العدد 2132 - الإثنين 07 يوليو 2008م الموافق 03 رجب 1429هـ

بل هؤلاء هم دعاة الإرهاب

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

لا أشك في أن كل العقلاء في العالم على اختلاف أديانهم ومذاهبهم يقفون موقفا واحدا من الإرهاب، الإرهاب الذي يطال أرواح الناس وممتلكاتهم وحرياتهم ظلما وعدوانا.

ولا أشك أيضا أن كل الأديان السماوية تحرم الاعتداء على النفس أو المال، وتعتبر ذلك خروجا على إرادة الله - عز وجل - الذي كرم النفس البشرية - مهما كانت وفي أي مكان كانت. قال تعالى «ولقد كرمنا بني آدم» (الإسراء: 70)، وعدت هذا الاعتداء من الجرائم الكبرى، فمن قتل مسلما متعمدا فجزاؤه جهنم، بل إن الذي يقتل إنسانا واحدا يعد كأنما قتل البشرية بأكملها، والذي يعتدي على ذميٍّ فكأنما اعتدى على رسولنا الكريم؛ فالجريمة مرفوضة بكل المقاييس وبكل القوانين والأديان ولا يمكن تبريرها بأي حال.

لكن هذا كله لم يمنع من وقوع الجرائم في الأرض كلها - وإن حدَّ منها كثيرا - فالنفوس البشرية ليست سوية كلها، والغرائز الشيطانية قد تستحكم في النفوس بين آونة وأخرى فيخرج الإنسان عن إنسانيته وبشريته ويتحول إلى كائن شرير يريد أن يدمر كل شيء، وربما يفسر هذا بعض أسباب الجرائم التي نراها في كل مكان على وجه الأرض.

إن أول عمل «إرهابي!» وقع على وجه الأرض قام به أحد أبناء نبي الله آدم (ع) يوم لم يكن على وجه الأرض إلا ستة أشخاص فقط، وكان التنافس على «امرأة» هو سبب هذه الجريمة البشعة التي حاكتها فيما بعد مجموعة من أبناء آدم، وستبقى الجرائم موجودة على الأرض ما بقي على الأرض بشر.

إن آدم (ع) وهو من هو في مكانته لم يستطع أن يمنع هذه الجريمة التي ارتكبها أحد أبنائه ووقعت على الابن الثاني له، ومن المؤكد أن هذا الحادث الذي رواه القرآن الكريم يؤكد أن الجريمة لا تخضع لأي اعتبارات أو ضوابط مهما كان نوعها، وبالتالي فإن ربط الجريمة أو «الإرهاب» بدين معين، أو مجموعة معينة يعد إرهابا آخر وجريمة كبرى ينبغي أن يقف المجتمع إزائها بكل قوة.

إن المتتبع لتاريخ البشرية يلمس حجم «الارهاب» الهائل الذي مارسه البعض والذي راح ضحيته عشرات الآلاف من الناس سواء عن طريق الحروب الكبرى أو الإبادة الداخلية في الدولة نفسها.

ومن المؤكد أن المجتمع الدولي في تاريخنا المعاصر يرى حجم الجرائم التي يرتكبها الصهاينة في فلسطين والأميركان في العراق وأفغانستان، وهي إرهاب مرفوض بكل المقاييس، ولكنه واقع لا يمكن إنكاره.

أما الإرهاب الذي يمارسه بعض الأفراد تحت دعاوى متنوعة فهو موجود في معظم دول العالم ويقوم به أفراد ينتمون لأديان ومذاهب شتى، ولكل حجته فيما يقوم به من جرائم، فالمجرم لا يعتقد حينما يرتكب جريمته أنه يقوم بعمل مرفوض، فالعقل المتطرف الذي يحمله يدفعه لارتكاب الجريمة بضمير ميت يسوغ له فعلته وكأنه يمارس عملا مشروعا يحقق فيه للإنسانية الخير الكثير.

والمملكة العربية السعودية - شأنها شأن الكثير من الدول - تعرضت لعمليات إرهابية كثيرة ومازلنا نسمع عن محاولات متعددة للقيام بعمليات جديدة هنا أو هناك، والذرائع الدافعة لهذه الأعمال متنوعة وإن كان يجمعها في النهاية خيط واحد هو الدفاع عن الإسلام والمسلمين الذي يتعرضون للاضطهاد في كثير من دول العالم! - هكذا يعتقدون - والجهود التي بذلتها قوات الأمن في السعودية لمكافحة هذه الجرائم قبل وقوعها أو بعده كثيرة أيضا، حققت خلالها الكثير من الإنجازات التي ساعدت على التقليل منها، كما ساعدت على القبض على الكثير ممن قام بها أو ممن ساعد على القيام بها، وهذه الإنجازات تحسب لجهاز الأمن في السعودية ولكل القائمين عليه.

ومع هذه الإنجازات كلها يبقى السؤال مطروحا وكبيرا أيضا: هل هذه الجهود كافية للقضاء على الإرهاب في المملكة؟ وهل هناك أشياء أخرى يجب القيام بها؟ وهل استطعنا أن نعرف بدقة دوافع هذه الجرائم؟ وهل استطعنا أن نتعرف على كل الأسباب التي تحرض عليها؟

الذي أتوقعه أن الجريمة - مهما كان مسماها ودوافعها - لن تنتهي، وليس المطلوب أو الهدف هو إنهاؤها بصورة كاملة، فهذا حلم لن تحققه البشرية كلها، وإنما الهدف هو التقليل من حجم هذه الجرائم قدر الإمكان ليعيش المجتمع بهدوء وأمان متفرغا للبناء الحضاري بكل أنواعه.

ولكن، كيف يمكن للمجتمع والدولة تحقيق هذا الهدف؟ إن الذي أعتقده أن معرفة الأسباب الدافعة لهذه الجرائم هو الطريق الأهم لمعرفة كيفية التقليل منها.

إن الشيء الذي نكاد نتفق عليه أن الأعمال الإرهابية يقف خلفها شباب يدفعهم فهمهم الديني لارتكابها والتضحية بكل شيء من أجل ذلك. والشيء الذي نكاد نتفق عليه - أيضا - أن هذا الفهم لا يتفق مع الإسلام في شيء وإنما هو مناقض له تماما.

ولكن، كيف يمكن إقناع هؤلاء أن فهمهم للإسلام الذي يسوغ لهم قتل الناس الإبرياء ليس صحيحا على الإطلاق؟ هنا لب المشكلة... ومن أجل ذلك نحتاج إلى المصارحة التامة لكي نصل إلى الهدف، ونحقق أكبر قدر من الفائدة التي نرجوها.

المصارحة تتطلب حرية تامة في الحديث مع شبابنا في أي مكان، ومناقشة أي إشكالية تطرح بوضوح لا غبش فيه... نحتاج إلى إقناع الشباب بأن يطرحوا كل إشكالاتهم بوضوح، ومن دون خوف أو تردد، وبأمان تام... هذه هي الخطوة الأولى والأهم ومن دونها لن يتحقق أي شيء مهما فعلنا.. هكذا أعتقد.

الجامعات عليها مسئولية عظمى في التقليل من الأعمال الإرهابية، ومثلها جميع المدارس، لكن الجامعات والمدارس لا تكاد تفعل شيئا على الإطلاق! إن مؤتمرا هنا أو هناك، أو محاضرة بين شهر وآخر، أو لوحة تعلق في هذه الزاوية أو تلك، كل ذلك عمل لا يفيد في شيء، مهما قيل غير ذلك، وما تعلنه وزارة الداخلية بين وقت وآخر شاهد على ما أقول.

أستاذ الجامعة لا يستطيع أن ينطق بكلمة، لأنه يخاف من كل شيء... إنه لا يطمئن إلى الأجواء التي تحيط به... يخشى أن يفسر كلامه على غير ما يريد... يخاف أن يجد نفسه خارج الجامعة بينما هو يريد الإصلاح خدمة لدينه ووطنه... وربما يحصل ذلك من دون أن يسأله أحد عن معنى ما قاله! وإذا كان الاستاذ هكذا فكيف يكون الطالب؟

هذه الحقيقة تعرفها لو سألت أي أستاذ جامعي - بشرط أن يكون مطمئنا إليك - هل تستطيع التحدث مع طلابك بصراحة؟ ولو ألقيت السؤال نفسه على الطلاب لسمعت الإجابة نفسها!

في هذه الأجواء يستحيل التغيير، لأن الطالب لن يجد الأستاذ القادر على تغيير قناعاته... وما قلته عن الجامعة ينطبق على المدارس والمساجد والمحاضرات العامة وسواها. ربما يحتاج ما قلته إلى بعض الإيضاح... وهنا سأطرح بعض الإشكالات التي يطرحها البعض معتبرا أنها من أقوى الدوافع لارتكابه للأعمال الإرهابية. يسأل البعض فيقولون: نحن نعيش في بلد إسلامي، دستوره القرآن الكريم، ومحاكمه شرعية، وشعبه مسلم... إذا، لماذا نرى ما لا يتفق مع هذه المسلمات دون العمل على إيقافها؟

الإعلام فيه مخالفات كثيرة، وبعض الكتاب يهاجمون الإسلام وثوابته، إنهم يطالبون بإلغاء مدارس تحفيظ القرآن الكريم، والمخيمات الصيفية التي يلقى فيها أي نشاط ديني، إنهم يريدون إلغاء عمل الدعاة في المجتمع وقطع صلة الشباب بأي فكر إسلامي... إنهم يربطون بين الإسلام والإرهاب... ثم يقولون إن هذه الصحف تسمح بكل هذه الأشياء، لكنها لا تسمح أبدا بالرد عليها... أليست هذه صحف وطنية؟ أليست تحت مظلة وزارة الإعلام؟ أوليست الوزارة جزءا من الدولة؟ كيف يمكن أن تفهم هذا التناقض الواضح بين أن دستور الدولة الإسلام وبين الخروج على هذا الدستور؟

هذه التساؤلات - لو طرحت - لن يستطيع استاذ الجامعة أو سواه الإجابة عليها... السبب ليس في صعوبة الإجابة بل إحساس ألا يملك الحرية الكاملة للتحدث عنها!

وقد يقول البعض إن مناهج التعليم خضعت لتغييرات كثيرة بسبب الضغوط الأميركية، وأن أحد كبار المسئولين الأميركان تحدث عبر قناة «الجزيرة» قبل مدة قصيرة في هذا الموضوع مدعيا أن وزارة التربية والتعليم وعدت الحكومة الأميركية بتنفيذ كل التغييرات في العام 2008! ثم يقول: لم نسمع من الوزارة من علق على هذه الأقوال، فلماذا يحصل ذلك في بلد مسلم؟

مرة أخرى، لن يجد مثل هذا السائل - على افتراض أنه سيسأل - من يجيب عليه... وللأسباب نفسها أيضا!

أسئلة متنوعة تدور في عقول الشباب، وفي اتجاهات متنوعة، وهم في أمسِّ الحاجة إلى معرفة إجاباتها، لأن هذه المعرفة هي الطريق الأقوى لمنع الإرهاب، لكن كيف؟! نحتاج إلى توسيع مداركنا في الحكم على بعضنا بعضا... نحتاج إلى إشعار الجميع بأن حرية الكلمة متاحة ما لم تخالف صريح الدين... نحتاج إلى الدخول في عمق المشكلة بعيدا عن المظاهر الزائفة التي لا تحقق ما نريد... نحتاج إلى الحديث عن مشكلاتنا - مهما كانت - بإنفتاح كبير ومن دون تردد أو خوف.

نحن لا نعيش في مجتمع ملائكي لا عيب فيه... نحن لا نستطيع العيش بعيدا عن الآخرين... لا نستطيع الابتعاد عن المؤثرات التي تأتينا من هنا أو هناك... سياستنا لا تستطيع العيش وحدها فنحن جزء من هذا المجتمع الكبير.

عندما تفهم المسألة بهذا الوضوح، وعندما تستطيع التحدث عنها بكل وضوح، عندها يمكننا القول إننا وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح، وإننا سائرون بكل ثقة إلى الهدف الذي نريد.

إن الذين يربطون بين الإسلام والإرهاب هم دعاة الإرهاب مهما قالوا غير ذلك... إن الذي يطالبون بإبعاد الدين عن حياة الشباب هم دعاة الإرهاب مهما قالوا غير ذلك... وإن الذين يطالبون بإلغاء أنشطة الدعاة ومدارس تحفيظ القرآن الكريم والهيئات هم المحرضون على الإرهاب مهما قالوا غير ذلك.

الإسلام بمفهومه المتسامح هو الذي يجب أن ندعو إليه، والإسلام - بمفهومه الوسطي - هو القادر - وحده - على القضاء على كل أشكال الإرهاب والجرائم.

وأخيرا أقول لأولئك الذين ملأوا صحفنا ضجيجا ونقدا للمخيمات الصيفية والدعوية بكل أنواعها: إن قادة الإرهابيين في السعودية يحملون الأفكار نفسها عن المخيمات الدعوية والصيفية ومدارس تحفيظ القرآن، وقد عبروا صراحة عن هذه الأفكار، ولهذا، هل أنتم وإياهم تسيرون في الدرب نفسه؟

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2132 - الإثنين 07 يوليو 2008م الموافق 03 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً