العدد 2066 - الجمعة 02 مايو 2008م الموافق 25 ربيع الثاني 1429هـ

بصيص أمل

بان كي مون comments [at] alwasatnews.com

الأمين العام للأمم المتحدة

لاح في الأسبوع الماضي بصيص من الأمل في غمرة أزمة الغذاء العالمية. فقد خففت أوكرانيا القيود على الصادرات توقعا منها لوفرة في المحاصيل. فانخفضت أسعار القمح العالمية بنسبة 10 في المئة بين عشية وضحاها.

غير أنه في المقابل، حدد المتعاملون في سوق بانكوك سعر الأرز بنحو 1000 دولار للطن، والذي كان سعره قبل شهرين لا يتعدى 460 دولارا. ويتوقع أن تزيد الأسعار ارتفاعا.

تلك هي حالة الأسواق في الوقت الراهن إذ أنها تتسم بالتقلب. ونحن لا ندري إلى أي حد قد تصل أسعار الأغذية، وإلى أي حد يحتمل أن تهبط بعد ذلك. ولكن شيئا واحدا هو في حكم المؤكد، وهو أننا انتقلنا من حقبة اتسمت بالوفرة إلى حقبة تتسم بالندرة. ويتفق الخبراء على أنه من غير المرجح أن تتراجع أسعار الأغذية قريبا إلى المستويات التي عهدها العالم.

ويعبّر المستهلكون عن تذمرهم حتى في دول أوروبا الغنية وفي الولايات المتحدة. فلنتصور إذن حالة من يعيش على أقل من دولار واحد في اليوم - ضمن شريحة المليار نسمة التي تعيش في الدرك الأسفل - وأفقر فقراء العالم. ومعظمهم يعيش في إفريقيا، ويصرف الكثير منهم عادة ثلثي دخلهم على الغذاء.

في الأسبوع الماضي، انتهى إلى سمعي في ليبريا أن السكان توقفوا عن شراء الأرز المستورد بالأكياس، وصاروا يشترونه أكثر فأكثر بالأكواب لعجزهم عن شراء قدر أكبر من الأرز. يذكر أن تردي الوضع في ليبيريا وتحوله إلى حالة من الفوضى بدأ في العام 1979 بأعمال شغب بسبب أزمة أغذية.

وفي كوت ديفوار عبر لي الزعماء السياسيون عن خشيتهم من أن تؤدي الأزمة إلى تقويض الجهود المبذولة لإرساء نظام ديمقراطي حقيقي، في وقت صاروا فيه قاب قوسين أو أدنى من تحقيق ذلك، بعد جهود دامت عقدا من الزمن.

وفي بوركينا فاسو، حدثني رئيسها عن حاجة البلد الشديدة الإلحاح إلى المساعدة. فنصف أفراد شعبه يعيش على دولار واحد في اليوم، وغالبيتهم العظمى من صغار المزارعين. وتحدث وزير الخارجية بنبرة في غاية القوة قائلا إن أزمة الغذاء هي أشد خطرا بكثير من الإرهاب، «إذ يشعر الناس بانهدار كرامتهم كبش»، وأضاف «قضايا الجوع والبقاء وسبل المعيشة أضحت من القضايا الملتهبة المطروحة على المجتمع الدولي».

وربما كان من المغري أن ندع الأسواق تعمل عملها السحري. فكلما ارتفعت الأسعار، ارتفع معها العرض، كما يُعتقد عموما. ولكننا نحيا في عالم حقيقي، وليس في عالم النظريات الاقتصادية. ففي منطقة الوادي المتصدّع الكينية التي تعتبر سلة غذاء شرق إفريقيا، لا يزرع المزارعون سوى ثلث ما زرعوه في العام الماضي. ترى ما مرد ذلك مع أن المرء يعتقد أن ارتفاع الأسعار كان من شأنه أن يحذو بهم إلى زراعة مساحات أكبر؟ والجواب هو أنهم لا يستطيعون شراء الأسمدة التي ارتفعت أسعارها أيضا ارتفاعا مهولا.

ونلمس الشيء نفسه في مالي وفي لاو وفي إثيوبيا. وذلك ما ينذر بوقوع كارثة.

وفي بداية هذا الأسبوع، اجتمع بإيعاز مني في بيرن الرؤساء التنفيذيون لوكالات الأمم المتحدة ومنظمات المعونة المتعددة الأطراف والمنظمات الإنمائية الرائدة. واتفقنا هناك على خطة عمل عاجلة.

والضرورة الحتمية الأولى هي إطعام الجياع. وها هو برنامج الأغذية العالمي يقدم المساعدة إلى 73 مليون نسمة. غير أن تحقيق ذلك يستلزم توفير 755 مليون دولار إضافي لتغطية زيادة كلفه فحسب. وقد تم التعهد بالتبرع بما يناهز 475 مليون دولار. غير أن الوعود لا تسد رمق الجياع، ولم يتبق لدى الوكالة سوى 18 مليون دولار.

وليس بوسعنا البقاء حبيسي الأزمة. فلضمان قوت الغد، يجب علينا أن نعمل اليوم على مد صغار المزارعين بما هم في حاجة إليه من دعم من أجل تحسين محاصيلهم المقبلة. ولذلك دعت منظمة الأغذية والزراعة إلى توفير 1.7 بليون دولار لدعم مبادرة عاجلة ترمي إلى إمداد البلدان المنخفضة الدخل بالبذور والأسمدة وغير ذلك من المدخلات الزراعية اللازمة لإعطاء دفعة للإنتاج. وسيتيح الصندوق الدولي للتنمية الزراعية 200 مليون دولار للمزارعين الفقراء في أشد البلدان تأثرا. ثم إن البنك الدولي بصدد النظر لهذا الغرض في إنشاء مرفق عالمي لمواجهة الأزمة.

ولأجل تنسيق هذه الأعمال، سأشكل برئاستي فرقة عمل للأمم المتحدة معنية بأزمة الغذاء العالمية. ولن أدع بابا إلا طرقته من أجل حشد الإرادة السياسية خلال اجتماع مجموعة البلدان الثمانية المزمع عقده في يوليو/ تموز في اليابان وخلال المؤتمر الرفيع المستوى لمنظمة الأغذية والزراعة بشأن الأمن الغذائي المقرر عقده في روما في أوائل يونيو/ حزيران.

وفي مقدورنا أن نعالج هذه الأزمة. فلدينا الموارد لتحقيق ذلك. وندرك ما يتعين علينا أن نقوم به. وينبغي لنا ألا نعتبر هذه الأزمة مشكلة فحسب، بل أيضا فرصة متاحة أمامنا.

إنها فرصة هائلة لمعالجة الأسباب الجذرية لمشكلات الكثير من أفقر سكان العالم الذين يعمل 70 في المئة منهم مزارعون صغار. فلو ساعدناهم، وعرضنا عليهم العون ومزيجا مناسبا من السياسات المحلية والدولية السليمة، فسنتوصل إلى الحل.

وخلال رحلتي في غرب إفريقيا، لمست دوافع وجيهة للشعور بالتفاؤل. ففي بوركينا فاسو، شاهدت حكومة تعمل من أجل استيراد بذور مقاومة للجفاف وإدارة إمدادات المياه النادرة بشكل أفضل، بمساعدة دول مثل البرازيل.

وفي كوت ديفوار، زرنا تعاونية نسائية تدير مزرعة للدواجن أنشئت بأموال الأمم المتحدة. ويدر المشروع الدخل والغذاء على سكان القرية بطريقة تسهل محاكاتها. وفي مكان آخر، رأيت مجموعة أخرى من النساء تعمل على توسيع نطاق إنتاجها الزراعي المحلي شيئا فشيئا بمساعدة الأمم المتحدة. وستتمكن قريبا من الاستعاضة عن إمدادات برنامج الأغذية العالمي من الأرز بمحاصيلها المزروعة محليا، بما يكفي لتغطية احتياجات برنامج التغذية المدرسية الخاص بها.

وتلك حلول محلية وشعبية لمشكلات محلية، وهي حلول من النوع الذي تحتاجه بالتحديد إفريقيا.

وفي زيارة قمت بها إلى مدرسة ابتدائية في طور البناء في واغادوغو، حكيت للأطفال كيف نشأت، حيث لا جدران، وإنما أرضية ترابية للجلوس عليها. وحكيت لهم كيف عانيت من الجوع صبيا، وكان القوت يكاد لا يسد الرمق، وكيف كان أجدادي وغيرهم من المسنين يفتشون في النفايات عن الطعام، ولا يكاد الرضع يحصلون على ما يكفي من القوت لنموهم.

أتذكر تلك المشاهد في رحلتي عبر إفريقيا، وأتأمل في الموارد الغزيرة التي تتمتع بها هذه القارة وفي قوة وشجاعة أهلها التي بدت لي جد واضحة في المدن التي زرتها. فإذا كان بلدي قد نجح في أن يتعافى من الصدمة ليصير إحدى القوى الاقتصادية، فإني أعلم أن إفريقيا بوسعها أن تفعل كذلك.

إن كل ما يلزم هو تقديم المساعدة. ويمكننا أن نبدأ باتخاذ الخطوات الصعبة في سبيل معالجة أزمة الغذاء معالجة حاسمة.

إقرأ أيضا لـ "بان كي مون"

العدد 2066 - الجمعة 02 مايو 2008م الموافق 25 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً