العدد 2102 - السبت 07 يونيو 2008م الموافق 02 جمادى الآخرة 1429هـ

العلمانية المستبدة!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

اعتاد بعض الكتّاب الليبراليين والمتلبرنين و«الحداثيين»، على إلحاق حرف «واو» زائد على تعبير «الإسلامي»، كنوعٍ من المماحكة الحزبية، في حمى التنازع بين التيارات الفكرية المتصارعة.

من الصعب أنْ تجد تبريرا لهذا التلاعب باللغة، فهذه الواو الزائدة أشبه بالزائدة الدودية، وليس لها وظيفة غير محاولة تشويه الطرف الآخر الذي يكرهونه، ويتمنّون لو يختفي من الوجود في صبيحة اليوم التالي!

العقلية الإقصائية نفسها تجدها عند العلمانيين في تركيا، فـ «العلمانوية» المتخلّفة هناك نجحت في فرض رؤيتها الحزبية ضيّقة الأفق، عندما ألغت المحكمة الدستورية التعديل الدستوري الذي سمح بارتداء الحجاب في الجامعات الصادر بأغلبية 80 بالمئة من أصوات النواب.

المفارقة أنه في مطلع القرن الحادي والعشرين، وفي دولةٍ تقع على خط التماس بين آسيا وأوروبا، تأتي هذه الخطوة التي تعتبر شكلا بشعا من أشكال التعدي على حقوق الإنسان، والتحكّم في أبسط أشكال حريته.

تصوّر أنْ تكون هناك سلطة كهنوتية في هذا العصر تتحكّم في ملابسك التي لا تخدش حياء أحد، ولا تجرح ما تعارف عليه الناس من أخلاق وآداب. هذه السلطة «العلمانوية»، يحميها جيشٌ كرّس قواه لحماية ميراث كمال أتاتورك، وتعيش في وجلٍ دائمٍ من بعبع وصول الإسلاميين للحكم. وظل هذا النظام ثلاثين عاما يلاحقهم مرة بالانقلابات والعصا العسكرية، ومرة بوضع الكمائن والفخاخ، ومرة بالتلاعب بالقوانين لتطويق نفوذ منافسيهم السياسيين.

الإسلاميون الأتراك قدّموا إنموذجا مرنا للتكيّف مع الحكم العلماني، وقبلوا بقواعد اللعبة الديمقراطية، وساروا معها إلى آخر المطاف> ولكن النظام لم يقبل بهم، فهو في رعبٍ دائم منهم، والدليل هذه الخطوات الأشبه بالحركات الصبيانية في ميزان السياسة.

من الممكن أنْ تتفهم مواقف بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة بمنع ارتداء الحجاب في بعض المدارس والجامعات الغربية، في هذا البلد الأوروبي أو ذاك. فالحجاب الذي يعتبر رمزا إسلاميا، أصبح مستهدفا مع ارتفاع موجة العداء ضد المسلمين في أعقاب هجمات نيويورك ولندن ومدريد. وكان متوقعا أنْ تأخذ موجة الشعور العنصري المعادِي للعرب والمسلمين مداها، ثم تتراجع؛ ليعود الغربيون إلى اتزانهم، ويصحّحوا نظرتهم للحجاب باعتباره جزءا من الحرية الدينية التي تقرّها العلمانية «الصحيحة».

من الممكن أنْ تتفهم ما جرى في الغرب، لكن أنْ يجري منْع 35 بالمئة من النساء التركيات الراغبات بلبس الحجاب بحسب قناعاتهنّ الفكرية والدينية، فهذا أبشع أنواع الاستبداد والإفلاس.

هذا التعسف والتمييز الذي استمر عقودا، لم يمثل انتهاكا صارخا لحرية المعتقد فحسب، بل تسبّب أيضا في حرمان مئات الآلاف من النساء التركيات من مواصلة التعليم الجامعي، وبالتالي حرمانهنّ من الحصول على عملٍ أفضل، وبناء حياة ومستقبل أفضل، فضلا عن حرمان تركيا من عطاء آلاف الكفاءات، اللائي اضطر الكثيرات منهنّ إلى الهجرة إلى الخارج طلبا للعلم الذي حرمهنّ منه الوطن.

إنّها «علمانية ذات ذهنية شرقية مشابهة للعصبية العشائرية» كما وصفها السيد محمد حسين فضل الله، فهذه «العلمانوية» الرجعية أسقطت الحريات، واستهترتْ بحقوق الإنسان، وفرضت الأميّة التعليمية على المحجبات اللائي رفضنَ نزع الحجاب باعتباره تكليفا شرعيا وفريضة دينية وقناعة فكرية. إنها العلمانوية التي تغذّت سبعين عاما على قيم الاستبداد في الشرق

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2102 - السبت 07 يونيو 2008م الموافق 02 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً