العدد 2032 - السبت 29 مارس 2008م الموافق 21 ربيع الاول 1429هـ

للتمييز نواب يحمونه

يقال ان السياسة هي حرب الجميع ضد الجميع، لم يعد مقبولا أن يستمر التجاهل من قبل الكتل البرلمانية الحكومية والسياسيين في البحرين على موضوع جل ما يمكن ان نسميه بجريمة إنسانية في حق الجميع، فالتمييز قهر اجتماعي وسياسي يحيط بنا جميعا، ويخطئ من يتصور ان يكون التمييز هنا في البحرين طائفيا فقط بل تجاوز ذلك، ليعم كل ما هو قبلي وعرقي وتمايز فكري، لقد اتخذ التميز شكلا شديد القتامة، ومعه ضاق الناس ذرعا، وبدأ الجميع يعلو بصوته جهارا، بل أصبح مرا يتجرعه البحرينيون يوميا، فهل نوقف ذلك قبل أن يهدم الوطن؟

كرم الله الإنسان ورفعه عن الذل وعن كل ما يمس كرامته الإنسانية بسوء، وإعطاؤه الحرية في أن يختار لنفسه ما يشاء من طرق الحياة المعيشية، وليس لأحد من بني نوعه أن يستعلي عليه فيستعبده ويمتلك إرادته ويرغمه على فعل ما لا يريده، أو يصنفه في دوائر أو طبقات مجحفة قائمة على الهوى، أو الإرث التاريخي غير منصف، لذا أحاط الله خلقه بمجموعة من القوانين والسنن، وأفطره على تأسيس المجتمع الأسري والمدني وألزمه أن يكون حرا على الا يزاحم حرية الآخرين، ومن البديهي ان هذا الاجتماع البشري أفضى إلى وجود حكومة يتولاها بعضهم تحفظ النظم وتجري القوانين كل ذلك على حسب ما يدعو إليه مصالح المجتمع بقضاء حوائج المواطن والعمل على سد نواقصه من دون تمييز، لذلك كان تاريخنا الإسلامي حافلا بنماذج تؤسس لمبدأ العدالة التي لا تعرف المحاباة لجماعة دون أخرى وفي هذا الصدد يشير المؤرخون ان امرأة من اهل الذمة جاءت الى الامام علي (ع) ايام خلافته وهو جالس في مسجد الكوفة ، وقالت اني: معوزة فأعطاها برا - وهو طحين الحنطة - ونقودا، ثم جاءته امرأة اخرى عربية مسلمة، تطلب حاجتها فأعطاها نفس مقدار عطاء المرأة الذمية فقامت غاضبه وقالت: يا أمير المؤمنين لقد سويت بيني وبين هذه الذمية وغير العربية فقال: لقد اطلعت على كتاب الله فلم أر فرقا بين ابناء اسماعيل وابناء اسحاق وكلكم لآدم وآدم من تراب.

لقد ارتبطت الديمقراطية بقيام المجتمع المدني المؤسساتي، والذي نشأ من أجل التضييق على التسلط في اتخاذ القرار وفرديته، كما أن له أبعاد قيمة تصاف إلى أبعاده التنظيمية، إذ لابد أن يكون قادرا على تحديد معنى وجوهر المصلحة العامة والقدرة على تجاوز المصلحة الفئوية، ولا يعيب المواطن اختياره لأي انتماء فذالك لا يضر بالمواطنة، فالفرد منا يكره الوحدة بل يخشاها، فهو ينتمي لأسرة، ومدينة، وقومية، ودين، طائفة، وجماعة عمل، ففي الانتماء عبودية لا يمكن فصل المرء عنها، اذ انها تمنح المنتمي إليها قوة، وشعور بالأهمية والوجود. ومن العبث تقديم الوطن هنا كالبديل لتلك الانتماءات فالوطن اعم واشمل، لكن ذلك لا يعطي الحق لأحد في حكر الوطنية أو العمل من تحت الطاولة، ففي الانتماء وحدة التقاءات، وليست تصفية حسابات، وهو ما لا نعيه، فالحزبية ليست مقرا للطائفية والقبلية بقدر ما هي إلا توافق وقناعة بجدوى العمل الجماعي المنظم برؤية ورسالة وطنية.

لقد كفل القانون الدولي الحقوق الإنسانية للجميع دونما تمييز على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غير السياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو المولد أو غير ذلك من أوضاع.لقد خرجت تلك القوانين من رحم مجتمعات عانت من ويلات التمييز والطبقية، وهو اكبر من يستطيع الإنسان أن يتحمله، لأنها مرتبطة بهدر كرامته وامتهان ذاته، فمن منا يرضي ان يكون درجة ثانية أو ثالثة في حقوق أو واجبات تعد في صلب المساواة الإنسانية، في البحرين هنا لم يعد أحد قادرا على الحديث عن المواطنة والاستقرار السياسي ومبدأ تكافؤ الفرص بمعزل عن الحديث عن التمييز، فالمشكلة إن ثقافة التمييز التي ظلت نكتوي بها زمنا، لا يزال من بيننا من يراها اولولية في مجتمع متعدد الطائفة، إذ أن قوانين الموالاة لا زالت تحكمه، وتزج به في أتون الفئوية بعمق، قلائل هم من نعتبرهم أنهم ينأون بأنفسهم خارج المصلحة الفئوية، وينظرون إلى المسألة ببعدها الإنساني قبل الوطني، لكن الغريب من أن بعض من الناس ممن يدعي انهم متدينون ويخافون من ربهم من ذنب الظلم يرون ان التمييز حقا وعدلا، فبأي ميزان يحكمون؟ وعلى دلائل يستندون؟

أصبح للتمييز في البحرين نوابا تحميه، يدعون ان فتح أبواب التحقيق في التمييز الوظيفي سيفتح باب للفتنة، بأي منطق يتحدثون؟ وكيف يلزمون المتضررين وهم أبناء هذا الوطن بالسكوت؟ وكأنهم بذلك يباركون لمن يقوم بالتمييز تخطيطا وتنفيذا بأن يستمر ولا يعبأ وهل من الوطنية السكوت على التجاوزات؟، والى مدى يريدون بها أن تصل؟، فالنائب الحق هو من يحمل هم الوطن والمواطنون على السواء، ويسعى للجميع وعليه أن يدافع عن كل الفئات بدون استثناءات، فالكل يتساءل، وما العمل؟ في ضوء ذلك أصبح لزاما أن نخلق ما يعرف في عالم السياسة بجماعة الضغط فعلى كل المتضررين من التمييز الوظيفي والخدماتي أن ينظموا أنفسهم جماعات، ويجمعوا صحائفهم الموثقة بالأدلة ويتجهوا بها إلى نواب الصد انطلاقا من ان النائب يمثل الشعب كله، ويتم الضغط عليهم بين الحين والآخر، علهم عندما يرون حجم المتضررين ان ترق قلوبهم ويراجعوا حسباتهم ويودوا أمانتهم، ويخرجوا من غياهب الجب، فالتمييز خطر لابد من مواجهته، فالتاريخ كفيل بان يقول كلمته في التقرير الذي سيقدم إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف اذ ربما يصاحب انفراجا وأملا في ملف التمييز بعد تعهد البحرين بإصدار قانون يجرم التمييز، ولكن ما بعد التقرير هل يتوقع أن يحدث شيئيا مغايرا من ذلك بالفعل على خارطة الواقع؟، وهل نتلمس مجتمعا دون تمييز؟.

العدد 2032 - السبت 29 مارس 2008م الموافق 21 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً