العدد 2041 - الإثنين 07 أبريل 2008م الموافق 30 ربيع الاول 1429هـ

شكر الله لك أبا أنس

ناصر المبارك comments [at] alwasatnews.com

أصبنا في هذا الأسبوع برحيل أستاذنا الكبير هلال الشايجي رحمه الله. رحل بهدوء وفي غير ضجيج على غير عادته؛ فهو لم يكن يوما خاملا ولا ساكتا، ولا عييا. وكان حضوره في أي مكان يشغله لافتا ومميزا. فهو على الرغم من اشتغاله بالتراث والأصالة، فإنه لم يكن يركن إلى الثوابت والمسلّمات من دون أن يستثير لها الأسئلة؛ لأنه ـ كما كان يصف نفسه ـ رجلٌ جدِل، ولم يكن أبدا أستاذا ذا طبيعة مدرسية رتيبة.

ينبغي أن يحفظ لهذا الرجل فضله؛ فيذكر في هذا المقام ما أحدثه من نشاط وتجديد في قسم اللغة العربية إبّان رئاسته القسم، وما أحدثه بعد ذلك في كلية الآداب بجامعة البحرين إبّان عمادته، ولا بد أن يذكر نشاطه وطموحه لخدمة اللغة العربية وآدابها، وسعيه لتكوين جمعية خدمة اللغة العربية التي كان يطمح إلى تأسيسها وتطويرها لتكون نواة لمجمع لُغوي. ولا بد أن يذكر له جرأته في البحث وقراراته لتطوير كلية الآداب والارتقاء بمستواها. وقبل هذا وبعده لا بد أن يذكر له الفضل؛ لكونه أستاذا لامعا ومبدعا للأدب العربي وباحثا فيه.

لم يكن أستاذنا ـ رحمه الله ـ ينظّم عمله في البحث والتأليف ويوثقه؛ شأنه في ذلك شأن كثير من المبدعين؛ مما يجعل كثيرا من أفكارهم الإبداعية وجهودهم البحثية تضيع مع ذهابهم فتبقى أفكارا متناثرة في رؤوس تلاميذهم الذين سمعوها منهم. ولا يستطيع أحد أن ينكر ما كان للأستاذ ـ رحمه الله ـ من أصالة في الفكر، وقدرة على التجديد، وقوة بيان، وحضور حجّة، وسعة في البحث وموسوعية فيه، وإحاطة بالأدب، وإمساك بزمام اللغة عرفها فيه كلّ من حاضره وجالسه أو تتلمذ له.

وإذا كان طلاب أستاذنا كثيرين، وأثره في المؤسسات التي عمل بها واضحا وباقيا، فأثره في حياة بعض الناس أكبر وأكثر وضوحا. ومن هذا المنطلق أجد أن من الواجب عليّ شخصيا التعبير عن إحساسي بالعرفان العظيم لهذا الرجل الفاضل؛ فلقد كان له في مسيرة حياتي العلمية والعملية أثر واضح، وتأثير كبير.

عرفته ـ أول ما عرفته ـ في أول فصل التحقت به بجامعة البحرين طالبا في مقرر «المدخل إلى الأدب العربي القديم»، فكنت مشدودا لمحاضراته، معجبا بأطروحاته، مولعا بلفتاته الأدبية واختياراته الشعرية، وربما مثّل لي منذ ذلك الوقت قدوة الأستاذ الجامعي الذي أتمثله في جرأته وحضوره، وفي القيم الأكاديمية التي يتوخاها. وربما أستطيع أن أزعم أن بيننا توافقا خاصا. ففي ذلك الوقت الذي أعجبتني أستاذيته بدأ هو يختصني ـ وهذا من الأمور التي أعتز بها ـ برعايته، ويعدّني في خاصة طلابه.

كان تصريحه لي في إحدى المحاضرات بأنه يريد أن يتبنى دخولي معيدا بقسم اللغة العربية حافزا لي إلى التوجه الأكاديمي، وما إن فرغت من دراستي حتى توجهت إليه أخبره أني قد تخرّجت، فوفى لي وفاء كاملا بما وعدني، وساندني ووقف معي، ثم تواصلت رعايته لي، فأخبرني أنه يريد الإشراف عليّ في كتابة رسالة الماجستير، فسجلت معه رسالتي التي كان له في وضع خطتها وتوجيهها إلى الشكل الذي انتهت إليه أثر وجَهْد كبيران، غير أن انتقاله من جامعة البحرين إلى العمل في الصحافة آنذاك لم يسمح له بمواصلة الإشراف علي. وكان انتقاله من الجامعة إلى الصحافة محل أسف عدد كبير من الأساتذة الجامعيين الذين كانوا يرون فيه أستاذا جامعيا متميزا، ويرون في انتقاله خسارة للجامعة. إلا أنه على الرغم من خروجه من جامعة البحرين بقي وفيا للجامعة ولأهلها، ووفيا لطلابه وزملائه الذين يذكرونه بكل خير.

ولما كنتُ واحدا من أكثر الطلاب الذين نالتهم رعايته سواء في دروسه التي حضرتها في مقرر «المدخل إلى الأدب العربي» و «أدب الجزيرة العربية» ومقرر «البيان العربي» وأخيرا في مقرر «إعجاز القرآن»، أو في رعايته الإنسانية والشخصية، ولما كان ذلك كذلك فيشرفني أن أقوم مقام العرفان والشكر له حيا وميتا، معترفا أن طوق العرفان لهذا الرجل محيط برقبتي أتشرف بالتزين به ما حييت، مستعيذا بالله أن يراني في مقام الجاحد لفضله أو الغافل عن شكر جميله.

فرحمك الله ـ أبا أنس ـ أيها المعلم الفاضل، والعربي النبيل، والإنسان الكبير، وشكر الله لك ما تفضلت به، ورفع درجتك.

إقرأ أيضا لـ "ناصر المبارك"

العدد 2041 - الإثنين 07 أبريل 2008م الموافق 30 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً