العدد 2130 - السبت 05 يوليو 2008م الموافق 01 رجب 1429هـ

استراحة النووي الإيراني وفن التفاوض اللبناني

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

كل الأنباء التي تتردد هنا في الأروقة الخلفية في العاصمة الإيرانية (طهران) تفيد بأن الخيار العسكري أو خيار المواجهة بين واشنطن وتل أبيب من جهة وطهران من جهة أخرى إذا ما كان جديا أصلا، قد تراجع أمام خيار المفاوضات.

وتفيد المصادر المطلعة والمتابعة للشأن الإيراني هنا بأن ثمة مفاوضات تجري تحت الطاولة بين طهران وبعض العواصم الأوروبية ولاسيما مع المفاوض الأوروبي خافيير سولانا تتجه نحو التوافق على تقديم تنازلات متبادلة تجعل من الخيار العسكري مستبعدا في الوقت الراهن.

في هذه الأثناء يستعد المفاوض الإيراني في الملف النووي سعيد جليلي بعد أن تسلح بموقعه الجديد ممثلا لمرشد الثورة الإيرانية في مجلس الأمن القومي الإيراني الأعلى خلفا لعلي لاريجاني، إلى الدخول في مفاوضات جدية ومن العيار الثقيل مع مجموعة الـ5 + 1 قد تؤدي إلى أشبه ما يمكن تسميته بـ «استراحة المحارب» أو ما يتكهن البعض بأن يكون وقفا مؤقتا لتخصيب اليورانيوم لمدة لا تتجاوز عدة شهور وثمة من يحددها حتى نهاية عهد بوش، على شرط إبقاء جانب التخصيب على مستوى البحث العلمي دون الإنتاج الصناعي بالطبع.

هذا التوجه الجديد أو المستجد قد يكون الفرصة الأخيرة التي يقال إن بعض الأوروبيين قد عرضوها على المفاوض الإيراني لمنع انفجار الأوضاع في المنطقة، على اعتبار أن الأشهر المقبلة هي أشبه ما تكون بالوقت الضائع لدى الأميركي المنشغل بسباقه الانتخابي، فيما هو قد يكون الفرصة الذهبية لدى طرف متهور يبحث عن دور ما مثل «إسرائيل» يمكن أن يستغله من اجل تغيير قواعد اللعبة في محاولة لإخراج نفسه من «الزنقة» التي يعيشها بفعل انشغال العالم بتغير مواقع القوى والأدوار الدولية والإقليمية بعيدا عن تأثيره المباشر ربما للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية.

هذه النصيحة الأوروبية للإيرانيين يدرسها المفاوض الإيراني بكل جدية هذه الأيام، ولكن خلف أبواب مغلقة تماما، ولكن في سياق حرب إعلامية ونفسية ودعائية لا تنفك تهدد وتتوعد وتحذر «إسرائيل» بالذات والأميركي والغربي بشكل عام من مغبة أي عدوان على بلاده، معتبرا ذلك - لو حصل - سيكون مقدمة لحرب واسعة النطاق وطويلة الأمد وقاسية جدا لن تكون فيها إيران الخاسر الوحيد بل الجميع من دون استثناء بمن فيهم كل من يتمكن من وقفها ولا يتحرك باتجاه منعها أو يظن أنه سيبقى بمنأى عنها، كما ورد على لسان أكثر من مسئول عسكري وسياسي إيراني.

إيران إذا تبحث عن تسوية مشرفة ومرضية للطرفين، لكنها حازمة جازمة أيضا بأن اللجوء إلى الخيار العسكري من الجانب الآخر سيكون بمثابة وقوع السقف على الجميع.

والتسوية لدى إيران لا تعني بأي شكل من الأشكال، ولا تشبه من قريب أو بعيد السيناريو الليبي أو الكوري، ولسان حالها يقول إنني لست ضعيفة مثل ليبيا حتى افكك برنامجي تحت ضغط التطورات والتحولات المفاجئة كما لم أكن «متهورة» مثل كوريا حتى يتم التعامل معي وكأنني املك خيارات نووية عسكرية.

وحده الاعتراف بدور إيراني مستقل جاء بفعل جهد ذاتي طويل الأمد ويستحق التأمل والتقدير والتعامل معه على أساس تكافؤ الفرص هو نافذة الخلاص للجميع مما بات يوصف بالكابوس الذي يدق أبواب الجميع ويقلق كل ذي عقل حصيف ووجدان نظيف.

نعم، ثمة محور متطرف ومتهور في المجتمع الدولي لا يريد الانتهاء من الملف النووي الإيراني، بل هو يريده حاضرا وضاغطا على مشهد العلاقات الدولية إلى حين الانتهاء من ترتيبات خروجه من مسرح المعادلة الدولية ألا وهو محور حكومتي بوش وأولمرت.

وهذا المحور يسعى جاهدا الآن إلى الفصل بين المسارات العراقية واللبنانية والسورية والفلسطينية حتى يتمكن من الاستفراد بكل طرف من الأطراف المناوئة له واللاعبة في هذه الساحات لعله يوقف تقدمها أو يئد خطة من خطط مقاومتها لإملاءاته.

إيران من جانبها تعتقد اعتقادا راسخا بأنه ما من انتصار يحققه أحد الأطراف المتحالفة في هذه الرباعية المتحركة، إلا وينبغي أن ينعكس مباشرة على مجموع الحركة الممانعة وبالتالي فإنها تضغط باتجاه وصل المسارات أو كحد أدنى التناغم في حركتها خلافا لإرادة حكومتي أولمرت وبوش اللتين تبحثان عن التفكيك كما قلنا وترحيل الأزمات المرتبطة بهذه المسارات إلى الحكومات التي تخلفها.

عند هذه النقطة بالذات يدخل الأمين العام لحزب الله اللبناني السيدحسن نصرالله، كلاعب محترف وأساسي ومحوري على خط إعادة خلط الأوراق ليجعل فكرة الترابط والدمج بين الملفات امرا واقعا ومفروضا على المحور الأميركي الإسرائيلي، وذلك من خلال صفقة التبادل التي أنجزها بصبره الاستراتيجي وعزمه الذي لا يلين؛ فإذا بكل الملفات حاضرة وبكل قوة في عملية التبادل التي صار انجازها النهائي على الأبواب والتي ستظهر بمثابة انجاز تاريخي ليس فقط عابر للمذاهب والطوائف على المستوى اللبناني بل وعابر للحدود والأقطار والقوميات، الأمر الذي يؤلم «إسرائيل» وقادتها أشد الإيلام ويجعلها تشعر بالحزن والذل كما جاء على لسان أولمرت، فيما ذهبت بعض الصحف الإسرائيلية إلى القول إن «حماقة أولمرت وضعفه أديا إلى تنصيب نصرالله ملكا على العرب والمسلمين».

بين استراحة محتملة هنا وضربة محتملة هناك، يبقى قدر هذه المنطقة العربية والإسلامية أن تكون هي الميزان، ميزان ومعيار الحرب أو السلام، وميزان ومعيار التوتر أو الاستقرار. والأمر لن يطول كثيرا قبل أن ينبلج الصباح وتشرق الشمس بنورها الساطع فتطرد خفافيش الظلام من أسقف بيوتنا وغربان الليل والنهار من سماء مدننا، وعندما يؤذن الفجر سيعرف الناس من هو المنتصر ومن هو المهزوم!

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 2130 - السبت 05 يوليو 2008م الموافق 01 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً