العدد 2050 - الأربعاء 16 أبريل 2008م الموافق 09 ربيع الثاني 1429هـ

ثقافة «الإجماع الوطني»!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

تتالت الدعوات من أعلى المستويات إلى لجم الفتنة وإلى «الإجماع الوطني» عقب قتل رجل الأمن ماجد أصغر علي في أثناء مناوشات بين رجال الأمن ومخربين لجئوا إلى استخدام الزجاجات الحارقة «المولوتوف» إلى جانب الحجارة، فهل حصل أو تحقق ما تعارف عليه بــ «الإجماع الوطني»؟!

وما هي المعايير والمقاييس المتبعة في تحديد وكشف مثل هذا الإجماع؟!

وهل يمكننا أصلا أنْ نعتبر توارد بيانات الإدانة والاستنكار والتجريم الحازمة تجاه مرتكبي هذه الجريمة من قبل الأطراف والمؤسسات كافة بما فيها المؤسسات العلمائية وقيادات التنظيمات السياسية المعارضة والموالية الذين لربما اتفقوا على أنه مهما تكن هنالك من شعارات محمولة ومن وقائع مأساوية ومن غضب وقهر تاريخي متراكم ومن مشروعيات متناهبة ويفترض أن تكون معمولا بها فإنه ليس هنالك أدنى تبرير في أنْ يتخلّص الإنسان من تركة إنسانيته فيقتل أخاه الإنسان ويعود إلى ارتكاب الجريمة الأولى في سوءة لا يمكن أن توارى؟!

أجمل ما سمعت من مواقف الاشمئزاز والاستنكار والإدانة هو ما كان قد أتى من رئيس تنظيم «وعد» إبراهيم شريف الذي اتصل بي ليخبرني عن نيّتهم الذهاب إلى تعزية أهل شهيد الواجب الذي لم نوفق حتى هذه اللحظة في معرفة مكان العزاء عسى أنْ نتمكّن في التخفيف على أهله مصابهم وتأدية هذا الواجب الإنساني قبل أنْ يكون واجبا وطنيا، فقال لي بوشريف «إنّ مثل هذه الجريمة النكراء لا يمكن تبريرها، ولا يمكن أنْ تعتبر ضمن وسائل المقاومة المدنية المشروعة التي تنتهك مبادئها وتجرد من حمولتها الأخلاقية والقيمية حينما تنقلب إلى أعمال تخريب وجريمة قتل تستبيح أغلى الحرمات وتسلب أعز الأمانات، وهو ما يعني بالتالي خروجا على الإنسانية ككل».

ما هي القيمة السياسية أصلا لمثل تلك الأعمال العبثية ومن بينها هذه الجريمة النكراء على وجه التحديد؟!

هل تقل نسبة «الوطنية» في مجمل «الإجماع» فيما لو كانت هنالك دعوات لتعقيل وترشيد المعالجة الأمنية وإنْ كانت مثل هذه المعالجة الضرورية هذه المرة أفضل بكثير من مرات سابقة كانت أشبه بالعقوبات الجماعية؟!

هل تزداد مقادير «الوطنية» في صلب «الإجماع» إذا ما احتوى تصعيدا وإقصاء «لا وطنيا» ضد فئة وطائفة من طوائف هذا المجتمع، وإذا ما جاء مدبجا بالكثير من الإنشائيات والبذاءات اللفظية المؤكسدة أكثر من غيرها من مواقف وبيانات آراء لا تختلف حول إدانة الجريمة واستنكارها أساسا؟!

على العكس من البعض فلو أردنا الحكم على هذا الحادثة الأليمة أو هذه الجريمة النكراء التي تم فيها المساس بهيبة الدولة حرقا ورجما وترهيبا من قبل المخربين فسنقول إن هذه الحادثة المأساوية أو الجريمة النكراء المرفوضة مبدءا وشكلا وضمنا من قبل كل مَنْ يقيم للقيمة الإنسانية وزنها واعتبارها وأمانتها الغالية ورسالتها السامية، هذه الحادثة/ الجريمة أتت بحرينية بامتياز ولم تعد غريبة كيميائيا عن مجتمعنا الموبوء والعدواني بسبب العديد من العوامل الذاتية والموضوعية المعروفة للجميع، ومثل هذا «الإجماع الوطني» نحو إدانة واستنكار الجريمة أتى كخيط من فراغ أو ربما شرخا طوليا في عمق لا إجماع وطني قبلها تجاه العديد من القضايا والمسائل المصيرية التي لا تزال عالقة وأقرب للتناهب والاستغلال والتجيير السياسي من قبل مختلف الأطراف!

لا عاقل يختلف أبدا بشأن تجريم القتل وتجريم التخريب والإضرار بهيبة الدولة، ولا مجنون يطالب الدولة بأن تتخلى عن أولى واجباتها في حفظ الأمن والاستقرار، وأن تكف أذرعتها الأمنية عن معاقبة المتورطين والمتهمين، وقبلها في القبض على المشتبهين، ولكن وقبل اللجوء واللوذ صحافيا والذوب بهيميا في المطالبة بالعودة إلى زمن «أمن الدولة» وإلى تقليص الحريات العامّة وتحريض الأجهزة الأمنية والاستخباراتية على اتباع العقوبات الجماعية ضد المتورطين على أساس فئوي وطائفي وسياسي، وفي محاولة توريط الخصوم والفرقاء السياسيين المختلفين بمستنقع تلك الجريمة النكراء، فإننا ولو كنا لا نحتج على قوى الأمن في أنْ تعالج المسائل والقضايا السياسية المعقدة بأساليب أمنية في العديد من الحالات الأخرى، فإن هنالك فراغ وزحف جحيمي لاهب وجب إيقافه عند حده تطبيقا لمفاهيم الأمن الوقائي الذي يحول دون وقوع الجريمة مستقبلا وهو العامل الأهم بلا شك، فلم تكن الحرية نقيضا للأمن والاستقرار!

ومثلما نعيش ونلامس كراهة واقع «توازن الرعب الطائفي المنظم» الذي تتم فيه مقتضيات الأمور في هذه البلاد فإن لمثل ذلك امتدادات خطيرة أكثر تفشيا في الفضاء المعلوماتي الإلكتروني تمثله بعض المواقع والمنتديات والمنابر الطائفية التي تمثل وجهة نظر قوى وتيارات المعارضة والموالاة السياسية والتي بدلا من أن تكون رسالة للتسامي الحضاري تعزز من لحمتنا الوطنية فإنها كانت أبهى مرآة ساهمت في كشف وتعرية مدى البشاعة والقبح والقماءة التي يتسم بها لاوعينا المشترك أو لا وعينا اللا وطني اللا إنساني، وهو الأمر الذي أظهر مصطلحات «العقد والأمراض البحرينية» في المنتديات والساحات الحوارية الخليجية!

هذه المنتديات والمنابر وقل مجاملة «البواليع» الطائفية لم تخرج على الدستور والتشريعات الوطنية المصيرية وإنما خرجت أيضا على قوانين ودساتير الغاب التي ربما تمنع الضواري من التهام فرائسها طالما أنها لا تعاني جوعا أو هي تتضور، ففي هذه المنابر مطالبات وابتزازات لشيعة البحرين أنْ يقوموا بتجديد ولاءاتهم دوريا عند كل حادثة وجريمة ونائبة كما لو أنهم يقومون بتسجيل سياراتهم والفحص عليها دوريا لدى الجهات المختصة، كما أنّ المنابر ذاتها التي تختلف في غوغائيتها السياسية لكنها تتحد في بشاعتها الطائفية لطالما تتهم أهل السنة والجماعة بأنهم جميعا طابور خامس طائفي لأجهزة المباحث وأمن الدولة ضد الشيعة، وينزع عنهم تاريخهم الوطني الذي سطروا في ألمع الملاحم والتضحيات النضالية على مدى القرن، أو هي تدعو لإخراجهم من البلاد لكونهم «محتلين» وبحسب ما يطلق عليهم في بعض وسائل الإعلام الغربية المتربصة «Sunni elite»!

إذا كانت ضالتك هي الشماتة والتكفير والتخوين والإخراج من الملة ومن الوطنية ومن الإنسانية فستجدها حتما في منتديات السعار والجرب الطائفي التي لا تقل خطورة عن «المولوتوف» الذي سيتم تجريمه، هذه المواقع التي يموّل ويدار ويوجه بعضها من قبل متنفذين في السلطة وبعضها مرخص من قبل وزارة الإعلام، لابدّ أن يتم التعامل معها بحزم، إمّا معاقبة أو إغلاقا نهائيا لا رجعة فيه ومحاسبة مسئوليها علنا، وهو ما طالبنا به في الكثير من المقالات المنشورة في هذه الصحيفة الغرّاء من دون أن نتلقى إجابة من قبل المعنيين في وزارة الإعلام!

والآنَ أتت دعوة وتوجيهات من سمو رئيس الوزراء للتصدي لها، وهي دعوة تستحق كل الإشادة والتقدير ونتمنى أنْ يستجاب لها من قبل المسئولين فتغلق المواقع الطائفية المرخصة وغير المرخصة أكانت تتبع الموالاة أم المعارضة السياسية، وأكانت مملوكة لــ»دياسبورا» من المراهقين والصبية المغرر بهم والمجانين الموتورين، أم لثلة من كبار المتنفذين في الدولة، فذلك لا يخفف من غرائز الحرائق الطائفية العمياء التي لا تعرف أيهما أساء أكثر لأخيه السني أم الشيعي!

بوركت توجيهاتك السامية يا أباعلي عسى أن يسارع المسئولون في تنفيذها،ولسان حالنا يتساءل: «أين هو الدستور في هذه البلاد؟! أين هو الوطن والوطنية في هذه النتفة الصغيرة المزعجة من الأرض؟!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 2050 - الأربعاء 16 أبريل 2008م الموافق 09 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً