العدد 2127 - الأربعاء 02 يوليو 2008م الموافق 27 جمادى الآخرة 1429هـ

سياسة بوش بعد إقرار موازنة الحرب

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ماذا سيفعل الرئيس جورج بوش بمبلغ 162 مليار دولار بعد أن ضمن موازنة تغطية نفقات الحرب على أفغانستان والعراق للسنة المقبلة؟ الموازنة مرتفعة وهي تسد حاجات ورواتب ومعاشات القوات في الميدان، وتلبي رغبات مؤسسات التصنيع الحربي في الولايات المتحدة، وتعطي فرصة للإدارة لتوسيع رقعة المناورات الدبلوماسية، وتفتح الباب على هامش سياسي يرفع من نسبة قدرات واشنطن في ممارسة الضغوط على قوى إقليمية في دائرة «الشرق الأوسط» للفترة المتبقية من عهد الرئيس.

في أي اتجاه يمكن أن يوظف بوش تلك الموازنة التي أقرت بموافقة الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس؟ هناك قراءات مختلفة يمكن ملاحظة تعارضاتها كل يوم من خلال رصد التصريحات التي تصدر تباعا من مواقع القرار في واشنطن. بعض القراءات يجزم من دون أن يقدم الأدلة أن قرار الحرب اتخذ والمسألة تتعلق بالتوقيت والمناسبة. وبعض القراءات ينفي تلك التحليلات ويؤكد أن موضوع الحرب تجاوزه الوقت وليس واردا في حسابات الإدارة الحالية. وبعض القراءات لا ينفي ولا يؤكد تاركا المسألة مفتوحة على تأويلات وتفسيرات.

التأويلات والتفسيرات ترفع من نسبة الغموض وتترك الأطراف المعنية بالحرب في حال من الفوضى الداخلية والارتباك السياسي في التعامل مع المتغيرات. فالقوى المستهدفة نظريا حائرة في تشكيل رؤية نهائية بشأن السياسة الأميركية وهي غير قادرة على توضيح معالم الخطوة الأخيرة التي يمكن أن تتخذها واشنطن في الشهور المقبلة.

التشويش السياسي الذي اعتمدته إدارة بوش في السنتين الأخيرتين أطلق تحليلات متعارضة بشأن الخطوات التي قررت اتباعها. فذهب البعض إلى التأكيد على ضعف الولايات المتحدة وعدم قدرتها على خوض حرب إضافية أو حتى استكمال تغطية نفقات قواتها التي تحتل أفغانستان والعراق. والبعض اتجه نحو التأكيد على أن الولايات المتحدة أصبحت في وضع المهزوم وتحتاج إلى مساعدات إقليمية لإنقاذها من الورطة وانتشالها من المأزق الاستراتيجي الذي سقطت في شباكه.

هذا التشويش الذي ظهرت خلاله الإدارة الأميركية في السنتين الأخيرتين أطلق مساحة واسعة من التقديرات وصلت عند البعض إلى تقديم إيضاحات متناقضة حددت بموجبها مواقيت للحرب المقبلة. فهناك من رجح وقوع المواجهة في الخريف الماضي، وهناك من قال إنها ستقع في الشتاء، ثم في الربيع وثم في مطلع الصيف وأخيرا في نهاية الصيف الجاري أو في أوائل الخريف المقبل. دورة متكاملة من المواقيت جرى تسريبها إلى الصحافة من خلال استخدام قنوات دبلوماسية أو مخابراتية للإشارة إلى وجود قرار نهائي بشأن الحرب ينتظر الظرف المناسب لتنفيذه.

حتى أمس الأول استمرت سياسة التشويش الأميركية تفعل فعلها في الإعلام المبرمج وفق أهواء مراكز القرار في واشنطن. مسئول كبير في «البنتاغون» مجهول الاسم والعنوان أبدى مخاوفه في حديث أدلى به لمحطة أميركية من أن تقدم «إسرائيل» على تنفيذ هجوم على إيران. ورجح المصدر الغامض أن تحصل الضربة في العام 2009 وربما قبل العام الجاري. في اليوم التالي انتقدت الخارجية الأميركية كلام المسئول المجهول في «البنتاغون» مشيرة إلى أن الإدارة ليست لديها معلومات تدعم هذا التوقع أو ترجحه.

اللعبة الأميركية بشأن وقوع الحرب أو عدم وقوعها لاتزال سارية المفعول إلى حد تجاوزت مواقيتها عهد الرئيس بوش. في السابق كان التلاعب يتم في سياق محدد يقتصر على مواعيد تقع ضمن فترة الرئاسة الحالية. وبما أن ولاية بوش شارفت على نهايتها فإن المصادر المجهولة الاسم والعنوان أخذت على عاتقها بتمديد «الضربة المنتظرة» إلى فترة تقع في ولاية الرئيس المقبل. اللعبة إذا طويلة المدى والقصد منها التلاعب بالقوى الإقليمية والضغط عليها نفسيا من خلال التهويل بإنزال ضربة مدمرة في مكان ما وفي موعد لم يحدد زمانه حتى الآن.

سيناريوهات مفتوحة

إلى الضغط النفسي هناك تكتيكات باتت مفتوحة على سيناريوهات متنوعة الأشكال والألوان. فهناك من يقول بأن الضربة الأولى ستقوم بها «إسرائيل» لتفتح الباب أمام إيران للرد ثم تقوم تل أبيب بالرد على الرد وهكذا. وهناك من يقول إن أميركا مترددة في الانزلاق نحو حرب جديدة لأسباب داخلية وعوامل دولية ولوجستية ولكنها لا تستطيع أن تتفرج على المشهد في حال تورط حليفها الاستراتيجي في المنطقة بمعركة مصيرية مع إيران. وهناك من يقول بأن إدارة بوش تخطط للحرب ولكنها تريد من إيران أن ترتكب الخطأ الأول حتى تجد الذريعة للرد من دون ضرورة للعودة إلى الكونغرس. وهناك من يقول بأن واشنطن لا تريد التورط في حرب إضافية وهي تنتظر نهاية العهد للانصراف إلى خارج دائرة القرار وترك الأمور كما هي بتصرف الإدارة الجديدة. وهناك من يؤكد بأن الحال الراهنة لرئاسة بوش لا تسمح له باتخاذ خطوة كبيرة من هذا النوع ولكنه يتخوف من احتمال إقدام تل أبيب على اتخاذ خطوة تضطر بموجبها واشنطن للتدخل وفاء لها بصفتها تشكل ذاك الحليف الاستراتيجي في دائرة «الشرق الأوسط».

مقابل هذه السيناريوهات الحربية المفتوحة على مختلف الإشكال والألوان تظهر على السطح السياسي مجموعة إشارات سلمية في الأفقين القريب والبعيد تخالف كل هذه التوقعات والترجيحات. فهناك كلام واضح عن اتصالات «فنية» و«تقنية» بين إيران وأميركا تؤكد على وجود تفاهمات عميقة تتناول الكثير من الملفات الساخنة بدءا من الملف النووي وساحة العراق وصولا إلى لبنان وغزة. وهناك أيضا اتصالات غير مباشرة بين دمشق وتل أبيب قطعت خطوات مهمة إلى الأمام ويرجح أن يعلن قريبا عن انتقالها إلى مفاوضات مباشرة بإشراف أميركي وبرعاية الإدارة الحالية في «البيت الأبيض».

كل هذا التشويش على الشاشة السياسية لن يستمر إلى ما لا نهاية حتى لو أخذت التسريبات تماطل في تعيين المواعيد وتدفعها إلى العام المقبل أي إلى ما بعد خروج بوش من البيت الأبيض. فالصورة ستتوضح في ألوانها وأشكالها في الشهور المقبلة وقبل إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني، لأن الإدارة الحالية بحاجة إلى نوع من «الاختراق» يساعدها على تحسين مواقعها في الداخل من خلال استخدامه في معادلة التنافس بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. «الاختراق» حاجة سياسية وله مردوده الانتخابي ويلبي مجموعة خدمات ذات طبيعة سريعة في وظائفها الأميركية والحزبية. وبغض النظر عن نوعية «الاختراق» وشكله السلمي أو العسكري فإن إدارة من هذا النوع لا تستطيع أن تحتمل التأجيل أو الانتظار إلى فترة تقع بعد حصول الانتخابات الرئاسية لأن المكاسب وربما الخسائر التي ستتحقق ستكون من نصيب ولاية العهد المقبل.

مناورات الحرب والسلم دخلت فترة الحسم السياسي بغض النظر عن طبيعتها ولونها فهي من جانب فقدت زخمها ووظيفتها في تشويش المشهد إلى ما لا نهاية وهي من جانب لم تعد قادرة على تغطية المتغيرات من دون أن تقدم الإدارة على توضيح الصورة الغامضة. فالمناورات التي أربكت القوى الإقليمية في فترة السنتين الماضيتين حققت أغراضها سواء لتغطية الاتصالات السرية أو لفتح باب التفاوض على الملفات الساخنة. وهذا ما بدأ يظهر على الشاشة في الكثير من الأمكنة ويرجح أن تزداد وضوحا في الفترة الفاصلة بين إقرار الكونغرس موازنة الحرب التي وقعها بوش وبين انتخابات الرئاسة المقرر عقدها في نوفمبر المقبل. فالموازنة المرتفعة في أرقامها لها وظيفة محددة لتغطية نفقات حروب وقعت سابقا وهي لا تشتمل على بنود أخرى. وفي حال صدقت الأرقام فمعنى ذلك أن الرياح تتحول من السخونة إلى البرودة والكلام عن الحرب مجرد سيناريوهات للتشويش.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2127 - الأربعاء 02 يوليو 2008م الموافق 27 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً