العدد 2065 - الخميس 01 مايو 2008م الموافق 24 ربيع الثاني 1429هـ

الطاقة في العلاقات الإيرانية الآسيوية... الهند مثالا

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نقلت وكالة «فارس» شبه الرسمية للأنباء خبر توجه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قريبا نحو جارتيه باكستان والهند لوضع اللمسات الأخيرة على عقد مثير للجدل لإنشاء أنبوب طوله 2700 كيلومتر لنقل الغاز الإيراني إليهما.

ووفق الاتفاق فإنّ الأنبوب سيقطع 1100 كيلومتر داخل إيران و1000 كيلومتر داخل باكستان و600 في الهند، وسيكون قادرا على نقل 150 مليون متر مكعّب من الغاز الطبيعي إلى باكستان والهند حيث تتمتع الهند بتسعين مليونا يوميا والبقية لباكستان.

وتقدر الكلفة التقديرية للمشروع بما يناهز 4.5 مليارات دولار قبل أن ترتفع إلى نحو سبعة مليارات دولار. وحاولت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة بشتى الطرق قطع الطريق أمام هذا المشروع، بعرضها تكنولوجيا نووية متطورة على الهند.

وكما هو معروف، يعود تاريخ العلاقات الهندية - الإيرانية المعاصرة إلى مطلع الخمسينات عندما وقع البلدان في 15 مارس/ آذار 1950 معاهدة الصداقة التي تدعو إلى «السلام الدائم والصداقة» بين الدولتين. وعلى رغم أن هذه الاتفاقية ضمنت، من حيث المبدأ، السلام بين الجانبين، إلا أن فترة الحرب الباردة، وضعت البلدين في معسكرين متضادين دائما من دون تنمية العلاقات الثنائية السلمية بينهما.

ولكن سقوط الاتحاد السوفياتي، والتطورات التي أعقبت ذلك أدت إلى إعادة رسم خريطة التحالفات في المنطقة. وعلى مستوى العلاقات الهندية - الإيرانية، جاء إعلان طهران العام 2001، وإعلان نيودلهي العام 2003 يعكسان سعي البلدين قدما نحو مزيد من التعاون في المجالات التجارية والطاقة. فإيران تمتلك ثالث أكبر احتياطي من النفط مع احتياطيات مؤكدة بنحو 132 مليار برميل، كما أن إيران لديها ثاني أكبر احتياطي من الغاز على مستوى العالم، ولهذا تسعى الهند إلى سد احتياجاتها من الطاقة عن طريق إيران.

وكما يبدو، إن التقدم في العلاقة بين البلدين في مجال الطاقة لايزال بطيئا - حاليا - وتتراوح واردات النفط الخام الهندية من إيران بين 100 ألف برميل و150 ألفا يوميا، وهو ما يمثل نحو 7.5 في المئة من إجمالي واردات النفط الخام للهند التي تقدر بنحو مليوني برميل يوميا. ولهذا تسعى الهند إلى الحصول على الغاز الطبيعي من إيران عبر خط أنابيب ولكن هناك نزاعا عليه نتيجة حتمية مروره عبر باكستان. كما أن الهند وإيران اتفقتا على صفقة للغاز الطبيعي يصل حجمها إلى 22 مليار دولار وتقضي هذه الصفقة بتزويد الهند بخمسة ملايين طن من الغاز الطبيعي الإيراني المسال سنويا. ووفقا لهذه الاتفاقية سيتم توريد الغاز الطبيعي السائل على مدى 25 عاما ابتداء من العام 2009 بسعر 3.21 دولارات لكل وحدة.

ينسجم هذا التوجه مع سعي الهند، في السنوات الأخيرة، إلى أن تصبح قوة فوق إقليمية، تريد أيضا أن تحافظ على مصالحها في منطقة آسيا وآسيا الوسطى التي ترى فيها الهند مخزونا كبيرا للطاقة. فالهند حاليا تعد سادس أكبر مستهلك للطاقة في العالم، ففي العام 2003 أنتجت الهند 33 مليون طن من النفط الخام واستوردت 90 مليون طن، أي أنها استوردت 73 في المئة من إجمالي احتياجاتها من الطاقة التي تقدر بـ 123 مليون طن، ويعتقد بعض المحللين أن الهند بحلول العام 2020 قد تصبح رابع أكبر مستهلك للطاقة بعد الولايات المتحدة والصين واليابان. ولهذا تأمل الهند في تنويع مصادر الطاقة، ومن ثم ترى الهند في آسيا الصغرى عموما وإيران خصوصا إمكانات هائلة للسوق الاستهلاكية الهندية، كما تعتبر آسيا الوسطى منطقة مهمة للوجود الأمني الهندي. فهي على الأقل يمكن عن طريقها حرمان باكستان من عمق استراتيجي مهم.

كل ذلك يفسر ما تثيره هذه الزيارة من تساؤلات عن الموقف الأميركي منها؛ مما يدفع البعض إلى الربط بينها وبين جولة كوندواليزا رايس بالمنطقة في العام 2005 التي حاولت خلالها ضبط التحالف الهندي - الإيراني، على رغم التطور الهيكلي الذي طال العلاقات الأميركية - الهندية، وخصوصا منذ بداية فترة الرئاسة الثانية للرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، والتي ووجهت لتوقيع ما عرف حينها بـ «خريطة طريق التعاون الاستراتيجي» وسبع اتفاقيات أخرى، التي أسست جميعها لبناء «شراكة استراتيجية» بين البلدين وانطلاق الحديث عن تطور «تحالف هندي - إيراني» جزءا من سياسة «المحاور» و «المثلثات» الاستراتيجية التي سعت الهند إلى تطويرها وخصوصا منذ مطلع التسعينيات مع وصول حزب بهاراتيا جاناتا إلى السلطة.

هذه الحالة تضع العلاقات الهندية - الإيرانية أمام خيارين متناقضين: الأول يدفع باتجاه مزيد من دعم العلاقات بين الهند وإيران، ويتمحور حول اعتقاد القادة الهنود بأن التعاون مع إيران يمكن أن يبعدها عن باكستان، وهو ما يصب في مصلحة الهند. أما العامل الآخر فيتمثل في خشية الهند من أن ينظر إلى هذا التقارب الهندي - الإيراني على أنه موجه نحو الغرب، وخصوصا الولايات المتحدة، وهو ما قد يضر بالهند.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2065 - الخميس 01 مايو 2008م الموافق 24 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً