العدد 2082 - الأحد 18 مايو 2008م الموافق 12 جمادى الأولى 1429هـ

الدورة الثالثة لمنتدى التعاون العربي - الصيني

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

تعقد في مدينة المنامة عاصمة البحرين الدورة الثالثة لمنتدى التعاون العربي الصيني على مستوى وزارء خارجية جميع الدول العربية والصين وذلك من 20 - 22 مايو/ أيار 2008. ولقد أصبح هذا المنتدى هو الآلية الرئيسية للتعاون بين هاتين القوتين الصين بقوتها العسكرية والاقتصادية المتنامية والدول العربية بقوتها النفظية ووزنها السياسي والجيوبوليتكي في السياسة الدولية وقوتها المالية المتصاعدة فضلا عن ثقلها السكاني على المستوى العالمي فعدد سكانها يزيد عن ثلامئة مليون نسمة وعدد سكان الصين يزيد عن 1.3 مليار نسمة أي أن هاتين القوتين الصين والعالم العربي تمثلان ثقلا دوليا لا يستهان به ويمكن أن يكون لهما تأثير كبير إذا توحدت جهودهما واستقامت علاقتهما في إطار من التعاون والمساندة المتبادلة.

ولقد تطور هذا المنتدى من فكرة طرحت على مستوى السفراء العرب في بكين في أواخر القرن الماضي ليصبح آلية عملية حقيقية بعد أن وقع الطرفان اتفاق التعاون أثناء زيارة الرئيس الصيني لمقر جامعة الدول العربية في يناير/ كانون الثاني 2004 حيث تم عقد الدورة الأولى للمنتدى في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة في سبتمر/ أيلول 2004 والدورة الثانية في بكين في مايو 2006 وهذه هي الدورة الثالثة. والمتتبع للعلاقات الصينية العربية يلمس تطورا كبيرا في حجم التبادل التجاري الذي زاد عن 80 مليار دولار العام 2007 ويقترب من هدف الـ 100 مليارات دولار العام 210، كما زاد في الاستثمارات العربية في الصين خصوصا في مجال البتروكيماويات ومصافي النفط وزادت الاستثمارات الصينية في عدد من الدول العربية وخصوصا السودان والسعودية والإمارات واليمن وعمان، بل والأردن وسورية وتركزت تلك الاستثمارات على مجالات النفط والغاز وعلى تخزين التجارة العابرة كما في دبي وعلى إقامة مناطق اقتصادية كما في الأردن وسورية والإمارات.

ولكن ثمة ملاحظات على نمط التعاون وآثارة على علاقات الطرفين وكذلك على السياسة الصينية في الشرق الأوسط وأثرها على الأمن القومي العربي.

الملاحظة الأولى أن مصر هي أول دولة عربية وإفريقية اعترقت بالصين الشعبية وأقامت معها علاقات دبلوماسية كانت ومازالت نموذجية خصوصا أن الرئيس حسني مبارك زار الصين خلال سنين حكمه 8 مرات كما أن قادة الصين كافة زارو مصر سواء رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء منذ عهد الإصلاح والانفتاح وزار شوان لي مصر 3 مرات. وعلى رغم هذا الزخم السياسي في علاقات البلدين فإن المردود الاقتصادي أقل بكثير مقارنة بدول أخرى عربية أو إفريقية أصغر حجما من مصر وأحدث في نشأة علاقاتها بالصين ولعل مرجع ذلك ثقل البيروقراطية في الإدارة و الاقتصاد وضعف رؤيتها الاستراتيجية في استيعاب المتغيرات إذ إن معضمها مازال يعيش على مفهوم أن الغرب هو الثقل العالمي، ولقد كان ومازال الرئيس مبارك له رؤية ثاقبة لم تسطع البيروقراطية المصرية استيعابها أو الارتقاء إلى مستواها.

الملاحظة الثانية: أن لدى الصين خبرة عظيمة في التطور الاقتصادي وبناء المشروعات الموجهة للتصدير وجعل الصادرات التكنولوجية هي أداة التنمية وهي رافعة التطور الاقتصادي. وهذه التجربة العظيمة لها ثلاثة أبعاد أولها بعد تنموي داخلي في الإصلاح البناء وليس الإصلاح ببيع أصول المجتمع من أجل سداد عجز الموازنة أو دفع ثمن الاستيراد، وإنما خلق أصول بأصول اقتصاد مواز أكثر تقدما وتطوير للصناعات القديمة، وثانيها بعد تنشيط اقتصادي من خلال الدورة الاقتصادية عبر تعزيز زيادة الاستهلاك لاستيعاب الإنتاج الكبير فلا يحدث كساد اقتصادي، ومن ابتكارات الصين إطالة وتجميع الإجازات مثل إجازة أعياد الربيع وعيد العمال وعيد أكتوبر وتحويل ذلك لحركة نشاط سياحي داخلي يعزز النمو وحركة الانتقال والانتماء الوطني، وليس فقط الاعتماد على السياحة الخارجية رغم دورها وأهميتها المتزايدة. كذلك تنشيط الاقتصاد وتحريك الدورة الاقتصادية من خلال المراكز التجارية الكبرى (المولات) في المدن الصينية المتعددة وهذا يحقق الرواج من ناحية، والوفاء باحتياجات المواطن من ناحية أخرى، بل أصبحت تلك الأسواق الكبرى قوة جذب للسياحة الأجنبية أيضا. هل يمكن لمصر خصوصا والعرب عموما الاستفادة الحقيقية من هذه التجربة.

الملاحظة الثالثة: نجاح الصين في بناء علاقة استراتيجية مع «إسرائيل» كقوة عسكرية وتكنولوجية ولها تأثيرها على السياسة الأميركية. طبعا فإن تطور علاقات الصين مع «إسرائيل» أثر سلبا على بعض مواقفها تجاه القضايا العربية، ولكن بصفة عامة فإن السياسة هي مصالح والعرب ليس لديهم تكنولوجيا متقدمة عسكريا يقدمونها للصين، كما أنه ليس لديهم لوبي قوي يؤثر على السياسة الأميركية، مثل اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة.

وإلى هنا فلا عجب أن علاقات الصين والهند أيضا مع «إسرائيل» تسارعت وتيرتها وتعززت دعائمها الاستراتيجية، في حين تراجعت نسبيا علاقات مواقف هاتين الدولتين مع الدول العربية وقضاياها الرئيسية. مع استمرار تأكيد الصين أو الهند على حقوق الشعب الفلسطيني والحل العادل لمأساة فلسطين ولكنه تأكيد في اطار العموميات، من دون أن تلازمه عملية سياسية نشطة على نحو ما قام به نهرو في أزمة 1956 أو ما كانت تقوم به الصين من تأييد حركة المقاومة الفلسطينية ولا تثريب أو لوم على أي من الصين أو الهند فاللوم لمَنْ يقصّر في تحقيق التقدم وبناء ركائز القوّة.

الملاحظة الرابعة: إنّ الآوان لم يفت في إعطاء دفعة حقيقية قوية للتعاون العربي الصيني وبناء كوادر علمية حقيقية تستفيد من تجربة الصين وبناء صناعات استراتيجية مشتركة وهذا ما يحدث الآن من خلال برنامج العمل الذي يتبناه منتدى التعاون العربي الصيني ولكن للأسف شتان ما بين البرامج المكتوبة وبين التطبيق العملي وهنا نهيب بجميع الدول العربية وخصوصا مصر أن تبادر للعمل الجاد لتطوير العلاقات مع الصين والاستفادة من هذه القوّة الصاعدة للتعرف إلى كيفية حل الصين لأزماتها في الغذاء، وفي الصناعة، وفي الإنتاج، وفي السياحة وكيفية تنمية الصين لمواردها البشرية وتحويلها من عبء سكّاني إلى قوّة حقيقية. هذه أمور تستحق الرعاية حتى يمكن لمنتدى التعاون العربي الصيني أن يكون أداة حقيقية فاعلة لتقدم علاقات الصين والعالم العربي.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2082 - الأحد 18 مايو 2008م الموافق 12 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً