العدد 2042 - الثلثاء 08 أبريل 2008م الموافق 01 ربيع الثاني 1429هـ

حـوار الطـرشــان

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

انتظرنا الأسبوع الماضي في أوروبا بأنفاس محبوسة ردود فعل الجمهور لعرض فيلم يهاجم القرآن الكريم أنتجه السياسي اليميني غيرت وايلدرز. ويأتي هذا على رأس مشكلات تتفاعل بشأن إعادة نشر عدد من الصحف الدنماركية للصور الكاريكاتورية سيئة السمعة للنبي محمد (ص). عبر سنتين منذ نشرها للمرة الأولى، يبدو أننا عدنا إلى حيث بدأنا، حيث تستعر الاحتجاجات وأحيانا تنحط إلى مستوى العنف في أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي.

يبدو أن هناك عدم قدرة أساسية لدى الذين يتبوأون مراكز متنوعة على فهم كيف يشعر الطرف الآخر ويفكر، تبطن الأسباب الكثيرة لهذه الأحداث. لدينا هنا حوار طرشان، على رغم أنه من دواعي السخرية أن الطرفين يشتركان بالحافز نفسه: الخوف.

لقد أصبحت الثقافة الأوروبية والطرح العام علمانيين في الأجيال الماضية لدرجة أنه لا يوجد سوى فهم محدود لأناس يتخذ دينهم موقعا مركزيا في حياتهم وهويتهم. لقد جرى إنشاء الدول الأممية الأوروبية عبر قرون من النضال والنزاع، أوشكت فيها الخلافات الدينية والكبت الديني على الانفجار أحيانا. يخاف الناس اليوم من أنهم في خطر من فقدان ما اكتسبوه نتيجة لكمّ هائل من المعاناة، حريتهم وشعورهم الجماعي بالهوية.

وتكمن خلف هذه المخاوف تغيّرات سريعة من العولمة وسلطات متنامية للاتحاد الأوروبي وشكوك الجغرافيا السياسية والتغيرات المناخية. ولكن المخاوف في أوروبا تركز على المهاجرين والأقليات العرقية، والتي تعني في الكثير من أماكن المسلمين. وتفسر مطالب المسلمين بأخذهم على محمل الجد كتهديد للحقوق التي تم الحصول عليها بصعوبة، كحرية التعبير. هذه المشاعر لا تهدد بالخوف الأقليات الصغيرة من المسلمين في أوروبا، وهم يشكلون أقل من 3 في المئة من السكان في معظم الدول، وإنما مئات الملايين من المسلمين ما وراء حدودهم في العالم الإسلامي الأوسع، حيث يوجد ما يسمى بالعدو الجديد.

كما أن أجزاء عدة من العالم الإسلامي تخاف كذلك من أمور غير واضحة، مثل العولمة وعدم الاستقرار الدولي، والبطالة والحكومات العشوائية، إضافة إلى العنف العشوائي. ولكن هناك، يتركز العنف على ورشة القوى الإمبريالية القديمة، الغرب، الذي يُنظر إليه مرة أخرى على أنه راغب في السيطرة، وبالتالي تقويض أركان الإسلام. ردا على ذلك يصبح احترام الدين ورموزه نقطة مركزية يتم التركيز عليها.

يتكلم أحد الجانبين لغة الحريات والحقوق، بينما يتكلم الجانب الآخر لغة احترام ما هو مقدس.

في نهاية الشهر الماضي وردا على إعادة نشر الصور الكاريكاتورية، والفيلم الهولندي الموعود، أصدر سفراء دول منظمة المؤتمر الإسلامي إلى الأمم المتحدة بيانا ضد الإرهاب الإسلامي، أكدوا فيه دعمهم لحرية التعبير، التي يوازنها احترام المشاعر الدينية. السؤال الذي ترك بلا جواب هو: كيف يمكن تحقيق هذا التوازن؟

ردت الحكومة الدنماركية بدورها على الخلاف الأولي باستثمارات كبيرة في الحوار الثقافي والسياسي، إضافة إلى توسعة جهودها في دعم التنمية وخصوصا في أوساط الفلسطينيين في الأردن والمناطق المحتلة. وتقول التقارير إن الحكومة الدنماركية تفكر بمنع عرض الفيلم، الأمر الذي أدى بالمنتج لأن يقول إنه سيقوم ببثه على شبكة الإنترنت. وفي باكستان جرى إغلاق موقع اليو تيوب في أواخر شهر فبراير/ شباط، لعرضه مقطوعات من الفيلم، على ما يبدو، ولكن أعيد فتحه خلال ساعات قليلة. وقد أكدت منظمة المؤتمر الإسلامي الحاجة للحوار والتثقيف في مؤتمر القمة الذي عقدته في ديسمبر/ كانون الأول 2005. ولكن في ضوء الأحداث المتكررة، قامت المنظمة الآن بزيادة تصلب خطها، وهي تطالب بتشريعات، على رغم أنها ذات حد أدنى، على شكل إضافات أو تعديلات في قوانين حقوق الإنسان العالمية.

ليس هناك من سبيل لأن تقبل الحكومات الأوروبية أية صياغة تقطع الخط على الالتزامات القانونية، فهذه لن تعرض للخطر تلك الحريات الثمينة فحسب وإنما ستشبه إلى حد بعيد قوانين مثل البند 3.1 سيء الذكر في تركيا، الذي يضفي صفة الإجرام على «تشويه سمعة كون الإنسان تركيا، والجمهورية والبرلمان والمحاكم والجيش أو قوات الأمن»، أو قوانين باكستان ضد إهانة النبي محمد (ص). وقد استخدمت هذه القوانين في الدولتين بشكل واسع وشرير لإرهاب الغرماء والسعي للانتقام الشخصي.

ولكن الحكومات الأوروبية تستطيع بالتأكيد أن تفعل المزيد لتشجيع الحوار والتعليم، الأمر الذي سيجعل إصدار الإهانات غير المبرر ضد معتقدات الناس الجوهرية تصرفا عاما غير مقبول. وتستطيع حكومات الدول الإسلامية أن تفعل المزيد لتظهر أن الاحترام الذي تعبر عنه لحرية التعبير هو أكثر من لغو فارغ. حتى ذلك الحين سيستمر حوار الطرشان.

*أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة كوبنهاغن، الدنمارك. والمقال ينشر بالاتفاق مع خدمة كومن غراوند الإخبارية.

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2042 - الثلثاء 08 أبريل 2008م الموافق 01 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً