العدد 2032 - السبت 29 مارس 2008م الموافق 21 ربيع الاول 1429هـ

«إسرائيل» قامت على التمييز ضد العرب

قامت دولة «إسرائيل» ضمن مشروع كولونيالي استيطاني احتضنته دول استعمارية لأهداف مختلفة، ولكن دون وجود دولة استعمارية أم، يشكل الاستيطان امتدادا لنفوذها. ولم يكن بالإمكان إقامة دولة يهودية في فلسطين من دون طرد السكان الأصليين الذين شكلوا غالبية... وقد شكلت الحرب غطاء لعملية الطرد الواسعة النطاق.

لقد وفر طرد السكان على الصهيونية إقامة نظام حكومي من الفصل العنصري حتى العام 1967، ولكن بقيت في «إسرائيل» أقلية من العرب لم تقل نسبتها في أي سنة من السنين عن 15 في المئة من مواطني الدولة وتبلغ حاليا 20 في المئة من مجمل مواطني الدولة.

ويقول المفكر العربي والنائب السابق في الكنيست الإسرائيلي عزمي بشارة ان الدولة العبرية قامت كدولة لليهود، وليس للسكان الذين أقاموا على أراضيها عند قيامها. ويضيف «لا يغير في هذا الفهم الذاتي للدولة أن غالبية اليهود الساحقة تتألف من مواطنين في دول أخرى، أنها مع ذلك دولتهم. ويحق لأي منتم للدين اليهودي أن يصبح مواطنا كامل الحقوق ويحظى بامتيازات مقارنة بالسكان العرب إذا قرر الهجرة والتوجه إلى «إسرائيل». في حين لا يحق للاجئ الفلسطيني العودة إلى دياره التي هجر منها قبل عقود معدودة، كما يصعب على المواطن العربي في «إسرائيل» أن يمنح الجنسية لأخيه أو قريبه أو زوجته في عملية لم شمل للعائلات.

نظام التمييز الذي تمارسه «إسرائيل» ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة - وحتى داخل «إسرائيل» نفسها - تعمق منذ بداية اتفاق أوسلو.

فسمحت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بمواصلة الاستيطان وكأن اتفاقات أوسلو لم تجد أصلا. وعلى غرار النظام العنصري السابق في جنوب أفريقيا، مارست الحكومات الإسرائيلية اليمينية واليسارية سياسة «المسح العرقي» في فلسطين. فخلال السنوات السبع من تطبيق اتفاقات أوسلو للسلام طبقت تشريعين؛ الأول لليهود والثاني للفلسطينيين. فلليهود حرية التنقل والبناء والتنمية، بينما حُشر الفلسطينيون في بانتوستونات. وبينما واصل اليهود الاستيلاء على الأراضي واغتصاب المزيد منها من أصحابها العرب، منعت سلطات الاحتلال الإسرائيلية الفلسطينيين من كل شيء. وبينما تتمتع المستوطنات اليهودية بتشريع خاص يفصلها عن الغير ويحميها، يخضع الفلسطينيون لتشريع وأمن فلسطينيين.

أرادت «إسرائيل» منح السلطة الفلسطينية بعض الحرية المزودة بنوع من الملامح السيادية الظاهرية دون أن يكون بإمكانها ممارسة هذه السيادة عمليا، إذ احتفظت «إسرائيل» بالصلاحيات والسيادة الفعلية في أراضي الحكم الذاتي. فهي تسيطر على الأرض والمياه والموارد الطبيعية وتنقل الأفراد في الضفة والقطاع وكذا تدفق السلع داخل وخارج البانتوستونات الفلسطينية. وهكذا تحصلت الدولة العبرية على عائدات السلام الاقتصادية من دون أن يتحقق السلام. في الوقت الذي تدهورت فيه أوضاع الفلسطينيين الاقتصادية وتعمقت تبعيتهم للقوة المحتلة (88 في المئة من الصادرات الفلسطينية تذهب إلى إسرائيل)، وفي الوقت الذي تعد فيه الأراضي الفلسطينية المحتلة الوجهة الثانية للصادرات الإسرائيلية - بقيمة 5.2 مليارات دولار - في العالم بعد السوق الأميركية.

ولما تظاهر الفلسطينيون في «إسرائيل» مساندة لإخوانهم في الأراضي المحتلة العام 2000، طوقت القوات الإسرائيلية المناطق التي تقطنها غالبية عربية وطبقت عليها معالجة أمنية راح ضحيتها ثلاثة عشر شخصا. وبلغ هذا التمييز العنصري ذروته إلى درجة أن بعض شواطئ تل أبيب محرمة على العرب من مواطني «إسرائيل» ومخصصة لليهود دون سواهم.

التمييز الذي تمارسه «إسرائيل» شهد به الغرب، فالصحافي البريطاني كريس ماكغريل نشر من قبل في صحيفة «الغارديان» البريطانية تقريرا، يؤكد على التداخل الكبير بين العنصرية الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، ونظام «الابارتهايد» في جنوب إفريقيا ضد السود، معتمدا على الشهادات والحوادث والأبحاث والأرقام، التي تكشف النقاب عن أبشع أوجه العنصرية في عصرنا الحالي. يبدأ الكاتب تقريره بالحديث عن سرقة «إسرائيل» للأراضي الزراعية وضمها إلى القدس المحتلة. ويعطي مثالا على ذلك قرية بيت حانون، التي قسمت فضمت أشجار الزيتون والأراضي الزراعية فيها إلى القدس، فيما بقي الجزء الآخر تابعا لأراضي الضفة الغربية المحتلة.وتطرق الكاتب لجدار التمييز العنصري، الذي يفصل بين المجتمعات ويغتصب الأرض.

وقد شهد شاهد من الدولة العبرية بممارسة العنصرية عندما أكد وزير الداخلية الإسرائيلي السابق اوفير باز بينيس، أن «إسرائيل اتبعت سياسة تمييز منهجية ومقصودة ضد الجماهير العربية، وان التمييز متجذّر في المؤسسة وعلى «إسرائيل» التحوّل من التمييز المؤسس إلى تمييز مصحّح تجاه الجماهير العربية». جاء اعتراف بينيس هذا خلال المؤتمر السنوي الذي عقدته جمعية «سيكوي» التي تعمل للتمثيل المناسب والتمييز الايجابي للعرب ، في مدينة رهط العام 2005.

وفي احدث إدانة للدولة العبرية كشف تقرير لحركة السلام الآن الإسرائيلية المناهضة للاستيطان نشر الشهر الجاري أن السلطات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة تمارس تمييزا تجاه الفلسطينيين في موضوع السكن وتعطي الأفضلية للمستوطنين. وأفاد التقرير إن الجيش عمد بين يناير/ كانون الثاني 2000 وسبتمبر/أيلول 2007 إلى رفض 94 في المئة من طلبات رخص البناء التي قدمها فلسطينيون في المناطق «ج» الخاضعة بالكامل للسيطرة الإسرائيلية. وهذه المناطق التي يقطنها 283000 مستوطن و70000 فلسطيني تشكل 60 في المئة من مساحة الضفة الغربية، بعد أن انتقل الباقي إلى سيطرة كاملة أو جزئية للسلطة الفلسطينية منذ 1994. وبالتالي حصل الفلسطينيون خلال سبعة أعوام على 91 رخصة بناء من أصل خمسة آلاف طلب، فيما حصل المستوطنون اليهود على أكثر من 18472 رخصة، أي كافة الطلبات المقدمة تقريبا.

العدد 2032 - السبت 29 مارس 2008م الموافق 21 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً