العدد 2028 - الثلثاء 25 مارس 2008م الموافق 17 ربيع الاول 1429هـ

قمة دمشق وتمديد الأزمة اللبنانية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تأجيل جلسة انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية إلى 22 أبريل/ نيسان المقبل يعني أن الأطراف المحلية توافقت عنوة على تمديد الأزمة مدة شهر تقريبا.

تمديد الأزمة اللبنانية يتصادف مع احتمال ظهور أزمة في العلاقات العربية - العربية في ضؤ النتائج المتوقع خروجها إلى العلن بعد قمة دمشق. فالقمة التي يبدو أنها ستبدأ مترنحة يرجح أن تسفر عن تداعيات تعيد ترسيم الحدود السياسية بين الدول العربية انطلاقا من الساحة اللبنانية.

أوضاع لبنان بعد القمة ستختلف عن أوضاعه المتأزمة قبل القمة. فهذا البلد الذي عانى تجاذبات دولية وإقليمية وجوارية منذ التمديد للرئيس إميل لحود في العام 2004 بات يواجه الآن استحقاقات خطيرة في ظل «الفراغ الهادئ» الذي يعيشه منذ نهاية العدوان الأميركي - الإسرائيلي عليه في صيف 2006.

الاستحقاقات الخطيرة كثيرة وهي مرشحة للتطور والدخول في منعطفات عنيفة بعد أن أكدت القوى عدم استعدادها للتنازل أوتقديم تسوية قاسية استجابة للمبادرات التي صدرت من جهات أوروبية (فرنسية) وعربية تسهيلا لعقد قمة ناجحة في دمشق. فالقيادة السياسية السورية رفضت التفاوض بشأن الملف اللبناني حتى لو جاء الأمر على حساب القمة ما أعطى الانطباع بأن دمشق تعطي أولوية لبلاد الأرز وتضعها في مرتبة أعلى من الاجماع العربي. وحين تضحي القيادة السورية بالقمة لمصلحة لبنان فمعنى ذلك أنها اتخذت قرارات ذات شأن لحماية ما تسميه بمصالحها الطبيعية والأمنية في بلاد الأرز.

الخيار السوري لبناني وليس عربيا. وتفضيل دمشق حصتها وموقعها ودورها في لبنان على علاقاتها الاستراتيجية مع بلاد العرب يعتبر نقطة جديدة في سياسة تقليدية اعتمدت «العروبة» واسطة آيديولوجية لهوية سورية الجغرافية والتاريخية.

لماذا اتخذت دمشق هذا الخيار الجديد في نوعيته في مرحلة تشهد المنطقة تحولات جوهرية مرشحة على مزيد من المتغيرات في الفترة المقبلة؟ تغليب الجانب «القطري» على العامل «القومي» مسألة تحتاج إلى قراءة سياسية تتصل بمنظومة العلاقات العربية - العربية وتراجعها لمصلحة نمو قوة «الدولة» الكيانية. فهذه الغلبة شهدها العراق (الدولة) في مطلع تسعينات القرن الماضي حين أتجه النظام إلى ترجيح خيار «القطر» على «القومية» ووجد أن تعزيز «الكيان» له أفضلية على العلاقات العربية.

أزمة لبنان تشبه في بعض وجوهها أزمة الكويت التي أنفجرت في العام 1990 وبعد انهيار صيغة التضامن القومي في قمة بغداد العربية. فالقيادة السياسية العراقية مالت آنذاك إلى ترجيح مصلحة «القطر» على العامل «القومي» واتجهت نحو تعزيز قوة الدولة (الكيان) من دون قراءة لمجموع العناصر التي تتشكل منها السياسة الدولية والإقليمية في عالم معاصر ومتغير.

الأمر نفسه يتكرر تقريبا مع لبنان عشية انعقاد القمة العربية حين قررت القيادة السورية الذهاب بعيدا في تأزيم علاقاتها القومية مع بلاد العرب لضمان مصالحها الخاصة في بلاد الأرز. فالقيادة كانت على علم مسبق بأن القمة ستقاطع أو ستعقد على مستوى متدن من التمثيل في حال استمرت في تعطيل المبادرة العربية وعدم تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية. والقيادة ايضا كانت تدرك بأن استمرار سياسة تعطيل المبادرة العربية اتجاه أزمة لبنان سينعكس سلبا على القمة وسيؤدي هذا السلوك إلى ردة فعل لن تكون لمصلحة دمشق.

ما بعد القمة

كل هذه المعطيات كانت موجودة وأعلنت بوضوح ومن جهات مختلفة وعلى مستويات متعددة ومع ذلك استمر تعطيل المبادرة العربية وأحبطت محاولات انتخاب رئيس للجمهورية. وهذا الأمر يشير إلى تحول في سياسة سورية تقليدية كانت ترجح دائما الهوية القومية وتفضلها مهما ارتفع ثمنها على حساب «الكيانية» والنزعة القطرية الضيقة. ويشكل التحول المذكور ملاحظة لا بد من الانتباه لمفاعيلها السياسية بعد الانتهاء من جلسات انعقاد القمة العربية في دمشق. فبعد القمة ستتعامل القيادة السياسية مع الأزمة اللبنانية انطلاقا من رؤية مختلفة تعتمد حسابات ربح وخسارة مبنية على قراءات محكومة بالقطرية والكيانية. فالخسارة وقعت وما كان بإمكان القيادة كسبه من انعقاد قمة عربية إجماعية وتوافقية عالية المستوى أصبح خارج معادلات الحسابات الرقمية. وحين تقدم دمشق على التضحية بالقمة القومية لمصلحة الاحتفاظ أو حماية مكاسبها القطرية المتوقع نزعها من الكيان اللبناني فمعنى ذلك أن العاصمة السورية أصبحت في موقع «المستفز» والمستعد للاحتواء لتعويض تلك الخسارة.

ماذا يمكن أن تقدم عليه القيادة السورية في لبنان تعويضا لفشل القمة العربية؟

هناك احتمالات كثيرة وكلها تقع تحت سقف التوقعات. فهي تستطيع الدفع باتجاه تمديد أزمة الرئاسة إلى نهاية السنة الجارية وبعد الانتهاء من الانتخابات الأميركية. وهي تستطيع التشجيع على مزيد من التفريغ للمؤسسات الدستورية وتعطيلها أو منعها من التحرك لمعالجة الأزمات الاقتصادية وتفرعاتها الأجتماعية. وهي تستطيع قطع الحدود وإغلاق المعابر وغيرها من احتمالات تتصل بحرية تنقل الأفراد والشركات والبضائع. هذه التوقعات محتملة ويمكن مراقبتها بعد الانتهاء من القمة العربية. وخطورتها تكمن في أنها ستؤدي إلى تداعيات أمنية داخلية تزعزع اركان «الفراغ الهادئ» الذي يعيشه لبنان.

هذا جانب من الأزمة يتعلق مباشرة بالعلاقة القطرية الثنائية السورية - اللبنانية والتأثير الكياني الذي يمكن أن تمارسه دمشق على بيروت. إلا أن هناك جوانب أخرى من الأزمة تتجاوز مساحة الحدود السورية - اللبنانية وهي تلك المتصلة بالتوازنات الإقليمية والفضاءات الدولية ومدى تقبل دول المنطقة وجامعة الدول العربية لهذا النوع من الضغوط على البلد الصغير.

الاحتمالات في هذا السياق الدولي - الإقليمي ستكون مفتوحة على توقعات متباينة ولكنها في المجموع العام تراهن على متغيرات تنتظر المنطقة حصولها في ضؤ تحولات الأزمة العراقية والاتجاه الذي ستقرره الإدارة الأميركية بشأن قوات الاحتلال في بلاد الرافدين. والملف العراقي المتأزم لا يمكن عزله عن الملف الفلسطيني الذي يزداد تأزما مع نمو سياسة أميركية أخذت تتراجع عن وعود براقة اطلقتها في «مؤتمر انابوليس» بشأن العمل على وضع قواعد انطلاق لتأسيس دولة فلسطين.

احتمال حصول تراجعات أميركية في الساحتين العراقية والفلسطينية في الفترة المقبلة مسألة واردة نظريا. ومثل هذا التحليل الذي يبدو أن القيادة السورية على اقتناع به يعزز السلوك السياسي الذي يرفع من قوة الكيان (الدولة القطرية) ويقلل من شأن «القومية» والقمة العربية. وحين تكون القيادة على قناعة بأن الخطر الأميركي - الإسرائيلي يتراجع وبأن إدارة جورج بوش بصدد اتخاذ قرار حزم الأمتعة ومغادرة المنطقة العربية من أغوار العراق إلى ساحل لبنان فمعنى ذلك أن الحاجة إلى غطاء عربي «قومي» تراجعت ولم يعد «الكيان» في موقع الضعيف الذي يتطلب تنازلات وتسويات تكون على حساب مكاسب القطر. وهذه القراءة تشبه بالضبط تلك التي أقدم عليها النظام العراقي في 1990 حين أعتبر أن بدء انهيار المعسكر الاشتراكي يشكل مناسبة للتقدم لتعبئة الفراغات بسبب انشغال الولايات المتحدة بتداعيات أوروبا الشرقية.

تأجيل جلسة انتخاب رئيس إلى 22 أبريل يعني تمديد الأزمة مدة شهر تقريبا وهي كافية لإعادة قراءة الكثير من التطورات وخصوصا تلك الاحتمالات المتوقع حصولها في الملفين العراقي والفلسطيني.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2028 - الثلثاء 25 مارس 2008م الموافق 17 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً