العدد 2050 - الأربعاء 16 أبريل 2008م الموافق 09 ربيع الثاني 1429هـ

فيلم «فتنة»... وجنون غيرت وايلدرز

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

أفضل ما يمكن أن يقال عن إنتاج غيرت وايلدرز «فتنة» هو أنه يستحق اسمه. فالفتنة هي بالضبط ما يبدو أن ويلدرز يريد إثارته والتحريض عليه في هذا المونتاج من الفوضى العارمة. إذا كان ويلدرز، بحسب ادعائه، يريد حماية الحضارة الغربية من وحشية الإسلام، فإنه يحسن صنعا إذا تفهم أولا الدين الذي يقوم بانتقاده.

ليست الوصايا القرآنية الموضوعة إلى جانب صور من الوحشية خارج المضمون هي الإسلام، وهي لا تخاطب قضية تكامل الإسلام الشرعية. كذلك فإن «رهاب» ويلدرز الإسلامي لا يمثل بشكل كامل علاقات أوروبا مع الدول الإسلامية. وعلى رغم أن الجهابذة يتناقشون بشأن ما إذا كان شريط «فتنة» ينتهك قوانين التعبير عن الكراهية، فإنه يتوجب على ذوي النوايا الحسنة أن يسألوا ما الذي يستطيعون فعله لتعزيز الحب في إنسانيتنا المشتركة.

تؤكد حتى مشاهدة سطحية سريعة للشريط أنه لا يشكل تعبيرا فنيا. ليس شريط «فتنة» فنا. إنه عنف سينمائي يختفي خلف قناع التعليق السياسي. من خلال بدء الشريط واختتامه بالرسم الكاريكاتوري الخلافي للنبي محمد (ص) وهو يلبس عمامة يشتعل فيها فتيل قنبلة، يضم ويلدرز الإهانة إلى الجرح. فهو يحول حرياته وموضوعيته الغربية المفترضة إلى كاريكاتير من خلال استغلال المعاناة الحقيقية التي يتسبب بها التطرف.

تكشف عملية مشاهدة كامل فترة الشريط البالغة 15 دقيقة تشابها غريبا بين طرح ويلدرز الملتهب وطرح الواعظين الناري الذي يعرضه الشريط. فكل منهما يعكس عدم تسامح الآخر ولومه المبطَّن. لا يترك أي منهما مجالا للحوار أو الجدل. يفترض كل منهما قدسية رسالته ويتشارك في تكتيكات الإثارة والتحريض مع الآخر، فويلدرز رجعي تماما مثل هؤلاء الذين يدينهم.

قد يأمل عضو البرلمان الأشقر أن «إنذاره» سيؤدي بمواطنيه لأن يطردوا المسلمين. وسيؤدي ويلدرز خدمة أفضل لناخبيه لو أنه يسعى إلى الحوار بدلا من الرضى بالصراع. وإذا وضعنا شريط ويلدرز اللامحترف جانبا، نرى أن كفاح أوروبا لاستيعاب المسلمين في التيار الاقتصادي والسياسي الرئيسي ليس أمرا جديدا، فقد تواجد المسلمون في أوروبا منذ أجيال عدة، ولكن ليس دينهم هو الذي يعزلهم ويغرِّبهم عن التيار الرئيسي. يتوجب على أوروبا أن تجد طريقة لتحويل أبناء العمالة الوافدة إلى مواطنين متساوين في الحقوق. يجب المساواة بين اعتمادها على العمالة الوافدة ومبادئها الديمقراطية.

هذه قضايا حقيقية تستحق حوارا جادا، فبينما يسعى المسلمون الأوروبيون إلى المساواة، تقوم الدولة بدفع الهوية الوطنية. يجري الإتيان بالممارسة الإسلامية إلى الساحة العامة، وتزداد التوترات من حيث حدود التعددية الثقافية الأوروبية. وكلما أكد المسلمون على حقوقهم في الجنسية تعرضت حدود الليبرالية الأوروبية للاختبار.

يحتاج الهولنديون والعالم إلى زعامة حقيقية، وليس إلى سياسة تعزز الخوف، وإلى المساعدة على وضع مخططات لعلاقات سلمية بين الإسلام والغرب. يجب عدم تحميل جميع المسلمين مسئولية خطايا قلة منهم، وخصوصا أن الغالبية هي من المشاركين المسئولين الذين يحترمون القانون في مجتمعاتهم. وعلى رغم أنه يمكن تفهم خوف ويلدرز من التغيير فإن سوء تصرفه مع المهاجرين لا يمكن فهمه.

في مقارنة متصلة لخلافية ويلدرز، يتعامل آخرون مع ديمغرافية أوروبا المتغيرة من منظور بنَّاء أكثر. من الأمثلة على ذلك حركة فوكولير التي بدأتها كيارا لوبيك، وهي إيطالية كاثوليكية توفيت حديثا. بعكس ويلدرز، كانت ردة فعل لوبيك حيال عدم استقرار حقيقي جاء في أعقاب الحرب العالمية الثانية، محاولة تحسين مجتمعها من خلال إنسانية مشتركة، مؤكدة كيف يمكن لمفهوم «أحبَّ جارك» أن ينجح في الحياة اليومية.

أثبت التعاون بين مجتمعات الفوكولير وأناس من أديان متنوعة، بقيادة لوبيك، أنه من الممكن بناء جسور التفاهم والاحترام والمحبة. تؤكد أية زيارة لمجتمع فوكولير خارج فلورنسا بإيطاليا أن الجميع، بمن فيهم المسلمون، لا يُقبل بهم فقط وإنما يُرحَّب بهم كذلك.

في نهاية المطاف يفقد ويلدرز فرصة تحليل التململ الاجتماعي المبطن الذي يحذر منه. بدلا من تناول الطُعم وإبداء ردة فعل، فإن أفضل دواء مضاد لتحريضات ويلدرز هي تعلم المزيد عن بعضنا بعضا واعتناق حقيقة أنه لا يوجد نزاع متأصل بين الإسلام والغرب. لقد حان الوقت للبحث عن أساليب بناءة لأوروبا ومسلميها ليعيشوا جنبا إلى جنب جيرانا صالحين.

*محامٍ وزميل بمركز زوكرمان بجامعة هارفرد،

والمقال ينشر بالاتفاق مع خدمة Common Ground الإخبارية

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2050 - الأربعاء 16 أبريل 2008م الموافق 09 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً