العدد 2036 - الأربعاء 02 أبريل 2008م الموافق 25 ربيع الاول 1429هـ

الحوار الصحيح

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

نحن نطرح الأسئلة الخاطئة، ونشارك في حوارات خاطئة عن الشرق الأوسط. كيف تعرف ذلك؟ لست عالمة يهودية، ولست اختصاصية في تاريخ الشرق الأوسط. ولكن بصفتي مديرة لمنظمة غير ربحية ترعى التعددية الأميركية عُدتُ أخيرا من برنامج تبادل ثقافي تموله وزارة الخارجية الأميركية.

أرسل البرنامج وعنوانه «الإسلام: علومه وممارساته في الولايات المتحدة» وفدا من الأئمة من الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة حيث قضوا ثلاثة أسابيع يزورون بوسطن وواشنطن وفيلادلفيا وديربورن، ويتحدثون إلى مسلمين أميركيين ويزورون المساجد والمراكز الاجتماعية ويتعلمون كيف يُمارَس الإسلام في مجتمعنا الديمقراطي التعددي. تحدث بعضهم إلى يهود للمرة الأولى في حياتهم.

بعد أسابيع ثلاثة، سافرت بالطائرة من مدينة شارون إلى عمّان لأتعلّم بشكل مباشر عن الثقافة الأردنية، وأشرح كيفية الحياة في الولايات المتحدة. قابلت أفرادا من الأسرة المالكة ومسئولين كبارا في الحكومة وقادة دينيين وناشطين اجتماعيين. حاورت المترجمين والسائقين والمضيفين في مكتب خدمات أميركا - الشرق الأوسط للتثقيف والتدريب ومركز بحوث التعايش بين الأديان الأردني. ما سمعته أصابني بالصدمة.

تكلم الناس عن المعاناة، وعن عدم فهمهم وعن خوفهم وغضبهم من أن العالم لا يصغي لهم. لماذا صدمني ذلك؟ لأن هذه هي الكلمات نفسها التي أسمعها في البلدة التي أعيش فيها.

أصغيتُ لسرد عن تاريخ لا صلة له بما تعلمته. سألني إمام: «لماذا لا يرى الأميركيون معاناة الشعب الفلسطيني؟»، وكذلك: «لماذا لا يأخذ الإسرائيليون جوازات سفرهم الهنغارية، أو أي مكان أتوا منه، ويعودون إلى بلادهم؟». أجبته: «لقد احترقت جوازات السفر هذه في أوشويتز».

كنا نخوض حوارا خاطئا. تعلمت أن «الآخر» معقد دائما وتفصلنا عنه فروقات صغيرة حساسة. لم تكن هناك تجربة فلسطينية واحدة في الأردن. يقيم العراقيون الذين هربوا إلى عمّان في فيلات وكذلك في أحياء فقيرة. ماذا يحصل عندما أضع فهمي جانبا لأصغي فقط بتعاطف وتفهم؟

يتساءل الكثير من الأميركيين لماذا لا يسمعون أصوات المسلمين المعتدلين؟ إلا أن أعدادا لا تحصى من المسلمين في الشرق الأوسط يساندون رسالة عمّان للمملكة الأردنية الهاشمية العام 2004 التي تتجنب العنف والإرهاب. صرح مسئول بوضوح بأن العالم كله معرض لتهديد الإرهاب والتطرف.

كان العنف في غزة وإعادة نشر الرسوم الدنماركية الكاريكاتيرية للنبي محمد (ص) هما المسيطرين على أذهان الجميع. «هناك خطوط حمراء في مجتمعنا لا يمكن تخطّيها» كما يقول مدير مكتب الأمين العام لجامعة الدول العربية هاشم يوسف. «تكمن المشكلة في مجموعة متناقضة من المبادئ، والأسلوب الذي تضع فيه المجتمعات هذه الخطوط الحمراء وتنقلها».

لا يتعلق الأمر بالموافقة. إذا لم نعد أدراجنا ونصغِ بهدف التفهّم فإننا ندير حوارا خاطئا. يعني الحوار الصحيح أن نتشارك في الأساليب المختلفة التي نرى التاريخ والدين والقانون من خلالها. يمكّننا الحوار الصحيح من التشارك في ألمنا ومعاناتنا من دون الحاجة إلى الدفاع عنها على أنها أكثر نبلا. يساعدنا الحوار الصحيح على رؤية الإنسان وراء الموقف، حتى لو كان ذلك الموقف معارضا بشكل كامل لموقفنا.

ليست هذه الحوارات سهلة التحقيق. جرى دفعي إلى حدود التحمّل في بعض الحالات، حيث حاولت يائسة تصحيح الطرح الذي سمعته. «ماذا عن الصواريخ التي تطلق على سديروت؟». إلا أن الاتهامات المضادة لم تفعل شيئا سوى تقوية الحقد والغضب ودائرة لا تنتهي من العنف. يتنامى اليأس في الأردن ومصر، ويتنامى الخوف في الولايات المتحدة.

نحن بحاجة إلى أن نخلق الشجاعة لفهم أعدائنا. حتى وهم يطلقون النار علينا؟ بالذات وهم يطلقون النار علينا. علينا أن نأخذ زمام القيادة ونبث احتمالات السلام؛ حتى لا يملأ الآخرون الفراغ بالحقد.

أكرر كلمات الأمير الحسن بن طلال في الأردن: «نحن بحاجة لتشجيع الدفء الإنساني»، فقط عندما نرى الآخر على أنه مخلوق بشري، وفقط عندما نتمكن من الإصغاء بتعاطف لتفهمهم التاريخ وثقافتهم. وقتها فقط لن نتمكن من الضغط على الزناد.

*المديرة التنفيذية لمؤسسة العمل بين الأديان، والمقال ينشر بالاتفاق مع خدمة كومن غراوند الإخبارية

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2036 - الأربعاء 02 أبريل 2008م الموافق 25 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً