العدد 2077 - الثلثاء 13 مايو 2008م الموافق 07 جمادى الأولى 1429هـ

قوات الردع العربية

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إن أفضل ما يمكن أن يفعله الوفد العربي إلى لبنان، هو أن يعمل على نزع فتيل الفتنة الطائفية بين المسلمين، ووضع الخلاف في إطاره السياسي وليس المذهبي، وخصوصا بعد أن نأى المسيحيون بأنفسهم ومناطقهم عن الفتنة.

الوضع اللبناني لم يعد شأنا داخليا، إذ أخذ يبعث بشرره على المنطقة، ولو استطاع الوفد أن يحصر المسألة عربيا لكان أفضل من انتقالها إلى التدويل لتتلاقفها أيدي الدول الكبرى.

الأفق لا يبعث على الأمل حتى الآن، فما تسرّب من كواليس اجتماع وزراء الخارجية بالقاهرة، كشف عن خلافات كبيرة ومشاحنات بين مندوبي الدول العربية الفاعلة. ففي الاجتماع المغلق الذي استمر عشر ساعات، رفض المندوب اللبناني مثلا الاقتراح اليمني بأن يرأس قائد الجيش العماد ميشال سليمان الحوار، «لأنه مجرد موظف في الحكومة»، وذلك على خلفية عدم انصياعه لأوامر الفريق الحاكم بالصدام مع المعارضة.

على أن أسخن السجالات نتجت عن مطالبة أحد المندوبين يإصدار بيان ضد قوى المعارضة اللبنانية، وضرورة دعم حكومة السنيورة وشكرها على «صمودها»، ولو تطلّب الأمر إنشاء قوةٍ عربيةٍ تتولّى الانتشار سريعا في لبنان وتعيد إليه الأمن. وهو ما رآه الطرف الآخر موقفا منحازا وتدخلا مريبا في «شأن داخلي»، وخصوصا أنه لم يحرّك ساكنا يوم كانت «إسرائيل تقصف لبنان من دون توقّف لمدة 33 يوما في حرب تموز». وأضاف «هل تريد من العرب أن يرسلوا قوات إلى لبنان لمقاتلة غالبية اللبنانيين دفاعا عن الجاسوس والعميل الإسرائيلي سمير جعجع»؟

اقتراح إرسال قوات عربية إلى لبنان ربما جاء في لحظةٍ عاطفية حماسية، ربما استلهاما من التجربة السابقة في العام 1976، ولكنه يبقي حلما مشروعا مهما بدا غريبا أو خارجا عن المألوف.

ففي ذلك العام، ومع احتدام الخلافات الداخلية بين اللبنانيين والفلسطينيين، وعلى خلفية فتنة مسيحية إسلامية آنذاك، طلب لبنان رسميا النجدة من الدول العربية، فهبّت إلى تشكيل «قوات الردع العربية»، بمشاركة المغرب والسعودية واليمن والسودان والإمارات وسورية و... حتى الصومال. لكن لم يطل المقام ببعثات الدول التي لم تخض في حياتها حروبا، فمع أول زخّات الرصاص، بدأت بحزم أمتعتها للعودة إلى بلادها سالمة غانمة، و «يادار ما دخلك شر»، ولم يبقَ إلاّ السوريون، الذين كان لهم مشروع واضح في لبنان. وهكذا تحوّلت «قوات الردع العربية» إلى «القوات العربية السورية العاملة في لبنان»، لتبقى ثلاثين عاما بالتمام والكمال!

والسؤال... بل الأسئلة: هل الاقتراح عملي أم أقرب للتمنيات؟ هل العالم العربي قادرٌ فعلا على ذلك؟ وكم دولة عربية مستعدة اليوم لإرسال قواتها إلى لبنان؟ ولردع مَنْ هذه المرة؟ وألم يكشف الاجتماع الأخير أنهم بالنسبة للشأن اللبناني مختلفون على كل شيء، من الموقف من المقاومة إلى الموقف من الحكومة؟ وإذا كان الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى عجز خلال الأشهر الأخيرة عن جمع الفرقاء حول طاولة واحدة، فهل سيتمكن من جمعهم بعد الذي كان؟

إن أفضل ما يمكن أن يُسجّل للوفد في التاريخ، ليس إرسال قوات ردع، وإنما كشف الحقيقة للعالم العربي، بأن ما يجري خلافٌ سياسيٌ بين قوى وأحزاب لبنانية، وليس قتالا طائفيا بين مذاهب المسلمين.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2077 - الثلثاء 13 مايو 2008م الموافق 07 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً