العدد 2540 - الأربعاء 19 أغسطس 2009م الموافق 27 شعبان 1430هـ

معادلة «الشرق الأوسط» بين التفاضل والتراضي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

المنطقة العربية تنتظر إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما مبادرته السلمية للشرق الأوسط التي يرجح أنها أشبعت بالقراءات والاتصالات والزيارات المتبادلة. المبادرة التي طال انتظارها يمكن أن يعلن عنها الرئيس أوباما في نهاية شهر رمضان المبارك لتبدأ بعدها الإجراءات الميدانية للتوافق على الإطار الذي ينظم قنوات التفاوض بين الأطراف.

حتى الآن لا تعرف النقاط التي توصل إليها أوباما لتحديد رؤيته للسلام إلا أن المعلومات تؤشر إلى وجود قناعة تولدت في واشنطن بشأن الأطر العامة وهي تبلورت نتيجة الاتصالات التي أجراها مبعوث الرئيس إلى «الشرق الأوسط» جورج ميتشل. القناعة تتجه نحو تسوية الاختلافات العربية - الإسرائيلية في رؤية السلام على أساس معادلة المفاوضات تسبق التطبيع من جانب والتطبيع يسبق السلام من جانب. وهذه المعادلة تعني أن البيت الأبيض اتخذ موقف الحياد بين الجانب العربي الذي يؤكد أن السلام يسبق التطبيع والجانب الإسرائيلي الذي يصر على أن التطبيع يسبق السلام.

فكرة المفاوضات أولا تشكل خطوة أولى في اتجاه ترتيب جدول أعمال الاتفاق الإطاري الناظم لكل الملفات. ولكن الفكرة بحد ذاتها تحتاج إلى قراءة مبدئية للتعرف على مدى استعداد الجانب الإسرائيلي للقبول بمبدأ التسوية السلمية الذي يعطي الإشارة الخضراء للجانب العربي للدخول في قنوات التطبيع.

الاتفاق الإطاري للتفاوض يتطلب تحديد الأطراف المشاركة في العملية السلمية. فهل ستتشكل من المسارات العربية مجموعة فرق أم ستكون هناك فرقة واحدة تقوم بمهمة التفاوض عن كل الملفات؟ هل ستعتمد واشنطن سياسة التفرقة بين المسارات وتقسم التفاوض إلى مسارات ثنائية سورية - إسرائيلية، فلسطينية - إسرائيلية، لبنانية - إسرائيلية، أم ستكون كل المسارات مجتمعة كتلة واحدة إلى طاولة التسوية؟

بعد الاتفاق الإطاري على النظام الداخلي للتفاوض يأتي جدول الأعمال وتراتب الأولويات وبرنامج تسلم وتسليم الملفات وآليات تنفيذها و الضمانات الدولية المطلوبة لمنع التهرب من المسئوليات والالتزامات. وهنا بالتحديد ستبدأ المطبات والعراقيل بالظهور والحواجز بالاتفاع باعتبار أن «إسرائيل» هي الطرف المطالب بالانسحاب واحترام القرارات الدولية. فهل أصبحت تل أبيب في موقع يسمح لها القبول بالتسوية بصفتها تشكل الخيار الوحيد والأخير أم أنها لا تزال ترى موقعها يتمتع بقدرات خاصة تعطيها أفضلية في التعامل مع الأطراف العربية وفرض الشروط عليها.

حتى الآن لا تزال حكومات تل أبيب ترى أنه لا مصلحة لها بالتسوية وذلك اعتمادا على قاعدتين: الأولى أن الدول العربية ضعيفة ولا تمتلك سوى خيار التفاوض وهي غير قادرة على اتباع مسالك أخرى. والثانية أن الدولة العبرية هي الطرف الوحيد الخاسر من التسوية لأنها مطالبة بالانسحاب وإعادة ما احتلته من أراض عربية (فلسطينية، سورية، ولبنانية) لأصحابها.

«إسرائيل» تعتمد على نظرية الضعف العربي وعدم وجود الخيار البديل عن التسوية للتهرب من الالتزامات الدولية بشأن المترتبات التي سيسفرعنها التفاوض. وبين القاعدة الأولى والقاعدة الثانية يرجح أن تقوم حكومة الثنائي نتنياهو- ليبرمان بمناورة طويلة لمنع الاتفاق الإطاري من التوصل إلى نتائج ميدانية يمكن ترجمتها سياسيا على المستويين التطبيع والسلام. فالمناورة الطويلة تعطي فرصة لتمرير بعض مظاهر التطبيع والانفتاح وتبادل الرسائل والزيارات واللقاءات ولكنها لا تعني بالضرورة الدخول في عالم التسوية والعبور منه إلى السلام.


جاهزية التفاوض

هل «إسرائيل» أصبحت جاهزة فعلا للتفاوض بشأن السلام لا التطبيع؟ المؤشرات تدل على أن حكومة الثنائي المتطرف لا تزال تراهن على الوقت وتراجع شعبية أوباما وتلاشي الزخم المعنوي للإدارة الأميركية حتى تبدأ حركة الالتفاف لتطويق الاتفاق الإطاري للتفاوض بهدف منع احتمالات التسوية السلمية. تل أبيب مثلا ترفض الانسحاب الشامل والكامل ومن دون شروط إلى خط 4 يونيو1967. وهي ترفض فكرة تفكيك المستوطنات أو تفريغها من المستوطنين. وهي لا تقبل أن تكون القدس مدينة قابلة للتفاوض بشأن مصيرها وإدارتها. وهي تناور بشأن هدم جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية بذريعة أنه يشكل ذاك السياج الذي يضمن أمنها. كذلك وهذا هو الأهم فهي لا تضع مسألة العودة في أجندتها السياسية لاعتبارات شتى تتصل بالتوازن الديموغرافي وضيق مساحة الأرض لاستيعاب الفائض السكاني.

كل هذه المطبات والعقبات والحواجز يرجح أن تشكل ثغرات تعطل إمكانات التوصل إلى تسوية سلمية حقيقية بين «إسرائيل» والدول العربية المعنية مباشرة بالتفاوض. تل أبيب على قناعة أنها هي الطرف المعتدي الذي احتل أراضي فلسطين ودول الجوار وبالتالي هي الجهة المطالبة بتسهيل المفاوضات حتى تتوصل إلى تحقيق نجاحات فعلية للتسوية. أما الدول العربية فهي الجهة المطالبة بتمرير التطبيع حتى تتشجع «إسرائيل» على التقدم باتجاه الانسحاب مقابل الانفتاح التدرجي نحو السلام.

أمام هذه المعادلة الرياضية كيف ستتعامل إدارة أوباما مع الكفتين؟ هل ستندفع واشنطن باتجاه الضغط على الدول العربية للإسراع في عمليات التطبيع (الجوي، التجاري، والمائي) حتى تستطيع تكثيف اتصالاتها مع الجانب الإسرائيلي وإقناعه بعدم تفويت الفرصة؟ وهل يمكن أن تبادر واشنطن إلى تعديل نمط دورها وتبدأ بالضغط أولا على «إسرائيل» وإقناعها بالتراجع والانسحاب الهادئ حتى تعطي للدول العربية مادة خصبة يمكن البناء عليها لمواصلة التفاوض تحت سقف التطبيع؟

كيف ستدخل إدارة أوباما الاتفاق الإطاري للتفاوض؟ هذا هو السؤال الذي يحدد اختلاف نمط التعامل الأميركي مع معادلة التسوية. التفاوض مفروغ منه في ظل عدم وجود بدائل ولكن كيف ستكون مداخله. هل تدخل واشنطن من الباب الإسرائيلي للضغط على الدول العربية أم تدخل من الباب العربي للضغط على الدولة العبرية؟ تحديد مدخل الباب يشكل إشارة أميركية لمدى جدية واشنطن واختلاف تعاملها النمطي مع التسوية.

في السابق كانت مصلحة الولايات المتحدة تقضي بعدم تمرير التسوية لإبقاء المنطقة ساحة صراع للتفاوض الدولي مقابل خدمات متبادلة بين واشنطن وتل أبيب. فأميركا كانت مستفيدة من تعطيل السلام لأنه أعطاها فرصة لتطوير تدخلها في قضايا المنطقة ومحاولة تقويضها من الداخل بعد احتلال العراق في العام 2003. و«إسرائيل» كانت مستفيدة من تقويض السلام وتأخيره لأنها هي الطرف المتضرر من التسوية وهي الطرف المستفيد من التدخل الأميركي وتقويض الدول العربية وزعزعة استقرارها واستنزاف ثرواتها وكسر قواها العسكرية والاقتصادية وبناها التحتية.

هذه المعادلة التفاضلية بين الولايات المتحدة و«إسرائيل» التي صاغت التحالف الاستراتيجي خلال العقود الأربعة الماضية هل انتهى مفعولها الزمني ولم تعد صالحة لمرحلة ما بعد البدء بالانسحاب من بلاد الرافدين؟ أيضا الإجابة عن هذا السؤال تساعد بالتعرف على مدى استمرار صلاحية المعادلة التفاضلية ودورها ووظيفتها في دائرة الاتفاق الإطاري الذي يرجح أن تكون إدارة أوباما توصلت إلى ترسيم مواصفاته بعد أن أشبعته بالقراءات والاتصالات والزيارات.

المنطق يؤشر إلى جود متغيرات تدفع الأطراف المعنية إلى التراضي. الولايات المتحدة لم تعد في موقع يسمح لها بتمديد فترة صلاحية تلك المعادلة التفاضلية بعد تعاقب الإخفاقات في مشروع التقويض. «إسرائيل» أيضا لم تعد في مكان مريح تستطيع من خلاله فرض شروطها بالقوة في حال قررت التهرب من كلفة التسوية والسلام. والدول العربية التي فتحت باب التفاوض من خلال طرحها لمبادرة السلام في قمة بيروت لا تستطيع التراجع عنها بسهولة إذا لم تكن مستعدة لمواجهة تداعيات البدائل وما تعنيه من فوضى مفتوحة على احتمالات غير منظورة تشبه تلك التصدعات المرئية على امتدادات «الشرق الأوسط».

المنطق يؤكد أن السلام العادل هو المخرج المشترك لكل الأطراف في اعتبار أن المعادلة دخلت في لعبة دولية وإقليمية مختلفة في قواعدها عن تلك التي عاصرتها المنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولكن المنطق العقلي يتعرض دائما للتجارب والامتحانات القاسية التي تؤسس على المقلب الآخر معادلة القوة. ومعادلة القوة أحيانا لا منطق لها حين تعتمد نهج المغامرة. والمغامرة عرضة للتقلبات بين منطق لا حسابات له وحسابات لا منطق لها.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2540 - الأربعاء 19 أغسطس 2009م الموافق 27 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً