العدد 2052 - الجمعة 18 أبريل 2008م الموافق 11 ربيع الثاني 1429هـ

الشرق يُقابل الغرب في التعليم في إندونيسيا

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

يشكّل معهد الدولة للدراسات الإسلامية معهدا فريدا في نظام التعليم الوطني الإندونيسي. تكمن هذه الخاصية الفريدة على مستوى الجامعة للمؤسسة في منهاج المعهد الحديث متعدد المجالات الذي يدمج التوجهات العلمية الاجتماعية الغربية والمعارف الدينية الكلاسيكية. وهذا مركز للتعليم الإسلامي ينتج طلابا ذوي عقلية منفتحة.

تأسس المعهد في جاكرتا ويوغيكارتا في العام 1960 كمؤسسة تعمل على تثقيف الأفراد للمناصب الدينية، وخصوصا وزارة الشئون الدينية. المواضيع الرئيسية التي كانت تدرَّس هي علوم الدين الإسلامي والفقه الإسلامي واللغة العربية والأدب والوعظ الإسلامي.

لم تكن مواد المعهد التدريسية وأساليبه في البداية تختلف كثيرا عن مواد المدارس الدينية الداخلية، حيث سيطرت المحاضرات على العملية التدريسية وكانت تأخذ المصادر الدينية الكلاسيكية من العصور الوسطى كمراجع رئيسية. ومما لا يدعو إلى الاستغراب أنّ المدرسة قامت بتخريج طلاب لهم وجهات نظر متزمتة نسبيا. إلاّ أن تغييرا حاسما حدث عند دخول عالِمين اثنين مميّزين من خريجي الدراسات الإسلامية بجامعة ماكغيل بمونتريال في كندا أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات. كان ألف مكتي علي خبيرا في الأديان المقارنة، وهارون ناسوتيون يحمل الدكتوراه في العلوم الدينية الإسلامية.

أدخل كلا العالِمين توجّها غربيا علميا يؤكّد التفهم العقلاني المنهجي في الأدب الإسلامي الكلاسيكي. لذا، وبالإضافة إلى الدراسات الدينية، طُلِب من الطلبة قراءة الكتب في علم الاجتماع وعلوم السكّان وعلم النفس والتاريخ والفلسفة، وهي موضوعات كانت تعتبر غريبة من قبل الطلبة المسلمين وقتها. قام العالمان بتطبيق أساليب مختلفة في التدريس، ولكن كلا منهما طالب بمشاركة نشطة من قبل الطلاب. كما أنّ إجادة اللغات الأجنبية كالعربية والإنجليزية كانت قضية أساسية.

كان أثر إدخال توجّه كهذا في الدراسات الإسلامية قراءة جديدة لبعض الرسائل الإسلامية التي لا تعتبر ثابتة أو غير قابلة للتغيير مثل: القرآن الكريم. أصبحت في الوقت نفسه عملية فحص نواحٍ معيّنة من التقاليد الإسلامية ودراسة أعمال المفكرين المسلمين مثل: الغزالي والفلاسفة الغربيين الملحدين الليبراليين أمثال: كارل ماركس وفريدريك نيتشه أمراَ عاديا وممارسة شائعة. لم يكن هناك من خوف من أنْ يوصم الطلبة بأوصاف مثل المتمردين الدينيين.

ومن المبادرات الأخرى التي تم اتخاذها لتحسين نوعية حياة المعهد الأكاديمية إرسال محاضرين إلى مؤسسات غربية، بما فيها ماكغيل ولايدن في هولندا، وبأعداد أصغر إلى الجامعات الأميركية والأسترالية. أعطت هذه السياسة التي دعمت السياسة القائمة بإرسال طلبة إلى مصر والسعودية، أعطت الطلبة فرصة نادرة ليس فقط لمقابلة علماء مميزين وأساتذة من الدول الغربية مثل ويلفرد كانتويل سميث، وإنما كذلك علماء من الشرق الأوسط مثل: محمد أركون (من الجزائر) من جامعة السوربون بفرنسا وفضل الرحمن (باكستاني) في جامعة شيكاغو وغيرهم.

كذلك كانت من الميزات الحسنة الأخرى فرصة استكشاف مكتبات عظيمة ذات مجموعات واسعة من الكتب القديمة والحديثة. هذا «المنفى» الأكاديمي كان رحلة أغنت دراسة الطلبة للإسلام وعملت على رعاية منظور جديد يعود به إلى وطنهم ومؤسستهم.

وحسب روبن بوش، العالمة الأميركية التي عملت من قبل في مؤسسة فورد بإندونيسيا، يشكّل المعهد وخريجوه، دعامات رئيسيّة للمجتمع المدني والحركات الديمقراطية في إندونيسيا. وهم كذلك في الحوار مع المجتمعات الدينية الأخرى ومعروفون جيّدا بوجهات نظرهم الدينية التعددية المتسامحة.

ليس من الصعب إيجاد منتقدي الأعمال التي طوّرها خريجو المعهد والأكاديميون فيه. من سخريات القدر أنّ الأستاذ إتش إم راسييدي، أوّل وزير للشئون الدينية وأوّل دكتور مسلم إندونيسي تخرج من جامعة السوربون في فرنسا، هو الذي حذر مما أسماه الأثر العلماني لإدخال التوجهات الغربية في الفكر الإسلامي.

تحفز الإجحافات القديمة والخوف من العالم الغربي هذا النوع من النقد. ورغم وجودهم بين حماة التقاليد الإسلامية الكلاسيكية، إلا أنهم أقلية وبالتالي فإنّ النظام الجديد من التعليم الإسلامي في المعهد مستمر في العمل دون رادع.

لا يمكن الاستغناء عن دور معهد الدولة للدراسات الإسلامية في حماية التناغم الديني في خضم ظهور التطرف الديني في إندونيسيا ما بعد سوهارتو، حيث تشكّل قدرته على تحليل التقاليد الإسلامية والغربية أداة رئيسية في السعي لإيجاد حلول للنزاعات الثقافية والدينية.

*كاتب إندونيسي، والمقال يُنشر بالاتفاق

مع خدمةCommon Ground الإخبارية

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2052 - الجمعة 18 أبريل 2008م الموافق 11 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً