العدد 2111 - الإثنين 16 يونيو 2008م الموافق 11 جمادى الآخرة 1429هـ

دولة فلسطينية لن ترى الحياة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

لا تعرف الدوافع الحقيقية التي شجعت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس على زيارة المنطقة وتكرار اتصالاتها بالسلطة الفلسطينية وحكومة إيهود أولمرت. فالزيارة لا قيمة سياسية لها سوى الإيحاء بأن إدارة واشنطن لاتزال تراهن على احتمال التوصل إلى تسوية «ناقصة ومنقوصة» تؤدي إلى قيام «دولتين» متجاورتين في فلسطين.

الرهان الأميركي ليس في مكانه المناسب ولا في زمانه المناسب. فمن جهة المكان يرجح أن تستمر حكومة أولمرت في سياسة القضم وتوسيع المستوطنات وزيادة الوحدات السكنية في القدس المحتلة. ومن جهة الزمان يبدو أن الوقت يتآكل ولم يعد بالإمكان التوصل إلى صيغة تفاهم (عقد إطاري) تبرمج خطوات تسوية في الأشهر الأخيرة من ولاية الرئيس جورج بوش.

لماذا إذا تصر الوزيرة رايس على مواصلة زيارة المنطقة والاتصال بالأطراف المعنية في وقت تدرك أنه غير مناسب ولا يعمل مكانيا وزمانيا لمصلحة فكرة تحتاج إلى سياسة مغايرة لذاك النهج الذي اعتمدته واشنطن في السنوات الماضية؟

هناك احتمالات كثيرة يمكن اختصارها بتلك الوعود التي أطلقتها إدارة البيت الأبيض حين دعت الأطراف إلى عقد مؤتمر سلام في «انابوليس». آنذاك تحفظت الدول العربية على الحضور وتمنت ألا تكون اللقاءات عبثية ومجرد مناسبة شكلية لالتقاط صورة تذكارية. التحفظ العربي الرسمي جاء بناء على تجارب سابقة ولقاءات واتصالات حصلت مرارا في عواصم أوروبية ومدن أميركية وانتهت كلها إلى فراغ ولم تنجح في إلزام تل أبيب أو الضغط عليها والتجاوب مع بنود قرارات دولية صدرت في هذا الشأن.

إلا أن إدارة واشنطن تعهدت آنذاك بأنها ستعمل على تسويق مشروعها القاضي بإنشاء «دولتين» وأنها تمتلك القدرات وهي كافية لتشكيل قوة ضغط على حكومة أولمرت وإجبارها على التجاوب مع الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية. وربطت واشنطن تعهداتها بأنها ستولي الموضوع الفلسطيني أولوية قصوى في السنتين الأخيرتين من عهد بوش بعد أن استنزفت قواها ووقتها في أفغانستان والعراق. وبناء على هذه الرغبة أصرت واشنطن على الحضور العربي إلى أنابوليس في اعتبار أن نجاح المؤتمر يشكل خطوة لابد منها للتأسيس عليها والذهاب بها نحو معالجة موضوعية لمشكلة مزمنة.

انعقد «مؤتمر أنابوليس» وكان من البداية مجرد محاولة للإشارة بوجود اهتمامات أميركية تتجاوز تلك النقاط الساخنة التي أشعلتها واشنطن في أفغانستان والعراق. وشكل المؤتمر مجرد ورقة للتذكير بأن تعهدات بوش التي التزم بها لن ترمى في سلة المهملات وأن إدارته قادرة على إقناع حكومة أولمرت بوجوب التفاهم مع الطرف الفلسطيني على إطار تسووي يضمن في نهاية العام 2008 الإعلان عن قيام سلطة تتمتع بالسيادة ودولة قابلة للحياة.

هذا جانب من الصورة. الجانب الآخر منها يتركز على مسألة إرضاء الأطراف المعنية والتعويض لها عن تلك الكوارث التي أنزلتها بالمنظومة العربية حين قررت خوض الحروب في أفغانستان والعراق ولبنان. فالجانب الآخر من الصورة استهدف إثارة الغبار السياسي على الصعيد الفلسطيني بقصد تغطية الفشل والتهرب من مسئولية دمار العراق وخراب لبنان. الدول العربية كانت تدرك سلفا أن واشنطن لا تريد التوصل إلى حل متوازن للموضوع الفلسطيني وأنها إذا أرادت ذلك فهي غير قادرة على تنفيذ الوعد نظرا لدخول الإدارة في معركة الرئاسة وحاجة الحزب الجمهوري للناخب الأميركي (دافع الضرائب) في مواجهة مزايدات انتخابية قد تصدر عن الحزب الديمقراطي.

ما بعد أنابوليس

انتهت مفاعيل «مؤتمر أنابوليس» منذ اليوم التالي حين ظهرت في الجانب الإسرائيلي سياسة تصعيدية على الجانبين. فحكومة أولمرت قررت ممارسة نوع من الحصار على قطاع غزة وصولا إلى تجويعه بقطع المعابر والإمدادات الغذائية عنه. كذلك قررت حكومة أولمرت توسيع رقعة الاستيطان وزيادة بناء الوحدات السكنية في الضفة الغربية بقصد تعطيل إمكانات الحوار على المسار الفلسطيني ومنع احتمال قيام تسوية تحت سقف التمدد الاستيطاني.

إلى ذلك اتجهت حكومة أولمرت إلى فتح قنوات اتصال على المسار السوري عبر التعاون مع أطراف ثالثة بقصد التنبيه إلى خيارات بديلة للتغطية على العراقيل التي وضعتها لتعطيل التفاوض على المسار الفلسطيني.

خطة حكومة أولمرت اعتمدت سياسة ثلاثية واحدة تقوم على خطوة الضغط الميداني على قطاع غزة بهدف استدراج عروض للتهدئة (هدنة مؤقتة). وثانية تقوم على خطوة توسيع المستوطنات والوحدات السكنية لتعطيل فكرة الدولة المستقلة والقابلة للحياة. وثالثة تقوم على خطوة فتح قنوات على المسار السوري بقصد تقطيع الوقت وكسب نوع من المناورة السياسية التي ستنتهي مع نهاية الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

السياسة الثلاثية التي اعتمدتها حكومة أولمرت لتطويق نتائج «مؤتمر أنابوليس» الباهتة استهدفت كسب فترة زمنية تعطيها القدرة على تجاوز استحقاقات لا تريد التنازل عنها لحسابات تتصل أولا بالايديولوجية الصهيونية وثانيا بالمعركة الانتخابية التي تستعد الأحزاب الإسرائيلية لخوضها في السنة المقبلة. فأولمرت الضعيف والهزيل والمتهم بالفساد والإخفاق لا يستطيع إلا اللجوء إلى المناورة لكسب الوقت لأنه أصلا غير مقتنع بضرورة تقديم دولة «قابلة للحياة» في الضفة وغزة وليس مستعدا لهدم جدار الفصل العنصري أو تفكيك المستوطنات إرضاء لوعد بوش أو مقررات عامة توصل إليها المجتمعون في «أنابوليس».

هذه السياسة التوسعية تدركها واشنطن التي اعتمدت استراتيجية ثابتة في دعم حكومات تل أبيب في مختلف المراحل والعهود. فالولايات المتحدة تعتبر القوة الأولى التي تعزز قدرات «إسرائيل» العسكرية واللوجستية والاقتصادية والمعلوماتية. وبسبب دعم تلك القوة نجحت حكومات تل أبيب في تحدي القرارات الدولية وتعطيلها وصولا إلى مناورة «مؤتمر أنابوليس». ورايس التي تزور المنطقة الآن هي أيضا على علم بتلك الاستراتيجية الأميركية وتوابعها الإسرائيلية. وهي تدرك أيضا أن أولمرت ليس في وضع مريح، وهو غير مستعد لتقديم تنازلات سواء على المسار السوري أو الفلسطيني لذلك يستغرب إصرارها على مواصلة زيارة المنطقة والاتصال بالسلطة وحكومة أولمرت. فالزيارة لا قيمة سياسية لها سوى الإيحاء بأن إدارة واشنطن عازمة على تمرير تعهداتها حتى لو تابع أولمرت مناورة كسب الوقت وتوسيع المستوطنات والوحدات السكنية في الضفة والقدس.

رايس وصفت قرارات أولمرت ببناء الوحدات وقضم الأراضي بـ «المشكلة». وقبلها وصف الرئيس بوش بناء جدار الفصل العنصري بـ «المشكلة». وصف بوش لم يمنع شارون وبعده أولمرت من استكمال بناء الجدار كذلك لن يمنع وصف رايس من متابعة بناء الوحدات والمستوطنات وتقويض مشروع دولة فلسطينية هزيلة غير قابلة للحياة ويرجح ألا ترى الحياة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2111 - الإثنين 16 يونيو 2008م الموافق 11 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً