العدد 2119 - الثلثاء 24 يونيو 2008م الموافق 19 جمادى الآخرة 1429هـ

المكارثية

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في فترة احتدام الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي في الخمسينيات، حيث تسيّد الخوف وسيطرت الشكوك برزت المكارثية في الولايات المتحدة، وكانت أكبر ردةٍ شهدتها في مجال الحريات.

المكارثية نسبة للسيناتور الجمهوري جوزيف مكارثي، الذي قاد حملة شعواء ضد كل من يشم فيه رائحة يسارية، معتمدا على توجيه الاتهامات دون أدلة كافية، حتى وصل الأمر إلى اتهام بعض المسئولين في وزارة الخارجية الأميركية بالشيوعية أو التعاون مع الشيوعيين، وأطلق صيحته بأن الشيوعيين سيطروا على الإدارة الأميركية!

كانت الحرب الباردة فترة خصبة لاستشراء هذه النزعة الاستبدادية، فمع سيطرة الشيوعيين على الصين وتشيكوسلوفاكيا، ودعم الاتحاد السوفياتي كوريا الشمالية (الشيوعية) في وجه غريمتها الجنوبية، اشتعلت الحرب الكورية.

ومع ازدياد تأثير المدّ الشيوعي على القطاعات الشبابية، بدأت الحكومة الأميركية بالتحري عن الشيوعيين بين موظفيها، ولم يأت العام 1947 حتى أمر الرئيس هاري ترومان بتأسيس «مكاتب الولاء» لفحص العاملين بالحكومة! ثم أمر بفصل أي موظف مشكوك في ولائه. ودخلت وزارة العدل على الخط بإصدار قائمة بالضوابط التي تدل على عدم الولاء!

لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ أجرت تحقيقاتها، ولكنها لم تعثر على شيوعي واحد فيها، ومع ذلك استمر مكارثي في توزيع الاتهامات التي نالت الآلاف، ولم تتوقف عند العمال بل طالت أساتذة الجامعات والمفكرين والكتاب والصحافيين والفنانين من كبار نجوم هوليوود! وهكذا انتشرت قوائم سوداء بأسماء المتهمين بالشيوعية أو مناصرتها أو التعاطف معها.

الكونغرس من جانبه شكّل لجنة برلمانية للتحقيق في «الأنشطة المعادية لأميركا»؛ لمطاردة كل من لديه شبهة الانتماء للشيوعية أو حتى مجرد الاستقلالية في إبداء الرأي. وكان من بين الضحايا الكاتب المسرحي الشهير آرثر ميلر، والكاتب الألماني المعادي للنازية الذي وجد نفسه يعيش محاصرا في أميركا، كما كان محاصرا في بلاده ذات الحكم الفاشي!

في ذلك الجو المحموم، حظي بطل الكارثة (مكارثي) بتأييد كبير، جعلت الكثيرين يحجمون عن معارضته أو انتقاده، وهو ما شجّعه على الاندفاع في سياسته، حتى اتهم إدارة الرئيس آيزنهاور بالعمالة! ولم يكسر حدته إلاّ عندما اصطدم بالجيش الأميركي باتهامه بالتواطؤ مع الشيوعيين، ما جعل الجيش يرد باتهامه بالتصرفات المشينة، فبدأ حينها يفقد المؤيدين. ولاحقا أدانه مجلس الشيوخ لازدرائه بإحدى اللجان الفرعية المكلّفة بتقصي ممتلكاته.

مكارثي ألف عدة كتب، أحدها في العام 1952 بعنوان: «المكارثية: كفاح من أجل أميركا»، وفي العام 1959 كتب كتابا آخر بعنوان: «تقهقر أميركا عن النصر»، فقد أصبح ينظر إلى العالم من ثقب سترته: فعندما كان على رأس موجة القمع والتنكيل بالمعارضين كانت أميركا منتصرة، وعندما قُلّمت أظفاره وعاد إلى حجمه الطبيعي تقهقرت أميركا وحاقت بها الهزيمة!

مُصطلح «المكارثية» يستخدم اليوم للدلالة على تلك الفترة السوداء من تاريخ أميركا، التي سادت فيها الاتهامات الرخيصة بالعمالة للشيوعية، وعدم الولاء للولايات المتحدة، والتجسّس على الناس، ومحاسبهم على نواياهم، ومحاولة شق قلوبهم للتفتيش عن الأفكار الشيوعية!

المكارثية وباء، لم تنته إلاّ بنشر أجواء الحرية الحقيقية وليس التشكيك في نوايا الناس. ففي بلدٍ مبتلى بتناقضات الرأسمالية وسيطرة رأس المال، حيث يعيش الملايين تحت خطّ الفقر من السهل أن تتهم حتى الرئيس بأنه من الشيوعيين!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2119 - الثلثاء 24 يونيو 2008م الموافق 19 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً