العدد 2119 - الثلثاء 24 يونيو 2008م الموافق 19 جمادى الآخرة 1429هـ

أميركا وإيران... صراع أم تفاهم؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

سياسة الغموض التي تحيط بالاتصالات الإيرانية - الأميركية تثير علامات تعجب واستفهام. فالغموض في العلاقات الدولية أو الإقليمية ليس سياسة بقدر ما هو تكتيك يعطي إشارات متعارضة تعزز مشاعر الخوف وترفع من درجات انعدام الثقة وتفسح المجال للتأويلات التي تقارب فكرة المؤامرة.

هناك الكثير من القراءات المبرمجة لفكرة المؤامرة وكلها تصب في سياق التشكيك بالمواقف الإيرانية وصولا إلى اتهامها بالتواطؤ مع إدارة جورج بوش والتعامل معها بقصد إضعاف الموقف العربي وكسره سياسيا تمهيدا لإخضاعه وقبوله بالشروط الأميركية. فهذه القراءات السلبية تعتمد على مجموعة وقائع ميدانية حصلت تباعا في العراق ولبنان وغزة وأدت في خلاصاتها العامة إلى تشطير بلاد الرافدين وزعزعة استقرار بلاد الأرز وتقسيم السلطة الفلسطينية إلى حكومتين... وأخيرا الإعلان عن احتمال فتح مكتب يرعى المصالح الأميركية في طهران.

القراءات المبرمجة هذه استفادت كثيرا من سياسة الغموض في اعتبار أن المجهول يثير عادة الشكوك ويقدم مادة دسمة للتأويل والتفسير وذلك لتتجاوب مع المقاسات و بحسب ما تقتضيه الهواجس والمصالح المحكومة أحيانا بالعصبيات الضيقة.

القراءات المبرمجة هي نتاج أو رد موضعي على تلك السياسة الغامضة التي تتراوح بين تفاهمات ميدانية ووسطاء وقنوات اتصالات ولقاءات وبين تهديدات وإطلاق تصريحات تنذر بالحروب. وبسبب تلك التعارضات ظهرت على سطح التحليلات السياسية وجهات نظر متناقضة غير قادرة على استيعاب المتغيرات وتحديد نقاط الاختلاف أو التوافق بين طهران وواشنطن. فهناك مثلا من يتحدث عن صراع أميركي - إيراني على المنطقة يتمثل في تنافس القوتين على التحكم بثروات الخليج وشعوب المشرق العربي. وهناك من يتحدث عن تواطؤ أميركي - إيراني ضد شعوب المنطقة ودولها بقصد إدخالها في حروب صغيرة تنتج ميدانيا دويلات طوائف مذاهب كما هو حال العراق وذلك خدمة للمشروع الإسرائيلي.

هناك من يتحدث عن توازن قوى بين أميركا وإيران فرض على القوى الإقليمية الدخول في فترة انتظار حتى تحسم المعركة لمصلحة فريق على آخر. والتوازن السلبي الذي يقول به البعض منع واشنطن من التقدم ميدانيا والهجوم عسكريا كذلك عطل على طهران إمكانات الاستفادة من فرص الفراغ الأمني خوفا من انجرارها إلى مواجهة غير محسوبة.

هناك أيضا من ينفي وجود توازن قوة بين أميركا وإيران وبالتالي يستبعد احتمال ظهور مواجهة عسكرية في اعتبار أن الكفة محسومة استراتيجيا لمصلحة واشنطن. ويرى هذا الفريق أن ما يقال عن صراع أميركي - إيراني مسألة وهمية ومختلقة أو على الأقل خطوة غير واقعية يراد المبالغة بها لتخويف الدول العربية بقصد ابتزازها سياسيا واقتصاديا. ويذهب هذا الفريق بعيدا في تحليلاته حين يشير إلى انعدام منافس إقليمي للمشروع الأميركي في منطقة «الشرق الأوسط». وبرأي الفريق أن المشروع الوحيد في المنطقة هو الاستراتيجية الأميركية وتحتها تتحرك القوى الدولية (روسيا وفرنسا) أو القوى الإقليمية (تركيا وإيران والدول العربية و «إسرائيل»). وتحت سقف الاستراتيجية الأميركية تتحرك قوى كثيرة دولية وإقليمية وعربية وذلك في إطار قياسات محكومة في النهاية بالإحجام والموازين والإمكانات والامتدادات الجغرافية والبشرية (طوائف ومذاهب وعشائر ومناطق).

خط التوتر العالي

قراءات كثيرة يمكن إدراجها تحت خط التوتر العالي في المنطقة. والقراءات المبرمجة هي في معظمها أقرب إلى التحليلات التي تستند إلى فرضيات وتبتعد عن معلومات دامغة وموثقة. ولكن القراءات المقصودة أو البريئة هي في النهاية نتاج أو محاولة للرد لتوضيح ملابسات تلك السياسة الغامضة التي تسيطر على العلاقات الإيرانية - الأميركية.

الغموض ليس سياسة لأنه يعطي تلك الذرائع المنطقية للتعبير عن مخاوف وهواجس تؤرق الكثير من الدول العربية وخصوصا العواصم المعنية بالتحولات الإقليمية الجارية في ساحات العراق وفلسطين ولبنان. وما يزيد الغموض إثارة ظهور تموجات تكشف عن وجود اتصالات «سرية» في تضاعيف حرب غير معلنة اقتصرت حتى الآن على التصريحات النارية المتبادلة.

منذ أكثر من سنتين تواصل القيادة السياسية في إيران السير على خط التوتر العالي في علاقاتها الدولية وتوابعها الإقليمية. الخط خطير ويمكن أن يتحول من بارد إلى ساخن في لحظة زمنية غير واعية إذا وصلت الاتصالات «الفنية» و «التقنية» إلى حائط مسدود.

حتى الآن يمكن وضع خط التوتر العالي على درجة وسطى بين البرودة (الإغراءات) والسخونة (العقوبات). فالجانب الأول يتمثل في مشروع حمله معه المبعوث الدولي خافيير سولانا إلى طهران وتضمن اقتراحات تشجيعية توافقت عليها الدول الست الكبرى مقابل وقف تخصيب اليورانيوم خلال فترة المفاوضات. والثاني مشروع قرار دولي حمل الرقم 1803 وصدر عن مجلس الأمن في مارس/ آذار الماضي ويتضمن فقرات تهدد إيران بالعقوبات والحصار والمقاطعة وتفتيش السفن وحجز الممتلكات وتجميد الأرصدة في حال رفضت التجاوب مع مقتضى القرار.

بين الحوافز والعقوبات لاتزال طهران تسير بهدوء على خط التوتر العالي. فهي من جهة رفضت التجاوب مع القرار الدولي. ومن جهة أخرى أبدت مرونة مع رزمة الحوافز وأرسلت إشارات تظهر استعدادها للتفاوض في الوقت المناسب من دون أن تحدد فترة زمنية للرد النهائي.

هذا التأرجح بين الحوافز والعقوبات يثير زوبعة من الغبار بشأن خط التوتر العالي الذي ترتفع حرارته تارة ثم تنخفض طورا. والتأرجح يعكس رؤاه على تلك السياسة الغامضة وما تعنيه من احتمالات مفتوحة على السخونة والبرودة.

المسألة غامضة ويرجح أن تبقى كذلك إلى حين ارتسام معالم الصورة في الداخل الأميركي وانعكاسها على العلاقات الخارجية ومدى قدرة دول الاتحاد الأوروبي على تعديل المسار الدولي في منطقة «الشرق الأوسط». أوروبا حاولت مرارا التدخل بغية المشاركة في ترسيم حدود الخرائط ولكنها فشلت في الحد من الطموحات الأميركية. والولايات المتحدة التي تدير خيوط اللعبة الدولية في المنطقة تدرك بدورها أن إمكانات الاستمرار في سياسة التفرد وعدم القبول بمبدأ التفاوض والمشاركة واحترام توازن المصالح ستصل إلى التصادم وربما التعثر ميدانيا وإقليميا. وبسبب هذا الوضع القائم على مجموعة سلبيات يمكن قراءة سياسة السير الإيرانية على خطوط التوتر العالي. فهي مثلا لم تقل «نعم» للحوافز والإغراءات وأيضا لم تقل «لا». والتوسط اللفظي بين «نعم» و «لا» يعطي لتلك القراءات المبرمجة الذريعة المفتوحة على تأويلات متعارضة لتفسير خفايا السياسة الغامضة بشأن العلاقات الأميركية - الإيرانية وهل هي تقع تحت بند الصراع أو بند التفاهم أو ما هو أقل من ذلك... أي التحرك تحت سقف استراتيجية دولية تقودها الولايات المتحدة في منطقة «الشرق الأوسط».

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2119 - الثلثاء 24 يونيو 2008م الموافق 19 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً