العدد 2292 - الأحد 14 ديسمبر 2008م الموافق 15 ذي الحجة 1429هـ

الدين والإنسان في جامعة ييل

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

بدت ساحة جامعة ييل مثل خليط بين شارع هوغوارت والمدينة، حيث تجمّع أكثر من 500 طالب وموظف وعضو في الهيئة التدريسية في الجامعة على اتساعها لتناول طعام الإفطار الرمضاني. ألقت نائب رئيس الجامعة ليندا لوريمر، كلمة افتتاحية عبّرت فيها عن التزام الجامعة بالشمولية الدينية والنشاط عبر الأديان. تقدم منسق الحياة الإسلامية في الجامعة عمر باجوا، والذي تم توظيفه مؤخرا، بالشكر إلى الجامعة لجهودها في استقبال الوجبة الفريدة واحتياجات الطلبة المسلمين في الصلاة.

وعندما ترك المسلمون منطقة تناول الطعام لأداء صلاة المغرب كانت معظم المقاعد مشغولة. كان مئات اليهود والسيخ والمسيحيين والهندوس والأغنوستيين والموحّدين العالميين وكثيرون غيرهم قد حضروا لمساندة زملائهم الطلبة المسلمين، والمشاركة في تناول الطعام الممتاز من جنوب آسيا والاحتفال بالتفاني والتنوع الدينيين اللذين أصبحا وبشكل متزايد جزءا من الحياة في حرم الجامعة ييل.

إنه لتحوّل مثير للإعجاب منذ الفترة التي كنت فيها طالبا قبل خمسة عشر عاما. كانت سياسة الهوية هي السائدة حينها، ولكنها كانت دائما عن العِرق والطبقة الاجتماعية والنوع الاجتماعي والطبيعة الجنسية. عقدت الدوائر الأكاديمية والبرامج القيادية ومباني السكن يومها، مدفوعة بأعمال الشغب في لوس أنجليس (التي اشتعلت بعد تبرئة رجال الشرطة المهتمين بضرب رودني كنغ، الأميركي من أصول إفريقية)، عقدت مئات المساقات الدراسية بشأن التنوع كل سنة بهدف إيجاد بيئة أكثر شمولية على حرم الجامعات.

وقد ركزت حوارات الطلبة في ساعات متأخرة من الليل على فيلم سبايك لي الجديد أو كتاب المؤلفة الأميركية والناشطة في الحركة النسوية والاجتماعية غلوريا واتكنز. كان الدين موضوعا يهتم به أطفال المدارس في دوائر الفن والغناء مساء أيام الأربعاء. الآخرون منا لم يسخروا منه، وإنما قمنا بالمراقبة وهز الأكتاف والذهاب في سبيلنا.

قد تلعب العقيدة دورا في الحياة الشخصية لبعض الناس، حسب رأينا، ولكن لم يكن لها دور يذكر في طرح حرم الجامعة. حتى عندما نقلت الصحف أنباء النزاع في البلقان وإيرلندا الشمالية وجنوب آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا الغربية، لم تستدر رؤوس الحركة متعددة الثقافة إلا بصعوبة. وكما كتبت من جامعة هارفرد ديانا إيك في «مواجهة الرب»: كان الدين هو الكلمة المفقودة في حوار التنوع في الجامعات».

هذه نتيجة ما أسميه «اليوم التالي لتبني العلمانية»، وهي حالة أصابت الجامعات بعد فترة طويلة من تعافي بقية المجتمع. برزت نظرية تبني العلمانية من قاعات المحاضرات في ستينيات القرن الماضي، وقد دفعها علماء مثل بيتر بيرغر وهارفي كوكس، اللذان صرّحا أنه عندما تقوم المجتمعات بعملية تحديث فإنها بالضرورة تتجه إلى تبني العلمانية.

قام علماء كهؤلاء بمراجعة نظرياتهم قبل فترة طويلة. إلا أن العديد من المفكّرين الذين وصلوا مرحلة النضوج أثناء تلك الحقبة، والذين يديرون اليوم تلك الجامعات التي قرأوا فيها يوما ما كتبا كهذه، استمروا في الاعتقاد بأن الدين، إذا بقي موجودا، فسيفعل ذلك في خصوصية عدد قليل من البيوت، وفي أبعد هوامش حياتنا العامة.

إلا أن جزءا مهما من حياة الطلبة في حرم الجامعات كان في الواقع يتجه في الاتجاه المعاكس. استمرت مجموعات مثل «زمالة Inter Varsity المسيحية» و «حملة حرم الجامعة من أجل المسيح» في النمو، تدفعها حركة إنجيلية قوية في المجتمع الأوسع.

إضافة إلى ذلك، وكما تلاحظ من منظمة «الروحانية في حرم الجامعات» إليسا بريانت، «هناك اهتمام متزايد بين طلبة الجامعات اليوم وهيئاتها التدريسية وكادرها الإداري، في الحياة الداخلية للتفكير الروحاني، والتأمل وصنع معنى للأمور».

أخيرا، شهد العقدان الماضيان الأبناء المولودين أميركيين لمهاجري حقبة العام 1965 وهم يصلون إلى حرم الجامعات بأعداد كبيرة ويحضرون معهم عقائدهم الإسلامية والهندوسية والبوذية. أخبرتني القسيسة بجامعة ييل، شارون كوغلر، أن عدد المنظمات الدينية في مركزها السابق بجامعة جونز هوبكنز ارتفع بشدة من ثمانية إلى 27 خلال سنواتها الأربع عشرة هناك.

هذا الخليط من التفاني والتنوع حدث في حرم الجامعات في الوقت نفسه الذي برز فيه الدين كقوة مركزية في الثقافة الأوسع. فعل هجوم الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول للدين ما فعله رودني كنغ للقضية العرقية: وضعه في مقدمة أجندة الحرم الجامعي ووسطها.

إحدى الطرق التي تردّ فيها الجامعات هي استخدام قادة مثل شارون كوغلر، أول امرأة كاثوليكية عادية في ذلك المركز في ييل، بهدف تحويل مؤسسة القساوسة الليبراليين البروتستانت تاريخيا إلى برامج متعددة الأديان بشكل كامل. وهذا يعني العمل مع المؤسسات الدينية اليهودية والكاثوليكية والبروتستانتية القائمة (الإنجيلية وتلك في الخط الرئيسي)، مستخدمين كوادر جديدة للعمل مع الطلبة من المسلمين والبوذيين والهندوسيين، لتنظيم مشاريع خدمات عبر الأديان ومجالس طلبة متعددة الأديان.

نحن نعيش في مجتمع مستقطَب بشكل كبير بشأن الدين. وقد وجد استطلاع أجري العام 2007 أن عدد المستطَلعين الذين لهم رأي سلبي بالنسبة للإسلام يبلغ ضعف عدد هؤلاء ذوي الرأي الإيجابي. إذا كان لون البشرة هو مشكلة القرن العشرين، كما لاحظ دبليو إي بي دوبوا كما هو معروف، يبدو أن الدين سيكون تحدي القرن الحادي والعشرين. وتماما مثلما ساعدت عقود من أعمال الناشطين في حرم الجامعات في مجال لون البشرة على إنتاج مجتمع أكثر شمولية من ناحية عرقية، كذلك ستنتج مبادرات مثل وليمة رمضان بجامعة ييل في نهاية المطاف مجتمعا يتميز بالتعددية الدينية.

* المدير التنفيذي لمنظمة «جوهر الشباب عبر الديانات» ومؤلف كتاب «أعمال من الإيمان» (مطبعة بيكون)، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2292 - الأحد 14 ديسمبر 2008م الموافق 15 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً