العدد 2105 - الثلثاء 10 يونيو 2008م الموافق 05 جمادى الآخرة 1429هـ

ما يحتاجه لبنان الآن

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

بعد سنوات من الفوضى والاضطراب وفي أعقاب الحوار الوطني اللبناني الناجح الذي عقد في الدوحة في منتصف مايو/ أيار الماضي، انتخب زعماء لبنان رئيسا جديدا تحت لواء حكومة تحالف موسعة.

ستضم هذه الحكومة كلا من حزب الله - الذي قاد لبنان إلى حرب مع «إسرائيل» العام 2006 - وحلفاءه، إضافة إلى سعد الحريري وحركة المستقبل ذات الميول الغربية التي يترأسها. وهذا التحالف منوّع ولكنه ضروري للحفاظ على الدولة من الانقسام إلى معسكرين.

شكلت معادلة التحالف في معاهدة الدوحة بشأن لبنان الأمر الوحيد تقريبا الذي كان بإمكانه إيقاف النزيف اليوم، إلا أن مشكلات لبنان أساسية أكثر، وهناك حاجة لإصلاح أعمق.

جوهر المشكلة هو نظام لبنان الانتخابي الذي هو أكثر إقطاعية من كونه ديمقراطيا. وقد أضعف هذا النظام الدولة اللبنانية عبر نصف القرن الماضي لدرجة أن مجموعات مثل حزب الله ومنظمة التحرير الفلسطينية تمكنت، كل على حدة، من إيجاد دولة داخل دولة، مع أسلحتها ونظام اتصالاتها التي تعتبر أقوى من تلك التي تملكها الحكومة اللبنانية.

تخيل نظاما يضمن فيه الدستور الأميركي أن يكون الرئيس الأميركي أبيض ونائب الرئيس أسود ورئيس مجلس الشيوخ لاتينيا. هذا ما يوجد في لبنان، وإنما على خطوط دينية. ونتيجة ذلك هي أن جوهر العمل السياسي في لبنان يتم عبر هذه الخطوط الطائفية، وبوجود شبه قادة على درجة عالية من القبلية يبرزون كزعماء للسنة والشيعة والدروز والطوائف المسيحية المتعددة. لا تفعل هذه المجموعات شيئا سوى تعميق الشقة بين المجموعات الدينية، فتوجِد شروطا وأوضاعا لتوترات طائفية لا تنتهي.

يمكن، بل يجب إلقاء هذا النظام الانتخابي اللبناني الإقطاعي في سلة مهملات التاريخ وأن يستبدل بنظام انتخابي ديمقراطي حقيقي. قد يحتاج لبنان كذلك إلى مساعدة إجماع دولي لإنهاء هذا النظام الذي توزَّع فيه المقاعد البرلمانية حسب خطوط دينية من العصور الوسطى وتسمح ببساطة للبنانيين لأن يصوتوا كلبنانيين. نقطة. ليس كمسيحيين ودروز وشيعة أو سنّة. أن يصوتوا للسياسات. أن يصوتوا للمستقبل وليس للماضي. أن يصوتوا للأمل.

تخيل العيش في دولة حيث لا تعتبر حملة انتخابية رئاسية مثل حملة باراك أوباما من قبل مرشح غير تقليدي من مجموعة من الأقلية، لا تعتبر بعيدة الاحتمال بل أنها ضد القانون. تلك هي قوانين لبنان العتيقة التي لا معنى منطقي لها، والتي تستمر بقيادة البلد نحو نزاع مستمر، والتي يتوجب الاستغناء عنها.

في العام 1994 في جنوب إفريقيا، ألقى المجلس الوطني الإفريقي سلاحه أخيرا عندما جرى تبنّي نظام «رجل واحد، صوت واحد» الانتخابي من خلال نظام تمثيل نسبي يضم في طياته ضمانات هيكلية لحقوق الأقليات. في لبنان، حيث لا تملك أية مجموعة غالبية كافية للسيطرة على الآخرين، يجب أن يكون هناك نظام انتخابي مماثل أكثر سهولة وقابلية للتطبيق من ذلك في جنوب إفريقيا، حيث أمكن للأقلية البيضاء من السكان وبسهولة أكثر أن تخاف من سيطرة السود الذين يشكلون الغالبية الساحقة. في لبنان، كانت المشكلة المركزية هي الخوف - خوف كل شريحة من المجتمع من أن يكتسحها الآخرون.

أكثر ما يريده اللبنانيون هو ضمانات بحقوق الأقلية، واحترام حرية عيشهم في نظام مزدهر.

ينادي جزء من اتفاقية الدوحة بشأن لبنان بإيجاد «حوار بشأن تشجيع سلطة الدولة اللبنانية على الأراضي اللبنانية كافة وعلاقاتها بكل المجموعات». مرة أخرى، توفر جنوب إفريقيا نموذجا ممتازا. بعد إطلاق نلسون مانديلا من المعتقل العام 1990 شكلت قيادة جنوب إفريقيا مؤتمرا لجنوب إفريقيا ديمقراطية بعد ذلك بقليل، يستطيع من خلاله جميع المواطنين، وليس فقط القادة السياسيين، الجلوس معا والحوار بشأن شكل دستورهم ونظامهم الانتخابي. ما نتج عن ذلك هو نظام انتخابي من دون كوتا طائفية، ولكنه يضمن حقوق الأقليات من خلال شروط تتطلب من أحزاب الأقليات السياسية أن يكون لها مقعد دائم في الحكومة.

لا يسع المرء إلا أن يأمل أن يستطيع زعماء الفصائل اللبنانية، لصالح بلدهم، أن يتنحّوا جانبا ولو إلى درجة ضئيلة وأن يسمحوا لحوار جدّي حقيقي أن يتبرعم في بيروت للاتفاق على شروط جديدة للعبة. النتيجة الطبيعية لحوار كهذا ستكون على الأرجح توافق وطني جديد يسلّم فيه حزب الله وجميع الميليشيات الأخرى جميع أسلحتهم إلى الجيش اللبناني. وسيشكل هذا جزءا من تحالف وطني جديد يتبنى لبنان بموجبه دستورا غير طائفي إلى درجة كاملة، ولكنه يحمل في طياته ضمانات لمشاركة حقيقية جدا للأحزاب الصغيرة في الحكم. لقد فعلها الجنوب إفريقيون، لماذا لا يفعلها اللبنانيون؟

الأرجح أن تكون الفوائد كثيرة. يجب أن تكون النتيجة الجوهرية أن يكون لشرائح المجتمع كافة إيمان بمؤسسات الدولة، الأمر الذي يسحب البساط بشكل كامل من تحت التبرير العسكري بوجود حزب الله، ويجعل من تسليم أسلحة حزب الله إلى جيش لبناني جرت تقويته أمرا يدعمه جميع اللبنانيين بمن فيهم الشيعة. وقد يعني ذلك أيضا استثمارا متزايدا في المدارس التي تديرها الدولة بدلا من المدارس ذات القاعدة الدينية.

يجب أن تكون هناك ثقة في تمثيل الحكومة عبر الطيف في لبنان. قد يصبح لدى اللبنانيين بعد ذلك فرصة لمخاطبة مشكلات البلد الجوهرية أخيرا، مثل أعلى نسبة للدين للفرد في العالم العربي. وقتها فقط يمكن للديمقراطية الحقّة أن تتبرعم في العالم العربي، حيث يشارك المواطنون بناء على آمالهم بالمستقبل، وليس على كيف يصلي آباؤهم. ماذا يمكن أن يكون أفضل من ذلك؟

*زميل بمركز سابان لسياسة الشرق الأوسط بمعهد بروكنغز ومدير مركز بروكنغز الدوحة بقطر، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2105 - الثلثاء 10 يونيو 2008م الموافق 05 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً