السبت الماضي 5 أبريل/ نيسان الجاري، كان اليوم الذي فقدت فيه هوليوود عملاقا آخر من عمالقة هوليوود، ونجما آخر ممن تبقى من أعظم نجومها، أو على الأقل أولئك الذين صنعوا مجدها الذي يتنعم به آخرون ممن يقلون عنهم نجومية وتألقا بمراحل كثيرة. تشارلتون هيستون، المنحدر من أصول إنجليزية اسكوتلندية، والمتوفى عن 84 عاما، نجم الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، الذي لم نشهد منه الكثير في عقوده الأخيرة، إذ اختفى عن الشاشة، ولم يقف أمام الكاميرا سوى في فيلم مايكل مور للعام «2002 Bowling for Columbine» - الفيلم المعارض لانتشار الأسلحة.
ربما لم يكن ظهور هيستون مشرفا في الفيلم، فمايكل صوّر اقتحامه لمنزل هيستون ومحاولته إحراج النجم الذي تحول إلى عجوز ضعيف البنية محني الظهر لمواقفه الداعمة لحق تملك السلاح من قبل الأشخاص العاديين. لم يشتبك هيستون مع مور ولم ينجرف مع إهاناته، تعامل بأدب حتى النهاية، كل ما فعله هو أنه ترك مور وسار بعيدا.
ويشتهر هيستون المولود في 4 أكتوبر/ تشرين الأول 1923، بلعبه أدوار البطولة في عدد من روائع هوليوود، إذ لعب دور النبي موسى في فيلم «الوصايا العشر»، ودور الكولونيل جورج تايلور في فيلم «كوكب القردة» ودور يهوذا بن هير في فيلم «Ben-Hur».
في الخمسينيات والستينيات كان واحدا من قلة من ممثلي هوليوود الذين أعلنوا معارضتهم للنظام العنصري، وكان ناشطا داعما للحركة الحقوق المدنية. بعد ذلك عرف عنه دفاعه عن بعض سياسات الحزب المحافظ في أميركا، إذ كان صديقا للرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان، ووقف في وجه ما اعتبره «التأثير المفرط للمعلقين في الإعلام الحر»، على حساب رجل الشارع العادي. كذلك أصبح رئيسا لجمعية «السلاح الوطنية» التي كانت تدافع عن حق حيازة السلاح، وذلك في الفترة من 1998 حتى العام 2003.
بدايات مسرحية صامتة
المرة الأولى التي ظهر فيها هيستون على الشاشة كان في أحد أفلام الهواة الذي كان مقتبسا من عمل مسرحي شهير هو عمل Peer Gynt. أخرج الفيلم الصامت، وهو فيلم 16 ملم، ديفيد برادلي الذي أصبح بعد ذلك ناشطا سينمائيا. ثم، وبسبب انضمامه إلى مسرح «وينيتيكا»، الذي كان ناشطا فيه، حصل هيستون على بعثة لدراسة الدراما في جامعة «نورث ويسترن». بعد ذلك بسنوات عاد للعمل مع ديفيد برادلي لتقديم أول نسخة ناطقة لمسرحية الكاتب ويليام شكسبير «ويليام قيصر» التي لعب فيها هيستون دور مارك أنطوني.
في العام 1944، التحق هيستون بالقوات الجوية لبلاده، ولعامين خدم مع اللواء الحادي عشر للقوات الجوية، المتمركز في جزر الوتيان بالأسكا. في العام نفسه تزوج هيستون من ليديا ماري كلارك التي تدرس بنفس جامعته.
المسرح والتلفزيون... أم السينما ؟
بعد انتهاء خدمته العسكرية، عاد إلى زوجته وعاش معها في مدينة نيويورك، إذ عملا عارضي أزياء. انجبا ابنا هو فرايزر كلارك هيستون، وتبنيا طفلة هي هولي آن هيستون. وسعيا وراء أعمال مسرحية. قرر هيستون وزوجته ليديا افتتاح مسرح في اشفيل بشمال كارولينا وذلك في العام 1947.
في العام 1948 عاد الاثنان إلى نيويورك، إذ حصل هيستون على عرض للقيام بدور ثانوي على مسرح برودواي الشهير وذلك في إعادة للمسرحية الشكسبيرية «أنطوني وكليوباترا»، وكانت المسرحية من بطولة النجمة كاثرين كورنيل.
حقق هيستون نجاحات في التلفزيون أيضا، وذلك في عدد من الأعمال الدرامية، لعل أشهرها «anthology dramas» التي قدمت في الخمسينيات. شاهده منتج الأفلام هال واليس الذي أنتج الفيلم الشهير «كازبلانكا»، في إنتاج تلفزيوني قدم العام 1950 لعمل «مرتفعات ويذرنغ» فوقع معه عقدا. عندما حاولت زوجته ثنيه عن المضي قدما نحو السينما والعودة إلى حلمهما القديم في المسرح والتلفزيون، رد عليها قائلا: «أريد أن أجرب السينما فقط، عمل واحد وسوف أعود».
لعب هيستون عددا من الأدوار في المسرح من بينها دور ماكبث في مسرحية «ماكبث»، ودور سير ثوماس مور في عمل «رجل لكل الفصول»، ودور مارك أنطوني في مسرحية «يوليوس قيصر»، كما لعب الدور نفسه في مسرحية «أنطوني وكليوباترا».
في السينما قدم عددا من أهم الأدوار منها دوره في فيلم العام «1965 Major Dundee» وقدم هيستون في الفيلم دور الرائد دندي.
هوليوود وأعظم الأدوار
تم الاعتراف بموهبة هيستون بعد ظهوره في أول أفلامه السينمائية الجادة وهو فيلم «Dark City» الذي قدم العام 1950 وينتمي إلى أفلام الموجة الجديدة. أما شهرته فقد حصل عليها عندما اختاره المخرج سيسل دي ميل في دور مدير السيرك في فيلم «أعظم عرض على وجه الأرض»، وهو الفيلم الذي حصل على لقب «أفضل فيلم» في العام 1952 وتم تقليده اللقب من قبل «أكاديمية الصور المتحركة|.
العام 1953، كان هيستون هو الاختيار الأول للمخرج بيلي وايلدر ليلعب دور سيفتون في فيلم «Stalag 17»، وعلى رغم ذلك تم إعطاء الدور للممثل ويليام هولدين الذي منحه الدور جائزة «الأوسكار». أصبح هيستون بعد ذلك أحد رموز هوليوود بعد لعبه دور النبي موسى في فيلم «الوصايا العشر»، وقد نقل أنه تم اختياره لهذا الدور من قبل المخرج سيسيل دوميل لأنه كان يرى أن هيستون مفتول العضلات الذي يصل طوله إلى 6 أقدام و3 بوصات، ذو الفك المربع، يحمل شبها خارقا لتمثال موسى حسبما صوّره الفنان الشهير مايكل أنغلو.
دوره في فيلم «Ben Hur» (1959) جاء إليه بعد أن رفضه كل من مارلون براندو، بيرت لانكستر وروك هدسون. قبل هيستون الدور، وحصل عنه على «أوسكار أفضل ممثل»، من أصل أحد 11 «أوسكار» حصل عليها ذلك الفيلم، الأمر الذي شكل حينها سابقة لم تحدث في هوليوود.
قدم هيستون الكثير من أدوار البطولة في عدد من الملاحم التاريخية والروائية من بينها: El Cid (1961) 55 Days at Peking (1963، كما قام بدور مايكل أنغلو في فيلم العام 1965 «The Agony and the Ecstasy» وفيلم العام 1966 «Khartoum».
في العام 1965 أصبح هيستون رئيسا لنقابة ممثلي الشاشة حتى العام 1971.
نشاطاته السياسية
كان أحد أبرز الناشطين في حملة المرشح الرئاسي إدلاي ستيفنسون في العام 1965 وكذلك في حملة الرئيس جون كيندي العام 1960. وخلال مسيرة الحقوق المدنية التي انطلقت في واشنطن في العام 1963، انضم هيستون إلى مارتين لوثر كنغ الابن. وفي إحدى خطبه التي تلت مشاركته تلك، قال هيستون إنه قدم المساعدة لحركة الحقوق المدنية قبل وقت طويل من اكتشاف هوليوود كون هذه الحركة ذات ألق خاص. كان أحد المعارضين لحرب فيتنام، وكان أحد من صوتوا لريتشارد نيكسون في العام 1972.
اشتهر عنه تأييده لحق تملك الأسلحة في الثمانينيات، وانتقاله من تأييد الحزب الديمقراطي إلى الحزب الجمهوري. وكان أحد المشاركين في حملة عدد من الرؤساء الجمهوريين أمثال رونالد ريغان، وجورج بوش الأب والابن.
استقال من نقابة الممثلين احتجاجا على رفض النقابة السماح لممثل أبيض لعب دور شخصية أوروبي من أصل آسيوي، فيما اعتبره «عنصرية فاحشة»، كما وصف التقارير الإخبارية التي بثتها شركة الـ «سي إن إن» من بغداد على أنها «تزرع الشكوك» في الأسباب الحقيقية للمشاركة في حرب الخليج.
مرضه ووفاته
في العام 1998 وبعد انتخابه رئيسا لتجمع السلاح الوطني، تم تشخيص إصابته بمرض سرطان البروستاتا. في العام 2002 أعلن هيستون تشخيص إصابته بمرض الزهايمر، وفي يوليو/ تموز 2003 حصل على وسام الحرية الرئاسي من الرئيس جورج بوش. في مارس 2005 ساءت حالته الصحية وأصبح غير قادر على النهوض من سريره. وفي أغسطس/ آب من العام نفسه سرت شائعة بإصابته بذات الرئة، لكن أسرته لم تؤكد الخبر أبدا. في أبريل 2006 نقلت مصادر إخبارية وصوله إلى المراحل الأخيرة في مرضه، ومخاوف أسرته من ألا ينجو هذه المرة.
أخيرا توفي هيستون يوم السبت الماضي، 5 أبريل 2008، في منزله في بيفرلي هيلز بولاية كاليفورنيا، وكانت زوجته ليديا البالغة من العمر 64 عاما، إلى جانبه.
العدد 2043 - الأربعاء 09 أبريل 2008م الموافق 02 ربيع الثاني 1429هـ