العدد 2056 - الثلثاء 22 أبريل 2008م الموافق 15 ربيع الثاني 1429هـ

طوقا النجاة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هناك الكثير ممّا يوحّد هذه الأمّة... من الدين الواحد والقِبلة المشتركة والكتاب العربي الجامع المُبين، لكننا تفرّقنا عنها في هذا الزمان الذي تحكمه القيم الطائفية الضيّقة، ولم يبقَ لنا على المستوى النفسي والعاطفي ما يربطنا ويقرّب بيننا إلاّ حبّ محمّد (ص) وقضية فلسطين.

أمّا حبّ محمّد (ص)، فهو الذي يجمع كلّ القلوب، وتترجمه تلك الاحتفالات الرسمية والشعبية بمولده الشريف في شهر ربيع من كلّ عام، في مختلف الأقطار الإسلامية، حيث تتردد القصائد الخالدات، من محمد إقبال وأحمد شوقي، صعودا إلى «بردة» الإمام البوصيري رحمه الله:

أَمِنْ تذكّر جيرانٍ بذي سلم .... مزجتَ دمعا جرى من مقلـة بـدمِ

أم هبّت الريحُ من تلقاء كاظمةٍ .... وأومضَ البرقُ في الظلماء من إِضَمِ

فما لعينيكَ إنْ قلت اكففا همتا؟ .... وما لقلبك إنْ قلت استفـق يهــمِ؟

هذا الحبل ابتعدنا عنه فتفرّقت بنا السبل عن سبيله، حتى أصبحنا أسوأ أتباع لخير رسول، فأصبح من أرسل «رحمة للعالمين» في عيون الشعوب الأخرى مجرد شخص يلف نفسه بالأحزمة الناسفة لقتل الآمنين. أمّا في الداخل فهذا الرسول لا نتصوّره إلاّ على مقياس مذاهبنا وطوائفنا وقبائلنا.

أمّا الحبل الآخر... فهو قضية فلسطين التي كانت تجمع العرب والمسلمين، فأصبحت تدفع اليوم ضريبة الفرقة والشقاق. شعب فلسطين أصبح شعبين، و»الشقفة» الصغيرة المقتطعة من لحم فلسطين أصبحت شقفتين، الضفة الغربية وقطاع غزّة، تعيش فيها حركتان وشعبان ومشروعان صغيران متناحران.

هذا التفرّق في الداخل أصبح يبرر ويغذّي الانصراف عن القضية في الخارج، وما كان يُعرف بدول «الطوق» في فترةٍ زمنيةٍ سابقةٍ، أصبح مُشاركا في إحكام عملية الحصار على الفلسطينيين. التفاعل الشعبي فيما مضى وما ينتج عنه مما تيسّر من تبرع الحكومات والشعوب العربية... أصبح اليوم مُحرّما وممنوعا على الجميع.

حتى هذه القضية المركزية سقطت في فخ الانقسام الطائفي المبرمج، بين محوري «الاعتدال» و»الممانعة» في المنطقة. ولعب الإعلام العربي على زيادة هذا الشرخ، ولم يتورّع بعضهم باتهام حركة «حماس» المقاوِمة بالصفوية، ولا تدري ما هي المصلحة المرجوّة في هذه الطروحات التي لا تصب إلاّ في مصلحة «إسرائيل»، ولا تخدم إلاّ مشروع الشرق الأوسط الكبير وفوضاه «الخلاّقة»!

في 12 أبريل/نيسان الجاري، نظمت «الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني» فعالية بعنوان المؤتمر الشعبي الأوّل لإعادة فتح مكتب مقاطعة «اسرائيل»، باعتباره استراتيجية وليست خيارا، وكان عدد الحضور بالعشرات، أغلبهم من الفئة العمرية فوق الأربعين، مع غياب ممثلي أغلب الجمعيات السياسية والتيارات الدينية.

هذه القضية الإنسانية الكبرى، التي تعتبر عارا على البشرية في القرن الحادي والعشرين، والتي حظيت بتعاطف شعوب الأرض كواحدة من أكبر القضايا الأممية، أصبحنا نتوزّعها بيننا كطوائف أيضا، فهناك احتفالات ومؤتمرات وندوات خاصة بالسنّة وأخرى بالشيعة، ولم يعد بإمكان الطرفين أنْ يجتمعا معا في قاعة واحدة من أجل هذه القضية. هل من حق شعوب المنطقة أنْ تحلم بنورٍ في نهاية النفق بعد التفريط بهذين الطوقين: حبل محمد وحب فلسطين؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2056 - الثلثاء 22 أبريل 2008م الموافق 15 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً