العدد 2075 - الأحد 11 مايو 2008م الموافق 05 جمادى الأولى 1429هـ

السعيدي باعتباره خطرا

عبدالله الميرزا abdulla.almeerza [at] alwasatnews.com

عندما كتبت قبل نحو أسبوعين عن النائب السعيدي «بصفته ظاهرة»، قلت إن النائب في كل ما يمثله من مشاكسة إعلامية يشكل ظاهرة. والظاهرة إما أن تكون صحية فيدعمها وينجحها المجتمع أو خاطئة بعض الشيء فتُعالَج وتُقوَّم، وإما أن يشكل وجودها خطرا محدقا فتكون جديرة بالمكافحة والاستئصال. فكانت أول الردود التي جاءت منذ الصباح الباكر على موقع «الوسط» تقول: «نعم الشيخ جاسم السعيدي ظاهرة صحية وبحسب منظورها تنافح عن الحق وله كل الحرية عن التعبير. فلماذا لم نقارع الحجة بالحجة؟».

بغض النظر عن بقية الردود التي صنفت غالبيتها النائب في خانة «الخطر» على الوطن، فإن الرد الأول وإن بدا طبيعيا كونه يتحدث عن المحيط الذي ينطلق منه النائب بنبرة دفاعية وهذا من حقه وخصوصا انه استند إلى حرية التعبير، إلا أنه اكتنف في داخله جزئية مثيرة أوحت إلى أنه يدور أيضا في حلقة الردود «المخابراتية» المشهورة التي فرغت من مداخلاتها على منتديات «بحرين أون لاين» وغيرها وباتت تترصد لكل مقال صحافي يحمل بعض جرأة، بعد أن يئست من التأثير. فالمثير أن كاتب الرد لم ينته إلى تلك النتيجة ببساطة، وإنما ختم رده بنبرة تهديد حملت أنفاس عصر «أمن الدولة» بقوله: «ومن ضمن سياقك في الخطاب ذكرت استئصاله. هل تعني يجب تصفيته؟ لا أعتقد بأنك تقصد ذلك. يمكن تريد تحجيمه أو تريد التخلص منه ولكن ليس تصفيته. يمكن فهمي خاطئ وأتمنى ذلك، وإلا ستكون المتهم الأول لو حدث لا قدر الله له شيء».

هذا النوع من الردود التلفيقية بات متكررا وملحوظا على عدة مقالات مشهود لها بالجرأة في كشف مواطن الفتنة التي تحاك بالبحرين العزيزة عبر عدة صحف، ولم أشأ أن أدير له طرفا حينها أبدا، غير أن ما استدعى أساسا التطرق إليه، هو استمرار الظاهرة التي تحدثنا عنها، وتفاقم أساليب التأجيج والشحن الطائفي مقابل سكوت مطبق من قبل السلطة، المعنية الأولى بـ«استئصال» الظواهر الخطيرة من مواقعها المؤثرة، وإن خرجت باسم الانتخاب الشعبي المشكوك في سلامته أصلا.

لماذا السعيدي؟

يعتقد البعض أن النائب السعيدي أصبح مادة دسمة لكل كاتب يريد أن يستقطب المزيد من القراء، وهذا تبرير قائم في حد ذاته للسؤال عما يجذب الناس إلى الحديث عن النائب «الظاهرة»، وإن لم يكن مسوغا مهنيا للهث وراء اسمه وإعطائه ما يزيد عن حجمه. ولكن من المهم جدا تحديد ملامح النظرية التي يعتمد عليها في خطاباته، وفرز ما ينفع وما يضر فيها.

بلا شك أن هناك كثيرين يشتركون مع السعيدي في غالبية ما يطرحه من إثارات لا تكاد تتوقف أسبوعا واحدا. ولكن ما لا يشترك فيه هؤلاء مع النائب هو الاستعداد للخروج في الصورة، والوقوف أمام فوهة المدفع مستندين إلى حائط صدٍّ صلب بمعاضدة رسمية أو شبه رسمية.

النظرية التي تقوم على الطعن الأعمى في شريك المواطنة، وإسقاط كل حدود الأخوّة والترابط الاجتماعي في لغة (شوارعية) لا تقيم للمستقبل الواحد وزنا، لابد لها من وقفة جادة من قبل جميع أبناء البحرين قبل استفحالها. فلا أهل السنة والجماعة الذين يجمعهم ملح الحياة بإخوتهم الشيعة يرضون بهذا الاستدراج المشين نحو التصادم، ولا الشيعة أنفسهم يقبلون بهذا التخوين والطعن المستمر من دون مساعٍ ملحوظة لوقف هذه «البواريد» الطائفية، ولا الحكومة مستعدة لتحمل تبعات حرب أهلية.

جلالة الملك... شكرا

«يد أبناء الشعب دائما ممدودة وترد التحية إليك»، هذا جزء من كلمة النائب الشيخ حسن سلطان التي وجهها لعاهل البلاد خلال مهرجان عرس «الغربية» الجماعي الذي اتهمه السعيدي بالتمويل الإيراني. خطاب سلطان حمل مدلولات إيجابية كان من المفترض أن تحرج السعيدي وتجعله يتدارك الأمر، غير أن هذا لن يحدث أبدا كما نتوقع.

بين منهجية جلالة الملك الإصلاحية التي تترفع على الاختلافات السياسية وتتعامل بأبوية مع جميع أطياف الشعب، ونظرية السعيدي الموغلة في الاستفزاز الطائفي بون شاسع. وبقاء السعيدي مسكوتا عنه يشكل إحراجا كبيرا للبحرين. وإذا كان ثمة احترام لولاة الأمر يدعيه السعيدي فعليه أن يبديه في هذا الجانب الحساس جدا، وإلا فإننا لا نريد بطلا بحرينيا يشعل نيران الحرب بين الأحبة ثم يختبئ في عقر داره أمام تساقط القتلى وسيل الدماء... عفوا، لن أستطرد أكثر، فربما يتهمني أحد ردود «الكيبورد» مبكرا بتحمل تبعات الحرب الأهلية لو حدثت في البحرين لا قدر الله!

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"

العدد 2075 - الأحد 11 مايو 2008م الموافق 05 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً