العدد 2124 - الأحد 29 يونيو 2008م الموافق 24 جمادى الآخرة 1429هـ

طبول الحرب... ساخنة وباردة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ثلاث نقاط تناولها تصريح قائد «الحرس الثوري» محمد علي جعفري لصحيفة «جام جم» الإيرانية. الأولى، ركزت على النفط والإمدادات والمعابر والمضائق. الثانية ركزت على القواعد العسكرية الأميركية ومناطق انتشارها والأمكنة التي يمكن أن ينطلق منها الهجوم المزعوم. الثالثة ركزت على «إسرائيل» التي تقع في المجال الجوي للصواريخ الإيرانية.

النقاط الثلاث تعتبر حيوية في الرؤية الاستراتيجية الأميركية باعتبار أنها تشكل الأساس الذي تقوم عليه سياسة واشنطن في التعامل مع قضايا «الشرق الأوسط» وموقع هذه الدائرة الجغرافية في لعبة التوازن الدولي. وتحذير قائد «الحرس الثوري» من احتمال تعرّض المصالح الأميركية للخطر في حال قررت إدارة جورج بوش توجيه ضربة جوية لإيران جاء في سياق دفاعي، وردا على تسريبات صحافية صدرت في الآونة الأخيرة من تل أبيب وبعض المصادر المطلعة على نقاشات لاتزال في طور الدراسة تجريها هيئات استشارية على صلة بمواقع القرار.

التحذير الإيراني ليس جديدا، كذلك الكلام المنسوب لجهات إسرائيلية وأميركية الذي يكرر مخاوف مزعومة من إمكانات تقدم طهران في مجال التطوير النووي، واستخدام تلك الطاقة عسكريا في المستقبل القريب.

هذه التصريحات المتبادلة التي يعاد إنتاجها ثم تكذيبها أو تصويبها أو استبعادها أو التخفيف من أهميتها أصبحت مملّة من كثرة تردادها، في وقت تظهر في الأفق المنظور مؤشرات تخالف كل الكلام الساخن عن حرب مقبلة تزعزع استقرار منطقة «الشرق الأوسط».

الكلام عن مضيق هرمز واحتمال إغلاقه لمنع حاملات النفط من استخدامه في حال هاجمت أميركا إيران ليس جديدا. فالكلام عن أهمية هرمز وحيويته الدولية وتأثير إغلاقه على احتياط النفط وأسعار الطاقة يعتبر من البديهيات السياسية، ولا تحتاج الولايات المتحدة إلى تذكير بخطورته الاقتصادية وهي الدولة التي تستعمله يوميا لعبور الناقلات وبواخرها التجارية والعسكرية (غواصات وحاملات طائرات).

الكلام عن القواعد المنتشرة في المنطقة ومحيط إيران الجغرافي واحتمال تعرض تلك المواقع العسكرية الحساسة إلى ضربات (عمليات) أو صواريخ مضادة يعتبر بدوره من البديهيات التي لا تحتاج إلى تذكير باعتبار أن قوة إيران الجوية لا تستطيع الوصول إلى الولايات المتحدة.

الكلام أيضا عن «إسرائيل» ووقوع تلك الدولة في مجال الصواريخ الإيرانية لم يعد من الأسرار العسكرية التي يكشف عنها للمرة الأولى. فهذا النوع من التحذير سُرّب إلى الصحافة مرارا وأعيد تكراره في مناسبات مختلفة.

إذا كان كلام قائد «الحرس الثوري» ليس جديدا فما هي الدوافع التي أملت عليه إعادة التذكير بتلك البديهيات؟

احتمالات كثيرة يمكن وضعها في حسابات «الحرب الباردة». وهذه الاحتمالات ربما تكون تجمعت واستدعت من طهران الرد لتأكيد مواقف سابقة. في مطلع الشهر الجاري تم تداول الكثير من النقاط الحساسة التي تؤرق دول المنطقة. فالصحف الأميركية (نيويورك تايمز تحديدا) تحدثت عن مناورات إسرائيلية جوية هائلة من ناحيتي كميتها ونوعيتها جرت مطلع يونيو/ حزيران في شرق المتوسط، واستنتجت أنها قد تكون تدريبات بالذخيرة الحية لتسديد ضربات جوية على المواقع النووية في إيران. هذا الكلام الأميركي عن مناورات إسرائيلية تم تعزيزه بتصريحات نارية صدرت عن جهات عسكرية وحكومية في تل أبيب تشير إلى أن توجيه ضربة جوية بات من الأمور التي لا يمكن تأجيلها أو التراجع عنها. وذريعة «إسرائيل» في هذا الشأن تستند إلى أمرين: الأول فشل المفاوضات الدبلوماسية، وعدم توصل الوسطاء إلى حل سياسي للمشكلة. الثاني أن إيران أخذت تسارع في إنجاز مشروعها النووي، وهي باتت على مقربة زمنية من تحقيق اختراق في هذا المجال.

سخونة وبرودة

رد قائد «الحرس الثوري» وتذكيره بالمخاطر على المصادر الثلاثة ربما جاء في سياق توضيح الاحتمالات المفتوحة في حال قررت تل أبيب أخذ المبادرة بذريعة أن المماطلة الدبلوماسية تعطي فرصة لطهران لإنجاز مشروعها في أقل من سنة. والرد الإيراني الذي صوّب كلامه على الدائرة الجغرافية المحيطة به والممتدة من مضيق هرمز إلى مفاعل ديمونة النووي في النقب يشير إلى المساحة التي يمكن أن تقع في إطارها المواجهة الساخنة، وهي مواجهة وصفها رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي بكرة من لهب.

كلام البرادعي وتهديده بالاستقالة في حال أقدمت واشنطن على تنفيذ هجومها لا يمكن عزله عن أجواء التسخين التي ارتفعت درجة حرارتها مع بدء فصل الصيف في المنطقة. فالتسخين جاء في سياقات مختلفة ولكنه تركز على موضوع العراق وحاجة واشنطن إلى تحقيق اختراق على مستوى المعاهدة الأمنية التي تضمن وجودها العسكري في بلاد الرافدين، وتغطي لها إمكانات مد شبكة نفوذ شركاتها على حقول النفط.

موضوع العراق يلعب دوره الخاص في تحريك السياسة الأميركية لكونه يحتل موقع الصدارة في استراتيجية إدارة بوش في الشهور الأخيرة من عهد الحزب الجمهوري. وهذا الموضوع الذي يتضمن أمن النفط وأمن القواعد العسكرية الأميركية واستقرارها في المنطقة ليس بعيدا عن المجال الجغرافي لوجود «إسرائيل» وأمنها. والنقاط الثلاث هذه شكلت محور تصريحات قائد الحرس الثوري لصحيفة «جام جم» الإيرانية. فالكلام تطرق إلى اهتمامات بوش التي تشكل جوهر الاستراتيجية الأميركية في «الشرق الأوسط» منذ خمسينيات القرن الماضي. والكلام ليس جديدا بقدر ما يعطي صورة عن سياسة قلقة من احتمال ارتفاع درجات السخونة.

أجواء التسخين في المدى الكلامي ليست الوحيدة التي تسود المنطقة. فهناك إلى جانبها أجواء تبريد تتحرك عمليا على أكثر من ميدان. الكلام مثلا عن احتمال توقيع معاهدة أمنية بين بغداد وواشنطن لم يعد مستبعدا وكما تريد الولايات المتحدة. والكلام عن احتلال شركات النفط الأميركية حصة الأسد في توقيع عقود التنقيب والتكرير بات مرجحا. والكلام عن ترتيبات دبلوماسية للملف النووي الإيراني تحت مظلة دولية - أوروبية بات الأقوى في الأفق المنظور. والكلام عن توافقات جزئية تضمن «أمن إسرائيل» وتضبط التهدئة على حدودها من غزة إلى لبنان والجولان أصبح من الاحتمالات الواردة في القريب العاجل.

كلام التصعيد الذي يتحدث عن مناورات وتدريبات واستعدادات يترافق مع خطوات تبريد عملية تؤشر إلى وجود إضاءات أخرى أخذت توضح بعض الزوايا الغامضة من صورة «الشرق الأوسط الجديد» وخريطة تحالفاته الدولية والإقليمية. والطبول التي قرعها قائد الحرس الثوري في صحيفة «جام جم» هي للتذكير بأن النقاط الثلاث التي تشكل جوهر الاستراتيجية الأميركية يمكن التعامل معها على حدّين: الأول ساخن، والآخر بارد.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2124 - الأحد 29 يونيو 2008م الموافق 24 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً