العدد 2060 - السبت 26 أبريل 2008م الموافق 19 ربيع الثاني 1429هـ

خديعة أولمرت... والصيف الساخن الأميركي!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

كان لابدّ للمعلّم أن يزور طهران على عجل، بعد التهديد الأميركي للبنانيين بـ «صيف ساخن آخر» كما جاء على لسان مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد وولش، وبعد الأنباء المتسارعة عن استعداد أولمرت «لإعادة الجولان السوري كاملا إلى السيادة السورية» تتويجا لجهود الوسيط التركي الطامح إلى دور إقليمي متنام، وكذلك بعد الأنباء المتسارعة أيضا عن وجود جهود أميركية حثيثة تلحّ على ضرورة «تعزيز عروبة العراق، وإعادته إلى الحظيرة العربية لمواجهة النفوذ الإيراني المتنامي فيه» كما جاء على لسان وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس وهي في طريقها إلى اجتماع دول الجوار العراقي في الكويت!

كل ملف من هذه الملفات لوحده يمكن أن يشعل حربا ما في المنطقة، فكيف إذا اجتمعت ثلاثتها في لحظة واحدة؟ ألا تستدعي مثل هذه اللحظة اجتماعا تشاوريا عاجلا بين الحليفين المصنفين من قبل الأميركي بأنهما «المعرقلان الحقيقيان» لحل النزاعات الثلاثة الآنفة الذكر؟

على وقع هذه الأخبار ستعيش المنطقة العربية أسابيع ساخنة ومتوترة إضافية قبل أن ينكشف السيناريو الإسرائيلي الحقيقي بخصوص هذه «الخديعة» الجديدة كما يؤكد الكثير من المطلعين، وقبل أن تنكشف حقيقة السيناريو الأميركي الجديد بخصوص ما تتخوف منه المعارضة اللبنانية ممّا تسميه خطر «التدويل» لملفها مهما قالت عنه دول عربية أساسية ومعها أمين عام الجامعة بأنها «قضية عربية» في إشارة أقوى من التصريح لرفض توجهات ما بات يعرف بـ «المحور السوري الإيراني»!

وهنا لابد من التذكير بالكلام الكثير الذي قيل على مدى الأشهر الأخيرة عن ضرورة فك ارتباط سورية مع حليفها الإيراني، و «إعادتها إلى الحظيرة العربية بأي ثمن كان، بعد أن تحولت إلى أداة طيعة بيد المخطط الإيراني»!

ولذلك فإن ثمة من يؤكد أن الوساطة التركية لن تأتي بأي شيء جدي مهما كان طموح «المارد» التركي عاليا، وأن أولمرت إنما يلعب في الوقت الأميركي الضائع محاولا إعادة لعب ورقة ما عرف بـ «وديعة رابين» حتى تحين ساعة الصفر الأميركية بالنسبة لشكل التعامل مع مثلث الممانعة المتمثل بحالف دمشق وطهران وحزب الله اللبناني، وعليه فإن المعلّم جاء ليطمئن طهران بأن «خديعة أولمرت» لن تمرّ، وأن سورية لن تقصّ جناحيها الإيراني واللبناني من أجل خديعة سرعان ما ستنكشف وتتبخر كسابقاتها!

تصريحات السيدة رايس قبل توجهها إلى المنامة في طريقها إلى اجتماع دول الجوار حول العراق الذي دعت فيه الدول العربية إلى ما أسمته «تعزيز هوية العراق العربية» موضحة نصيحتها بالقول إنه «يجب إعادة دمج العراق في العالم العربي، لأن هذا الأمر بحدّ ذاته سيساهم في الحماية من النفوذ الإيراني»، مستدركة بالقول «طبعا، إيران دولة جارة وذات تأثير لا يمكن إنكاره... لكنّ العراق قبل كل شيء دولة عربية» هي تصريحات وضعها المراقبون في خانة... «كاد المريب أن يقول خذوني»!

فمنذ متى كان العرب أو المسلمون ودول الجوار العراقي في شك من عروبة العراق؟!

ومن هو الذي اعتدى على عروبة العراق أولا ومن ثم على هويته وتاريخه ومتحفه وعلمائه، والذي كشفه الرئيس الأسد قبل أيام فقط أن وزير خارجية أميركا السابق كولن باول طلب منه بعد الغزو مباشرة أن تمتنع سورية عن استقبال العلماء العراقيين... ربما أيضا في سياق دمج العراق في العالم العربي!

هل هي صحوة أميركية متأخرة...؟! أم ندم على فعلة لم يكونوا يعرفون مدياتها؟!

لقد كان الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي أول من عرض ومبكرا جدا اجتماعا لدول الجوار العراقي إلى جانب مصر والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي برعاية الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، منعا للحرب وتجنب ويلاتها، وهو ما من شأنه أن يحافظ على سيادة العراق ووحدة أراضيه وعروبته وإسلامه وحسن علاقته بدول الجوار بالتأكيد، ولكن الذي رفض وقتها بشدة مثل هذا الاقتراح ووأد الفكرة في مهدها هو الحكومة الأميركية على رغم حماس الأمين العام وتشجيعه!

فالمراقبون يسألون اليوم بكل جدية واستغراب: لماذا اليوم هذا الحماس المتأخر وغير المعهود من جانب أميركا لعروبة العراق؟! إذا ما قرأنا حماس الظواهري في هذا السياق أيضا وحديثه المفاجئ عن «أطماع إيران في العراق والجزيرة العربية، وتمدّدها باتجاه حلفائها في الجنوب اللبناني»، وتابعنا أيضا حرص «الليبراليين العرب الجدد» المتجدّد على عروبة العراق وهم الذين كانوا يتهمون المدافعين عن عروبته أو إسلامه من المعارضين للغزو والحرب عليه بـ «القومجية» و «الإسلاموية» و «الغوغائية» المعادية لفكرة تحرير العراق وديمقراطيته العتيدة! وإذا تذكرنا كذلك مقولات «أخطار التمدد الصفوي على لبنان» لأبطال ثورة الأرز والاستقلال والسيادة والحرية اللبنانيين الجدد! وكذلك مقولة «الخطر الداهم على العرب من جانب الهلال الشيعي» التي يتم تجديدها كلما استجدت الحاجة للحشد ضد المرشحة الجديدة للعدوان (أي الجارة إيران)! نعرف عند ذلك ونتأكد أن المطلوب هو: استعداء إيران، وحشد العرب والرأي العام العالمي ضد خطر إيراني مزعوم، وليس الدفاع عن عروبة العراق!

وإلا لماذا هدمت الإدارة الأميركية ودمرت وفككت الدولة العراقية وجيشها وشرطتها وكل البنى التحتية لهذا البلد العربي المظلوم، ولايزال المندوب السامي الشهير بول بريمر حتى الآن يدافع عن كل قراراته تلك ويعتبرها عين الصواب، ورايس لا تنبس ببنت شفة؟!

ثمّة من يقول إن مهمة الهدم في العراق وكسب المليارات من الأرباح من وراء ذلك قد وصلت إلى طريق مسدود، وإن المطلوب الاستعداد لمهمة هدم وكسب جديدين! ومن أجل ذلك فإن المقدمة الطبيعية هي اختلاق «إيران فوبيا» يشارك في الحشد لها ليس الأميركيون فقط، بل ووجههم الآخر أي «القاعديون» و «ثالثهم» من جماعة المنبهرين بديمقراطية واشنطن من «الليبراليين العرب الجدد»!

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 2060 - السبت 26 أبريل 2008م الموافق 19 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً