسكري.

وفي ختام تلك القمة، دعت المنظمة إلى «إقامة نظام عالمي عادل وديمقراطي، يحدد المهام المطلوب تنفيذها لإنشاء صرح حديث للأمن الدولي، كما يحدد أولويات عمل المنظمة في المرحلة المقبلة».

إن هذه الدعوة تعني فيما تعني أن منظمة معاهدة شنغهاي تسعى لأن تكون أهم منصة يمكن أن ينطلق منها أي نظام عالمي تعددي جديد. المشروع المستقبلي العالمي بات، على رغم ذلك، يثير للمرة الأولى القلق في الغرب. وهذا ما عبَر عنه بوضوح مراسل الـ «بي. بي. سي» الذي كان يغطي قمة بيشكيك حين قال: «ثمة مؤشرات عدة برزت من قمة هذا العام بأن معاهدة شنغهاي بدأت تأخذ دورها بشكل جدي للغاية. والرسالة التي وجهتها هذه المرة هي أن «العالم أكبر من الغرب».

مثل هذا التطور ليس أمرا جديدا، ففي التاريخ الحديث جرت عملية التأسيس لنظام عالمي جديد في أعقاب الحرب العالمية الأولى، عندما نشأ نظام عالمي جديد عبر عن نفسه في تشكيل مؤسسة «عصبة الأمم». وقد أعطت الولايات المتحدة إلى «عصبة الأمم» زادا من الفكر السياسي، تمثل في مبادئ ويلسون الأربعة عشر التي أعلنها رئيس الولايات المتحدة في فترة الحرب العالمية الأولى وودرو ويلسون.

ثم دار الزمن دورته، ووقعت الحرب العالمية الثانية، وبرزت في ساحة الصراع قوى سياسية جديدة، برزت الولايات المتحدة الأميركية وبرز الاتحاد السوفياتي وبرزت الصين وبرزت قبلهم بريطانيا، وهذه الدول هي التي ذكرت لأول مرة بصفة رسمية في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 1943، وبينما كانت الحرب العالمية الثانية تقترب من نهايتها، برزت الحاجة إلى منظمة دولية جديدة، تعبر عن النظام الدولي الجديد الذي سيولد من أحشاء الحرب، وكانت هذه المنظمة هي «الأمم المتحدة».

أما اليوم، وأمام حالة الترنح التي تعاني منها الولايات المتحدة، بوصف كونها الدولة العظمى المتفردة بآليات عمل النظام الدولي القائم، فإنها وكما يقول عنها الكاتب اللبناني سعد محيو «تقف على مُـفترق طرق، وعليها أن تقرر كيف يجب إدارة إمبراطوريتها بطُـرق أكثر فعالية، بيد أنها لن تكون طليقة اليَد تماما في مثل هذا القرار، بسبب الكلف الاقتصادية الفادحة التي تبين أنها غير قادرة على تحمّلها وحدها، فحرب العراق وحدها كلّفتها نصف تريليون دولار، والعدّ مستمر»

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2010 - الجمعة 07 مارس 2008م الموافق 28 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً