العدد 2062 - الإثنين 28 أبريل 2008م الموافق 21 ربيع الثاني 1429هـ

صدقاتكم وتبرعاتكم: من أين... وإلى أين... وإلى متى؟

حسين مدن comments [at] alwasatnews.com

ناشط اجتماعي ورئيس صندوق جرداب الخيري السابق

قرأت ولأكثر من مرة على الصفحات الأولى لبعض الصحف عنوانا لخبر يقول إن «استثمارات الصناديق وصلت إلى 0000 مليار دينار». يشدنى الخبر وأكتشف بعدئذ أنه يتحدث عن «الصناديق الاستثمارية» وليست «الصناديق الخيرية».

أقولها بصدق إننى أفرح لذلك كثيرا ولكن أتوقع لفرحي أن يزيد إن قرأت هذا الخبر مرة أخرى عن الصناديق الخيرية وليس فقط الاستثمارية.

فكيف لهذا الأمل أن يتحقق؟

قلت في مقال سابق إن 51 في المئة من الصناديق الخيرية في البحرين يقل دخلها السنوي عن 20 ألف دينار (81 في المئة يقل دخلها عن 50 ألف دينار). أما عن المصاريف فإن 55 في المئة من الصناديق لا تزيد مصروفاتها السنوية عن 10 آلاف دينار( 88 في المئة لا تزيد مصروفاتها عن 50 ألف دينار). فمن أين يأتي هذا الدخل وإلى أين يذهب؟

تقول الإحصاءات إن أهم دخل لمعظم الصناديق يأتي من التبرعات والصدقات والتي تتضمن تبرعات الشركات والمصارف وصدقات الأفراد ويعادل ذلك أكثر من 21 في المئة من الدخل، تأتي بعده الحصالات ثم التبرعات العينية.

أما أقل نسبة دخل فتأتي من أنشطة اللجان ثم الاشتراكات ثم الاستثمارات وهو ما يمثل أقل من 5 في المئة فقط من الدخل. أي أن الصناديق تعتمد اعتمادا كليا على تبرعات الشركات ورجال الأعمال وكذلك الحصالات. أما مصاريف غالبية الصناديق فإن أكثر من 21 في المئة منها توزع كمساعدات شهرية للأسر المحتاجة بفارق كبير مقارنة بالمساعدات الدراسية والتعليم. أما أقل المصاريف فتذهب للمساجد والمقابر ومساعدات العلاج أي بنسبة تقل عن 5 في المئة من مجمل مصاريفها. وهذا يعني أن جل هذه المصاريف تذهب مباشرة كمساعدات مباشرة للأسرالمحتاجة.

فماذا نفهم من ذلك باختصار؟

إذا عرفنا أن أهم دخل للصناديق يأتي من تبرعات الشركات والأفراد والصدقات والذي لا يتجاوز 20 ألف دينار سنويا لـ 90 في المئة من الصناديق. وإذا عرفنا أن أهم مصاريف الصناديق تذهب للمساعدات الشهرية للأسر وأن هذه المصاريف تفوق نسبة 21 في المئة من الدخل لـ 47 في المئة من هذه الصناديق. إذا عرفنا ذلك فإنه يمكن القول إن هناك علاقة طردية بالتأكيد بين التبرعات والصدقات وبين المساعدات الشهرية للأسرأي أن هناك اعتمادا كبيرا من الصناديق على تبرعات الشركات ورجال الأعمال القليلة وأن المساعدات الشهرية المباشرة الكبيرة هي المتنفس الأكبر للأسرالمحتاجة والفقيرة.

فما هو المطلوب إذا؟

أما وضع معايير وأسس وقوانين لتبرعات الشركات والمؤسسات الكبيرة المربحة كالمصارف وشركات الاتصالات كأمثلة فقط عن طريق تفعيل «المسئولية المجتمعية» وذلك بتحديد نسبة معقولة من أرباحها ولتكن كما هي معروفة في الدول الغربية والتي تتراوح بين 1 في المئة إلى 5 في المئة من دخل هذه المؤسسات أو أن تقوم الحكومة بمساعدة وإعانة هذه الصناديق ماديا لتتمكن من إنشاء مشروعات استثمارية لها في البداية لكي تستطيع أن تقف على أرض صلبة ولتتمكن من تدوير هذه الأموال داخليا لتغطية مصاريفها وتحديث استراتيجياتها للاستفادة القصوى من هذه الأموال في التنمية المستدامة.

باعتقادي أنه بسبب عدم تفهم وزارة التنمية الإجتماعية لدور الصناديق الخيرية فإن توجهها لم يكن صائبا البتة بالنسبة للاقتراح برغبة المقدم من مجلس النواب بشأن ضرورة دعم الحكومة ماديا للصناديق الخيرية باعتماد موازنة تشغيلية ودعم مادي ثابت لا يقل عن ألفي دينار شهريا. فتقديم المنح عن طريق صندوق دعم العمل الأهلي والاجتماعي بأسلوب عملي وعادل ومشجع على العمل البناء والهادف وإذكاء روح المنافسة بين الصناديق عن طريق التقدم بمشروعات تنموية بعد وضع المعايير والاشتراطات للفوز بالمنحة، ليس مرفوضا بل مطلوبا ويشكر عليه الصندوق والوزارة. ولكن هذا لا يعفي مسئوليتها، أي الوزارة، عن تقديم الدعم المالي والمساعدة المباشرة للصناديق من أجل أن ترتقي بالعمل الخيري في المملكة حتى تستطيع أن تقوم بدورها الرئيسي في تخفيف حدة الفقرعلى الأقل والذي هو في الأصل من أهم مسئوليات الوزارة.

منح الوزارة سنويا تذهب إلى ما لا يزيد عن 7 في المئة فقط من مجموع المؤسسات الخيرية (23 من أصل 332 جمعية لهذا العام) وبالكاد تغطي هذه المنح مصاريف المشروعات التنموية التي تفوز بها هذه الصناديق والجمعيات. فكيف إذا تستطيع أن توفر هذه الصناديق والجمعيات أموالا لتغطي نفقاتها الأخرى وتحقق أهدافها وكيف يكون بإمكانها الاستثمار في مشروعات تنموية لتمول نفسها ذاتيا وتعود بالفائدة عليها مستقبلا؟ ما يؤكد ذلك هو أن 60 في المئة من الصناديق ليس لها أي نوع من الاستثمارات حتى الآن وبعد أكثر من 15 عاما من إنشائها.

أعتقد أن من الواجب على الوزارة أن تتفهم هذا الدور الكبير للصناديق والجمعيات الخيرية وأن تبدأ في وضع الأسس التي عن طريقها تعكس دورها المطلوب في تبني التنمية المستدامة لتثرى العمل التطوعي ولتعكس أثرا إيجابيا في خدمة المجتمع ولتبدأ أولا بوقف «المراوغة» و «التهرب» من هذه المسئولية الكبيرة.

أقول «نعم» لمنح المشروعات المتميزة ولكن «نعم» أكبر منها لاقتراح مجلس النواب للدعم المالي للصناديق مباشرة من الوزارة أو عن طريق صندوق دعم العمل الأهلي والاجتماعي، فإن الصناديق والله حمّالة لمآسي لا يعلمها إلا الله.

بعد أن فرغت من كتابة هذا المقال علمت أن الحكومة رفضت الاقتراح برغبة من البرلمان لدعم الصناديق الخيرية وإعانتها بـ 2000 دينارشهريا بحجة أن هناك قانونا بتحول الصناديق الخيرية إلى جمعيات تمول نفسها ذاتيا. كيف؟ وما الذي سيتغير؟ أؤكد أن آلية جمع الأموال لن تتغير فعليا وعمليا عند هذه الصناديق لو تحولت لجمعيات خيرية. هذه الإعانة التي لن تكلف أكثر من 162 ألف دينار شهريا لـ 81 صندوقا خيريا هي التي ستمكن الصناديق التي تعيل الآلاف من الأسر المحتاجة من تمويل نفسها ذاتيا بحيث ستتمكن من الاستثمار مستقبلا ولن تحتاج الحكومة لمواصلة دعمها إلى ما لا نهاية. فهل ننتظر إفلاس هذه الصناديق كما أفلست الكثير من الجمعيات التعاونية قبلها؟ بصراحة تامة ليس هناك ما يقنعني بجدوى موقف الحكومة غير الجدي من هذه الصناديق.

إقرأ أيضا لـ "حسين مدن"

العدد 2062 - الإثنين 28 أبريل 2008م الموافق 21 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً