العدد 2044 - الخميس 10 أبريل 2008م الموافق 03 ربيع الثاني 1429هـ

فقه المرأة بين التقليد والتجديد (3-3)

فتح العليم عبدالحي عبدالله* 

10 أبريل 2008

دعا النبي (ص) مرة الناس إلى المسجد بقوله: «يا أيها الناس فقامت أم سلمة عن ماشطتها فقالت لها الماشطة لم يقل أيها النساء إنما أراد الرجال، فقالت أم سلمه (إنما قال يا أيها الناس وأنا من الناس)» والحديث عند مسلم رحمه الله وأحسن إليه، وقولها: «وأنا من الناس» مقولة تأسيسية مهمة تشير إلى أن المرأة في الأصل العام تدخل في خطاب الناس من المؤمنين بلا تمييز.

وكانت حاضرة في أول عهد الدعوة ومبادرة كما كانت خديجة أول من أسلم وأول من وآسى بماله وساند بعلاقاته الاجتماعية. وكانت مزاحمة في مجالس العلم حتى ضاق بهن المجلس «فقلن يا رسول الله غلبنا عليك الرجال فواعدهن يوما» وعليه بوب الإمام البخاري باب هل يجعل للنساء يوما على حده؟

وكانت الحياة الاجتماعية بين شقي المجتمع متصلة بلا إمعان في العزل والحجز فكانوا يتزاورون، وقد بوب البخاري رحمه الله (باب زيارة الرجل للمرأة والمرأة للرجل) وطلب النبي (ص) من فاطمة بنت قيس أن تقضي عدتها عند أم شريك ثم استدرك قائلا «أم شريك امرأة كثيرة الضيفان يغشاها أصحابي» والحديث في البخاري، فقد كانت تصنع لهم طعاما أو بعض الحلويات في الجمع والأعياد وتدعوهم إليها.

ويلقي أبوالسنابل بن بعكك السيدة سبيعة بنت الحارث الأسلمية وكان قد خطبها قديما فردته فظل يذكر ذلك فرأها وتوفي زوجها في بدر وكانت حاملا فخرجت عند وفاته لأن عدتها قد انقضت بمؤتة، فقال لها وقد خرجت مخضبة مكحلة فقال مغيظاَ لها: «أربعي عليّ نفسك لعلك تريدين النكاح إنما هي أربعة أشهر وعشر فلم ترد عليه ورفعت كلامه إلى النبي (ص) فقال: أخطأ أبوالسنابل عدتك حين وضعتي». وهو عند البخاري أيضا.

وكانت المرأة تقوم بالزراعة في مزرعة الأسرة الخاصة كما فعلت أسماء بنت أبي بكر زوج الزبير ابن العوام ورآها النبي كما في البخاري رآها قادمة من المزرعة تحمل النوى على رأسها وقد بلغ بها الإعياء مبلغا، فعرض عليها أن يردفها خلفه فأبت عليه وذكرت ذلك للزبير فقال لحملك النوى على رأسك أهون عليّ من ركوبك معه وكان رجلا فيه غيره وقد بوب عليه البخاري رحمه الله (باب أرداف المرأة الأجنبية على الدابة إذا أعيت).

وكانت تجادل في قضايا الأسرة والمجتمع «قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما» وكانت مساهمة في أخطر مناشط الحياة العامة وهي السياسة كما في مشاركة السيدة عائشة في الخلاف السياسي بين الصحابة في الفتنه الكبرى وذلك بقوله وفعلها.

فالشاهد من ذلك أنها كانت حاضرة حضورا قويا فاعلا في سائر مناحي الحياة وقد ساق عبدالحليم أبوشقة عشرات النصوص عند البخاري ومسلم وذلك في كتابه القيم «تحرير المرأة في عصر الرسالة».

إشكالات وشبهات

هنالك الكثير من النصوص والوقائع والمواقف الفكرية تعكر على ما قدمناه، نتعرض للبعض منها:

مفهوم القرار في البيت:

لقوله تعالي «وقرن في بيوتكن»:

أولا: هذا الحكم خاص بنساء النبي (ص) لأن الله قال في مقدمة الآيات: «يا نساء النبي لستن كأحد من النساء» فنفي المشابهة هنا هو في الأحكام فهن لسن كأحد من نساء المؤمنين في أحكامهن.

ثانيا: الاحتجاب في المنزل من علامات أمهات المؤمنين لذلك لما طلق إحدى زوجاته قبل دخوله بها تزوجها بعده أحد أصحابه فهم الخليفة أبوبكر بعقابه فقال له عمر ليس لك ذلك «ليست من أمهات المؤمنين ولم يضرب عليها الحجاب» فكانوا يعتبرون الاحتجاب في المنزل من علامات أمهات المؤمنين كما نبه إلى ذلك ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى، وابن حجر في الفتح. والمسألة تحتمل بسطا أكثر من ذلك.

شهادة المرأة وأنها نصف شهادة الرجل:

لقوله تعالى «واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى». وهي جزء من آية طويلة هي آية الدين قال تعالي: «يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين...) آية الدين (البقرة: 282).

دلالات واستنباطات

- السياق يتحدث عن الدين والمال والمعاملات التجارية وشهادة المرأة في هذا الباب ولا يتحدث عن مطلق الشهادة.

- دلالة أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى، فهي تشير إلى أن الحكم معلل ومبني على واقع مجتمعي ظرفي يتغير بتغيره.

- الفقهاء جعلوا شهادة المرأة تعادل شهادة الرجل في المسائل التي تطلع عليها المرأة أكثر من الرجل وهو مذهب مالك رحمه الله، فالآية ليست على إطلاقها.

وقال الإمام محمد عبده رحمه الله: «تكلم المفسرون في هذا، وجعلوا سببه المزاج، فقالوا: إن مزاج المرأة يعتريه البرد فيتبعه النسيان، وهذا غير متحقق، والسبب الصحيح أن المرأة ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات».

ونقل ابن القيم عن ابن تيميه قوله: «استشهاد امرأتين مكان رجل واحد إنما هو لأذكار إحداهما للأخرى إذا ضلت، وهذا إنما يكون فيما فيه الضلال في العادة، وهو النسيان وعدم الضبط... فما كان من الشهادات لا يُخافُ فيه الضلال في العادة لم تكن فيه على نصف الرجل».

دلالة إجازة بعض الفقهاء كالطبري وابن حزم وأبوحنيفة توليتها القضاء فكيف يستقيم أن نعطيها الحق في أن كون حكما في قضية ولا تكون شاهدا كاملا فيها.

النساء ناقصات عقل ودين

وهذا جزء من نص كبير فقد قال عليه الصلاة والسلام: «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل العاقل من إحداكن» وذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله أن سبب هذه الرواية أن نساء الأنصار كن يتسلطن على رجالهن وكن يعلمن نساء المهاجرين هذا المسلك فمر النبي (ص) فرأهن في الطريق يتوشوشن فقال قولته هذا.

ثم إن النبي (ص) فسر هذا النقصان فربطه بنقصان قيامهن ببعض التكاليف لعذر عضوي. فالوصف ليس على إطلاقه بل له خلفياته وسياقه. ومع ذلك هو مخالف لعموم مقررات القرآن التي أشرنا إليه من قبل فوجب تأويله هذا التأويل ليستقيم مع النصوص الكبرى.

وهنالك الكثير من الشبهات لا تسمح بها طبيعة الورقة التي تقوم على عرض الخطوط العريضة والمقولات الكلية واتجاهات التفكير بعيدا عن التفصيل.

* ورقه قدّمت في المنتدى الفكري لمركز دراسات المرأة في الخرطوم

العدد 2044 - الخميس 10 أبريل 2008م الموافق 03 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً