أجرت صحيفة «Japan Times» حوارا مطولا مع رئيس الوزراء سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة حوارا صحافيا تناول الشأن المحلي والإقليمي والدولي. وهذا نص المقابلة:
*نريد أن نتعرف على رأي سموكم فيما يتعلق بأهم وابرز نقاط الالتقاء والتلاقي بين مملكة البحرين واليابان؟ وعن مستوى العلاقات الراهنة بين البلدين وما هي الطموحات المستقبلية لتوطيد العلاقات بين البلدين؟
- أغتنم هذه الفرصة لأرحب بكم أجمل ترحيب وانه من دواعي سروري أن أتحدث إليكم لاستعرض معكم خطوات مملكة البحرين وهي في طريقها لاستكمال أهدافها المرسومة وجهودها المتواصلة رائدها في ذلك الثقة بالنفس و الأمل في المستقبل.
كما انني اغتنم هذه الفرصة لأعبر من خلال صحافتكم عن تقديرنا لقيادتكم وشعبكم وبلدكم العظيم الذي كان ولا يزال منارا للتقدم والنمو وإعجابنا بالأسلوب الفذ التي تسير عليه بلادكم التي تعتبر مثالا للتقدم في العالم متمنيا أن يشهد التعاون بين البحرين واليابان المزيد من النمو والازدهار.
وربما شاهدتم منذ وصولكم إلى البحرين ولقاؤكم مع عدد كبير من الفعاليات السياسية و الاقتصادية كم هي الانجازات التي تحققت، وأتمنى أن يتسع وقتكم للاطلاع على المزيد من هذه الانجازات، فاليابان التي تمثلون أنتم إحدى روافدها الصحافية البارزة علاقتنا بها قوية وهي دولة صديقة ونرتبط بها منذ عقود طويلة وما نسعى إليه هو مد يد التعاون للإسهام معنا بكل ما تتيحه الإمكانيات في تحقيق غايتنا التنموية وهناك حرص من الجانبين على تنامي هذه العلاقات.
أما الحديث عن علاقات البحرين مع اليابان فهو تاريخ طويل من العلاقات المتميزة يمتد لأكثر من سبعين عاما، فالبلدان يشتركان في خصائص جمة، حيث طبيعة الجزر التي تتشكل منها أراضي البلدين، والتي تضفي خصوصية على علاقتهمـا، ويزيد من هذه الخصوصية تشابه التجربة التنموية في البلدين، اذ تسير البحرين على خطى اليابان التنموية من أجل تحقيق معدلات عالية من النمو، من خلال استثمار كل الموارد المتاحة، وتعزيز موقعها كوجهة جاذبة للاستثمار، وتبوء مكانتها كبوابة اقتصادية يمكن من خلالها الولوج إلى كل أسواق المنطقة.
وتنتمي كل من البحرين واليابان إلى ثقافتين إنسانيتين عريقتين وقد ازدادت علاقات البلدين عمقا واتساعا في العقود الأخيرة مع تطور وسائل النقل والتبادل التجاري، فضلا عن أن العلاقات بين البلدين تستند إلى قاعدة قوية من التعاون والاحترام والرغبة في سيادة الاستقرار والسلام والحرية في العالم كأهداف رئيسية لرفع مستوى رفاهية الشعوب.
وترتبط مملكة البحرين واليابان بعلاقات وثيقة على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية، اذ ترجع العلاقات التي تربط بين البلدين إلى العام 1934 والذي شهد إرسال أول شحنة نفط بحرينية إلى اليابان عقب اكتشاف النفط في البحرين سنة 1932م إلا أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لم تبدأ إلا العام 1972م، ليتم بعد ذلك افتتاح مكتب ارتباط للسفارة اليابانية في البحرين حيث وصل أول سفير ياباني إلى البحرين كما تم اعتماد أول سفير للبحرين في طوكيو في نوفمبر/ تشرين الثاني 2005م.
وعلى الصعيد السياسي تتميز علاقات مملكة البحرين واليابان بتقارب الرؤى والأفكار عن القضايا الدولية المختلفة، ويؤكدان دوما على أهمية الحفاظ على السلم والأمن الدوليين ، كما يحرص البلدان على تطوير علاقاتهما السياسية بشكل دائم من خلال تبادل الزيارات بين قيادات البلدين على كافة المستويات من أجل تعزيز وتوثيق تعاونهما في مختلف المجالات ، والتي كان أخرها الزيارة التي قام بها وزير خارجيتنا الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة في شهر فبراير/ شباط 2008م .
واقتصاديا، تحتل اليابان المركز الثالث من حيث حجم التبادل التجاري مع البحرين بعد الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين مملكة البحرين واليابان بليون دولار أمريكي خلال عام 2007م تركز بشكل أساسي في قطاعات البتروكيماويات والسيارات والإنشاءات والتدريب وغيرها.
وتتنوع مجالات التعاون الاقتصادية بين البلدين وتمتد لتشمل العديد من المشروعات الاستثمارية الحيوية الضخمة في مجالات الطاقة والصناعات التحويلية حيث تعمل في مملكة البحرين أكثر من 12 شركة يابانية في مجالات متنوعة.
ويسعى البلدان إلى تعزيز تعاونهما الاقتصادية من خلال الدخول في مفاوضات لإبرام اتفاقية تجارة حرة بينهما يؤمل أن تشكل نقلة نوعية في مجال التعاون الاقتصادي تضاعف من مكاسب التعاون الاقتصادي المشترك، وفي الوقت الحاضر فإن هناك رؤية مشتركة لدى البلدين من أجل دفع آفاق التعاون إلى مجالات أرحب وأشمل لاسيما بعد الإعلان عن إنشاء جمعية الصداقة البحرينية - اليابانية.
*ما مدى بعد رؤيتكم لبحرين المستقبل؟ وما مدى رؤية سموكم الاستشرافية للنتائج المتوقعة من مشروعات استثمار حكومتكم المستمر والمتواصل في الموارد البشرية في مملكة البحرين
- تعتبر مملكة البحرين أن ثروتها الحقيقية هي الإنسان، فالإنسان هو ضمانة المستقبل بالنسبة للبحرين وأساس نهضتها، وهو ما يؤكده على الدوام ملك البلاد، وتبذل البحرين في هذا الإطار جهودها من أجل تعزيز رفاهية مواطنيها ورفع مستوى معيشتهم، من خلال تطبيق رؤيتها الثابتة بأهمية الاستثمار في المستقبل وفق برنامج عمل وطني متكامل يقوم على الاستثمار في المواطن تعليما وتدريبا.
فقد وضع عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة – حفظة الله - منذ توليه مقاليد الحكم النواة التي جرى التحرك من خلالها للعمل على تطبيق برامج مستحدثة من شأنها إصلاح سوق العمل وضمان العدالة الاجتماعية وصيانة حقوق الإنسان وسيادة القانون.
وقد حازت تجربة مملكة البحرين في مجال التنمية البشرية على إعجاب العالم نظرا للمكانة المتقدمة التي احتلتها في ترتيب الدول صاحبة الإنجازات الملموسة في هذا المجال، كما أنها استطاعت المحافظة على هذه المكانة بصدارتها لترتيب الدول العربية كافة لعدة سنوات متتالية وفقا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومازالت مستمرة في جهودها التي تتخذ من الإنسان محورا وهدفا لعمليات التنمية.
*هل يمكن لنا أن نتعرف من سموكم على بعض مواطن القوة ومواطن الضعف إن وجدت في الاقتصاد البحريني ؟ وما هي الفرص الاستثمارية المتاحة حاليا في البحرين والتي قد تميز بلادكم عن غيرها؟ وما هي أيضا التحديات التي تتوقعونها؟
- تعد مملكة البحرين أكثر الاقتصادات الخليجية تنوعا، بنسبة نمو متوقعة تصل إلى 6,2 في المئة للعام 2007م، فضلا عن النتائج الإيجابية التي حققها الاقتصاد البحريني خلال الخمس سنوات الأخيرة.
وتتمتع البحرين بميزة نسبية في مجال جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة نمت بنسبة 38% إلى 4ر11مليار دولار بنهاية عام 2006 وفقا لتقرير /الاستثمار العالمي 2007م/ الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (اونكتاد)، كما تحتل مملكة البحرين مرتبة متقدمة عربيا من حيث تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إليها.
وتعد البحرين مؤهلة لاستقطاب المزيد من الاستثمارات لاسيما في ضوء احتلالها المرتبة الـ 11 عالميا فيما يخص الجاذبية للاستثمارات الأجنبية المباشرة متقدمة 12 مرتبة في غضون سنة واحدة كما تحتل المرتبة الـ 32 عالميا من حيث مؤشر /الأداء المحتمل لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وفقا لتقرير اونكتاد واستنادا إلى أوضاعها وسياساتها الاقتصادية.
وتمتلك مملكة البحرين خطط طموحة لتكريس ومضاعفة وتيرة التقدم الاقتصادي من خلال الاستمرار في تقديم المزيد من الحوافز للمستثمرين والتركيز على الصناعات التحويلية التي تعطي قيمة مضافة للاقتصاد الوطني وتصب في اتجاه تنويع مصادر الدخل، كما تلتزم البحرين بتطبيق مبدأ الحرية الاقتصادية كخيار استراتيجي.
ان العالم يعيش اليوم اندماجا كونيا وإن التجارة و الاقتصاد هما المحرك لهذا الاندماج مما أوجد تدفقا غير محدود من السلع و رؤوس الأموال و الاستثمارات و المعلومات بين دول العالم، كما إننا ملتزمون بأهدافنا الإنمائية وندعم التزامنا عبر تخطيط واضح باتجاه استثماره في التنمية البشرية.
وفي الرؤية المستقبلية، نطمح إلى تحويل بحرين المستقبل إلى مركز لإدارة الثروات والتكنولوجيا والأفكار الجديدة ، لاسيما وأن الفرص التي يطرحها الاقتصاد الوطني متعددة ومتميزة في ظل مناخ ملائم للأعمال والاستثمار يعتمد على إطلاق المبادرة الفردية وإعطاء القطاع الخاص المزيد من الحرية والامتيازات، في حين تضطلع الحكومة بدورها الأساسي في تهيئة البيئة التنظيمية والتشريعية ، وإزالة العوائق .
ونحن على يقين من أن أي هدف طموح قابل للانجاز متى ما توفرت العزيمة و الإرادة القوية.
*الحديث يدور الآن عن إقامة منطقة تبادل تجاري حر بين دول مجلس التعاون للخليج العربي واليابان. برأي سموكم ما هي الجدوى من ذلك؟
- تشكل اتفاقيات التجارة الحرة بشكل عام فرصة لاستفادة كافة أطرافها عبر الدخول في مشروعات مشتركة في الدول الأطراف وزيادة التبادل التجاري دون قيود جمركية وفتح مجالات أوسع للتعاون المشترك، والاستفادة من الخبرات، وتتميز منطقة الخليج بصفة عامة بأنها من أكثر المناطق الجاذبة للاستثمارات نظرا لتوافر عوامل المناخ الاستثماري وموارد الطاقة المتنوعة، إضافة إلى السوق الكبيرة التي تضم كافة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، فضلا عن دول مجلس التعاون قطعت شوطا كبيرا في طريق تحقيق التكامل الاقتصادي توجت مؤخرا بإعلان قيام السوق الخليجية المشتركة في يناير 2008م، ما يعني توافر ميزه أخرى للتعامل مع شريك اقتصادي بهذا الحجم .
ولا شك أن ما يحكم معادلة إقامة منطقة تجارة حرة بين اليابان ودول مجلس التعاون هو ذلك الرصيد المتجدد من المصالح المشـتركة والثقة المتبادلة بين الجانبين ، اذ تستورد اليابان ما يعادل 90 في المئة من واردات النفطية من منطقة الخليج ، وهو ما يعني عمليا اعتمادها بشكل أساسي على موارد المنطقة النفطية لتحريك عجلة التنمية الاقتصــادية والصناعية وتأمين احتياجاتها من الطاقة ، وكذلك الحال بالنسبة إلى دول المنطقة التي تشكل وارداتها نسبة كبيرة من الصادرات اليابانية وأغلبها من الواردات الصناعية والتكنولوجية.
لذلك من الطبيعي أن تعمل كل من اليابان ودول الخليج على تأسيس علاقة شراكة فيما بينها ومما لا شك فيه أن النفط يشكل عاملا رئيسيا في تحديد ملامح الشراكة بين الطرفين لكنه ليس العامل الوحيد فهناك مجالات عديدة للتعاون الصناعي والتجاري والمصرفي .
*هل يمكن لسموكم أن تلخصوا لنا فوائد الاستثمار الأجنبي في البحرين وما يمكن أن تجنيه الشركات العالمية من أرباح ومكاسب في البحرين؟
- ترجع الطفرة الاقتصادية غير المسبوقة في الاقتصاد البحريني إلى التسهيلات الكبيرة التي منحتها مملكة البحرين للمستثمرين، مما جعل منها محط أنظار الشركات والمؤسسات العالمية في مختلف المجالات ودفعها للسعي باتجاه التواجد في مملكة البحرين للاستفادة من هذا الرواج الاقتصادي لتنمية وتنويع أعمالها وأنشطتها، ويلاحظ ذلك بشكل خاص في القطاع المالي والمصرفي حيث حققت البحرين نموا ملحوظا في هذا القطاع وباتت تحتضن أكثر من 400 مؤسسة مالية، ويعمل بها 5 الآلاف من الكوادر المؤهلة و المدربة.
ومن أهم القطاعات الأخرى، التي تتمتع في البحرين بميزة نسبية قطاع صناعة الألمنيوم والبتروكيماويات والصناعات النفطية.
وقد عمدت البحرين إلى خصخصة عدد من القطاعات والمؤسسات الحكومية بهدف تعزيز دور القطاع الخاص لإيجاد البيئة المواتية لجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية وإيجاد فرص عمل جديدة أمام المواطنين والارتقاء بمستواهم المعيشي والخدمات المقدمة لهم وفى هذا الإطار قامت المملكة بخصخصة بعض النشاطات الاقتصادية خاصة في مجال البنية التحتية ومن بينها مشروعات إنتاج الكهرباء والماء.
وتعتبر البحرين أن القدرة على طرح مبادرات خلاقة وبرامج عمل مبتكرة وتحويل التحديات إلى فرص هي عوامل أساسية لضمان جذب الاستثمارات وتحسين جودة الخدمات، ومن هذا المنطلق عملت على فتح أبوابها أمام الشركات الدولية والمستثمرين منذ فترة طويلة وقدمت تسهيلات متعددة بهدف مسايرة المناخ الاستثماري الجديد في العالم.
ومازالت البحرين تمتلك فرصا مغرية كبوابة لسوق إقليمية كبرى وبيئة جاذبة للاستثمارات خصوصا مع استقرار السياستين النقدية والمالية، وسهولة تسجيل الشركات والمشاريع الجديدة، فضلا عن السماح للأجانب بامتلاك الشركات بنسبة 100 في المئة.
*برأي سموكم بماذا تتميز مملكة البحرين عن الآخرين وما الذي يجعل منها مركزا اقتصاديا عالميا؟
- تؤمن مملكة البحرين أن رسالتها تجاه محيطها الخارجي هي الدعوة إلى السلام والوئام وتثبيت ركائز الأمن والاستقرار لتستمر عجلة التنمية في التقدم وضمان الرخاء والرفاه لشعوب المنطقة، وتلتزم في هذا الصدد بسياسة التوازن في علاقاتها الخارجية وتعمل على تطوير علاقاتها مع كافة الأقطار الصديقة في الشرق والغرب وفقا لمبادئ الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الداخلية لأي بلد.
العدد 2081 - السبت 17 مايو 2008م الموافق 11 جمادى الأولى 1429هـ