العدد 2298 - السبت 20 ديسمبر 2008م الموافق 21 ذي الحجة 1429هـ

لبنان بين وولش وهيل

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

إعلان وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس قبول استقالة مساعدها المكلف بمتابعة شئون الشرق الأوسط ديفيد وولش قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس جورج بوش طرح أسئلة بشأن خطوة كان بالإمكان تأجيلها بضعة أسابيع. لماذا اتخذ وولش هذا القرار في الوقت الضائع وقبل شهر من إجراء الترتيبات الأخيرة لعملية التسلم والتسليم؟ فالخطوة فعلا مستغربة وخصوصا أن وولش يتابع ملفات خطيرة ومهمة تتصل بالمسارات الفلسطينية والسورية واللبنانية. وولش أيضا يتمتع بهامش من حرية الحركة والاتصالات يصل شعاعها الجغرافي إلى ليبيا غربا والعراق شرقا.

المسألة إذا تحتاج إلى قراءة لأنها تتجاوز احتمال تهرب وولش من تحمل مسئولية ملفات اشتهر بمتابعتها منذ تعيينه في العام 2005. واستبعاد احتمال التهرب يعزز فرضية وجود خلافات في الخارجية الأميركية بشأن التعامل مع الملفات الحساسة والساخنة وخصوصا بعد بروز دور ديفيد هيل وتكليفه بمهمات أو إجراء اتصالات مع القوى المعنية بالتطورات الإقليمية في منطقة «الشرق الأوسط». ومصادفة استقالة وولش مع بدء جولة هيل على المنطقة واتصالاته مع المسئولين اللبنانيين وضع «الإصبع على الجرح». فالمصادفة بين الاستقالة والجولة تشير إلى وجود خلافات في الخارجية الأميركية بشأن ترتيب الملفات ضمن جدول أولويات يختلف عن السابق.

اختلاف رؤية هيل عن وولش وتفضيل الخارجية الأول على الثاني قد تكون من الأسباب التي دفعت الثاني للاستقالة عشية بدء الأول زيارته المكوكية إلى لبنان. فالملف اللبناني يعتبر من النقاط الحساسة في السياسة الأميركية في الفترة التي كلف وولش بمتابعته منذ العام 2005 وصاعدا. وبسبب هذا الملف الذي شهد تقلبات عنيفة منذ اغتيال رفيق الحريري والانسحاب السوري والعدوان الإسرائيلي وتشكل استقطابات سياسية - مذهبية تجاذبت الساحة اللبنانية بين «8 و14 آذار» تميز وولش بوجهة نظر خضعت لقراءات لم تتوضح صورتها حتى الآن.

ما عرف عن وولش أنه كان شديد التكتم على نتائج جولاته وزياراته اللبنانية. فهو يتصل بكل الأطراف ولكنه كان يفضل أن تكون اللقاءات التي يعقدها غير موسعة حتى لو اشتملت على صنف واحد. وولش كان يرى أن كل صنف من «8 و14 آذار» يشتمل على ألوان واختلاط من طوائف ومذاهب ومناطق لذلك اختار سياسة تفرقة الألوان ضمن الصنف الواحد. مثلا كان يلتقي الجنرال ميشال عون من دون حضور الألوان الأخرى من «8 آذار». وكان يلتقي المجموعة المسيحية على انفراد من دون حضور المجموعة المسلمة من «14 آذار». وأدى التوزيع اللوني (المذهبي والطائفي) بين فرقاء الصف السياسي الواحد إلى طرح أسئلة بشأن السياسة الأميركية في لبنان. ومن ضمن تلك الأسئلة التي تداولتها القوى المحلية من وراء الكواليس كانت فكرة الفيديرالية (كانتونات طائفية مناطقية) توزع مواقع النفوذ بين المذاهب. وأيضا تم تداول فكرة أمن المناطق المسيحية فقط وحمايتها من غزوات أو اجتياحات ميليشاوية من طوائف ومذاهب أخرى.

هذه الفرضيات والتأويلات طرحت خفية بعد كل جولة أو زيارة كان يقوم بها وولش إلى لبنان. فالحرص على عقد اجتماعات غير موسعة ومفصلة بحسب الطوائف والمذاهب والمناطق أعطت ذريعة للتفسيرات التي تشير إلى وجود خطة مشروع أميركي للكيان اللبناني تخالف تلك التصريحات المعلنة التي تبدي حرصها على وحدة لبنان وسيادته واستقلاله.

حين وقعت هجمات 7 مايو/ أيار الماضي التي اقتصرت على المناطق الإسلامية ارتفعت من وراء الكواليس مجموعة تحليلات تشير إلى ضمانات قدمها وولش بعدم تعرض المناطق المسيحية إلى أفعال مشابهة. فكرة وولش عن تحييد الأقضية المسيحية وحمايتها أمنيا أثارت مخاوف لبنانية من وجود خطة أميركية لتشطير الكيان وتوزيعه إلى كانتونات (فيديراليات مناطق وطوائف) كما هو الحال الحاصل في العراق. وهذا ما ظهر لاحقا في حوادث متواصلة ضربت استقرار طرابلس والشمال وبعض البقاع وبيروت والجنوب وصولا إلى صعود دعوات تطالب باللامركزية الإدارية وعزل المناطق أمنيا واقتصاديا عن بعضها في حال فشل رئيس الجمهورية في تحديد معالم إستراتيجية الدفاع بين الدولة والمقاومة.

استقالة وولش

استقالة وولش قبل انتهاء ولاية بوش بشهر أعاد التذكير بتلك التساؤلات التي كانت تترافق مع كل جولة زيارات يقوم بها لبلاد الأرز. واستبدال وولش بهيل الذي يختلف معه في أسلوب التعامل مع تفصيلات الملف اللبناني جدد طرح الأسئلة بشأن السياسة الأميركية في المرحلة الانتقالية وما ستتركه من مخلفات للعهد المقبل. فهل تعديل الوجه إشارة سريعة إلى وجود تبديل في توجه الخارجية الأميركية في الوقت الضائع؟ وهل هيل سيواصل سياسة وولش ويستمر في تقديم الضمانات الأمنية للمناطق المسيحية تاركا المناطق المسلمة تدبر أمرها بنفسها أم أنه سيدفع المسألة باتجاه تغييرات تخالف التوجهات الأميركية السابقة؟ المنطق يرجح أن الثوابت في السياسة الخارجية لا تتبدل في أسابيع اللحظات الأخيرة. ولكن احتمال ظهور مستجدات غير منطقية على الصورة مسألة غير مستبعدة وخصوصا أن إدارة باراك أوباما تتجه نحو وضع المسار السوري قبل المسار الفلسطيني كذلك وضع المسار الإيراني فوق المسار العراقي. أولوية المسارين السوري - الإيراني يفتح الملفات في «الشرق الأوسط» على تعديلات ترجح احتمال حصول اختلاط في أوراق التحالفات الأميركية تحت سقف التدويل. ومسارعة مجلس الأمن إلى إصدار سلسلة قرارات دولية قبل نهاية عهد بوش تشير إلى نوع من التوافق على وضع ضوابط ودفتر شروط تحدد الإطار العام لقواعد اللعبة في فلسطين ولبنان والعراق وصولا إلى أفغانستان والصومال والسودان.

استقالة وولش خلال بدء هيل زيارته إلى لبنان قد تكون مصادفة أو رسالة اعتراض تحتج على وزيرة الخارجية وإقدامها على تكليف بديل عنه لملاحقة ملف تابعه منذ العام 2005. واللافت في الموضوع أن هيل أطلق تصريحات وعقد لقاءات صحافية قبل يوم من بدء جولته اللبنانية طرح فيها مجموعة أفكار تستحق القراءة لكونها تعطي صورة عن ملامح خريطة طريق محتمل ظهورها في المستقبل القريب. هيل مثلا أشار إلى تسليح سورية وإيران لحزب الله معتبرا أنه يخالف القرار 1701 ومحذرا من أن التسليح يعطي ذريعة لحكومة «إسرائيل» بافتعال مواجهة جديدة قد تتطور «إلى صدام وعنف». وهيل أيضا لم يمانع تسليح الجيش اللبناني وتنويع مصادر قوته لأنها تساعده على ضبط المخاطر الداخلية كما حصل في مواجهات «مخيم نهر البارد».

إلا أن المهم في تصريحات هيل تتركز في رؤية واشنطن لموقع سورية ودورها، فهو أشار إلى تمتع دمشق بتأثيرات على مجموعة ملفات منها الملف اللبناني. وكلام هيل عن دور سورية الإقليمي وتأثيرها على ملفات العراق وفلسطين واتصالاتها بإيران و«حماس» وحزب الله يؤشر إلى وجود توجه أميركي للتعاطي مع دمشق من زاوية أوسع تتجاوز الساحة اللبنانية. وبكلام هيل أن لبنان زاوية من أربع زوايا وهو لا يختصر العلاقة السورية - الأميركية. وهذا الأمر ليس احتمالا وإنما حقيقة واقعية لم تكن غائبة عن واشنطن في أقصى اللحظات الحرجة التي مرت بها العلاقات السورية - الأميركية. فالعلاقات الثنائية لم تنقطع وهي تواصلت في أكثر من مكان وعلى صعيد مختلف الملفات حتى حين كانت تتأزم الرؤية بالشأن اللبناني. وخلاصة الأمر أن العلاقات السورية - الأميركية لن تتراجع في مرحلة هيل وما بعده وإنما ستتطور باتجاه المزيد من التبلور وخصوصا على المسارات الإقليمية الأخرى. أما لبنان ستكون حصته مضمونة في إطار صفقة إقليمية لا يعرف حتى الآن إذا كانت ستعقد من دون حرب مع «إسرائيل»، أو سيعاد طبخها وإنتاجها بعد الحرب. وفي الحالين تبدو الخطوات سائرة باتجاه اعتبار بلاد الأرز ساحة غير مستقلة عن المحيط الجواري ولابد من إعادة ترتيبها داخليا ضمن منظومة علاقات إقليمية تلقى من أميركا رعاية دولية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2298 - السبت 20 ديسمبر 2008م الموافق 21 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً