العدد 266 - الخميس 29 مايو 2003م الموافق 27 ربيع الاول 1424هـ

الجمهوريون الأميركيون قلقون من سياسة بوش الخارجية

مخاوف من تكرار تجربة أفغانستان في العراق

محمد دلبح comments [at] alwasatnews.com

.

يسود أوساط زعامات الحزب الجمهوري داخل الكونغرس الأميركي وخارجه قلق إزاء الوضع في العراق وأفغانستان والصراع العربي الإسرائيلي. ففي أفغانستان يواجه المسئولون الأميركيون الإحباط الذي واجهه المحتلون الأجانب هناك طوال قرن من الزمن. فلم يطل الأمر بالأفغانيين الذين صورتهم الحكومة الأميركية على أنهم فرحون بالإطاحة بحكم طالبان حتى انقلبوا سريعا ضد الوجود العسكري الأميركي في بلادهم وضد الحكومة التي نصبها الأميركيون في كابول إذ لم يجد حامد قرضاي من مخرج لأزمة حكمه إلا بتوجيه الانتقادات الحادة إلى الادارة الأميركية التي لم تفِ بوعودها وتعهداتها الأمنية والاقتصادية وإعادة إعمار البلاد.

كما أن «خريطة الطريق» التي وضعتها ادارة بوش بالتعاون مع الأوروبيين والروس والأمم المتحدة لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي على مساره الفلسطيني خنقت في مهدها، إذ إن «التنفس الاصطناعي» الذي قدمه لها إعلان حكومة أرييل شارون الإسرائيلية قبولها، لم يعمل سوى إزالة عقبة إجرائية فقط مع الإبقاء على العقبات الأساسية أمام جهود تحقيق التسوية التي أكدتها التحفظات الإسرائيلية التي أقرت بها حكومة بوش، لتحولها من خطة ذات جدول زمني (بمراحلها الثلاث) يؤدي تنفيذها في نهاية المطاف إلى إقامة دولة فلسطينية بحلول العام 2005، إلى مجرد إطار للتفاوض بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية يخضع في النهاية لتوازن القوى. فواشنطن ترغب في بدء المباحثات ومواصلتها بينما تؤجل القضايا الشائكة إلى وقت لاحق.

وكذلك التفجيرات في السعودية والمغرب التي تفتح الطريق لزعزعة استقرار البلدين. ويحاول الديمقراطيون اقتناص الفرصة لإظهار كل هذه المشكلات مع حملة الانتخابات الرئاسية للعام المقبل، التي بدأت مبكرا.

فالمستقبل يشير إلى متاعب للولايات المتحدة في العراق التي شهدت صورا لبدايات مقاومة عفوية ضد الاحتلال الأميركي. فعندما قدم وكيل وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) للشئون السياسية دوغلاس فايث شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في 11 فبراير/شباط الماضي لم يقدم أية خطة واضحة لمرحلة ما بعد احتلال العراق. وقدم أول رئيس لإدارة الحكم العسكري - المدني في العراق الجنرال المتقاعد جي غارنر إلى الجمهوريين - في شهادة تم بثها اخيرا عبر الأقمار الاصطناعية من بغداد - صورة قاتمة عن العراق المحتل والصعوبات التي تواجهها سلطة الاحتلال في العراق. ولم تقم وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية بتسليط الضوء على مهمات غارنر وبريمر العراق من دون مثولهما للاستجواب بشأن خططهما أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ على رغم تكرار طلب رئيسها ريتشارد لوغر ذلك.

وهناك قلق متزايد بين الجمهوريين انعكس قبل نحو عشرة أيام عندما أدلى وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد بشهادة أمام لجنة الاعتمادات في مجلس الشيوخ ليطلب أموالا من أجل احتلال العراق. وأعرب العضو الجمهوري البارز في اللجنة بيت دومينيس عن القلق «من أن النصر الذي ندعيه ليس نصرا على الإطلاق». بينما قال لوغار: «إن النصر الأميركي المؤثر يتعرض الآن للخطر، فقواتنا وإداريُّونا يواجهون صراعات عرقية ودينية وشعبا اضطهد لفترة طويلة وبنى تحتية دمرتها الحرب وافتقارا للخبرة الديمقراطية العراقية وجيشا من رجال الدين المتشددين ولصوصا وعصابات وتجار حرب ينتظرون، والكل يتحرك في فراغ السلطة». وأضاف «إن الوقت الذي كان فيه الأميركيون يستطيعون كسب المعارك ثم يعودون إلى بلادهم بسرعة من أجل استعراض عسكري انتهى». كما أن جلسات الاستماع التي بدأت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في عقدها منذ الخميس الماضي تكشف الشكاوى من أن التخطيط لاحتلال العراق كان ضئيلا، وأن خطط ما يسمى «إعادة إعمار العراق» التي وضعتها الوكالات الحكومية الأميركية المختلفة تجاهلها «البنتاغون».

ويطالب الجمهوريون بمزيد من التوضيح المتماسك للاستراتيجية الأميركية في العراق بما هو أوضح من استراتيجية رامسفيلد في أفغانستان. إذ يعتقد عدد متزايد من الجمهوريين في الكونغرس أن السياسة الخارجية لادارة بوش إزاء أفغانستان أخفقت.

أما بالنسبة إلى الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني فقد قال مسئول كبير بوزارة الخارجية الأميركية: «إنني أقول من الناحية الواقعية إن خريطة الطريق تبدو ميتة». وخصوصا في أعقاب قبول واشنطن تحفظات شارون عليها. فإذا كان القبول الإسرائيلي المشروط بالموافقة يسمح لشارون بتجنب الاصطدام بالحليف الرئيسي (الولايات المتحدة) فإنه يحمّل السلطة الفلسطينية مسئولية الخطوة الآتية من التطبيق والمتعلق بوقف العمل الفدائي والانتفاضة وتجريد منظمات المقاومة الفلسطينية من أسلحتها.

وتشير مصادر أميركية مطلعة إلى وجود شبه انقسام داخل الحزب الجمهوري يتعلق بالمدى الذي سيذهب إليه البيت الأبيض في الانخراط بحل الصراع العربي - الإسرائيلي، فباول ومعه بعض «المعتدلين» من الحزب الجمهوري ينصحون بوش بأن دور القيادة الأميركية لانشاء دولة فلسطينية هو أمر حاسم للسلام في المنطقة بينما يحث زعماء بارزون في الحزب يدعمهم اليمين المتشدد - وهم الأكثرية بوش - على ضرورة ضمان إعادة انتخابه، وذلك بعدم فقدان أصوات الناخبين اليهود الأميركيين الذين يقول مخططون استراتيجيون في الحزب الجمهوري إنهم يستطيعون الآن الحصول على ما لا يقل عن 40 في المئة من أصواتهم في الانتخابات التي ستجري في نوفمبر/تشرين الثاني 2004.

أما بالنسبة إلى السعودية فإن بيانات وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) طول الأسبوعين الماضيين قالت إن تفجيرات الرياض الأخيرة لا تشير إلى افتقار ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز للإرادة بل إلى الوسائل. ومع ذلك فإن حملة الانتقاد الأميركية الموجهة ضد الحكومة تهدد بزعزعة استقرار دولة عربية أخرى.

ويتساءل بعض المفكرين الجمهوريين كيف يمكن للولايات المتحدة أن تحتمل هذا العبء الذي يقولون عنه إنه شبه إمبريالي. مشيرين إلى أن هدف بوش الذي تعهد بتحقيقه بإدخال الديمقراطية إلى المنطقة العربية، يواجه مشكلات ضخمة بدءا من العراق. وان إرسال 38 ألف جندي إضافي في مهمات احتلال إلى العراق قد يكون مجرد الدفعة الأولى، إذ يقول هؤلاء إن الاحتفال الابتهاجي باحتلال بغداد أصبح جزءا من الماضي

العدد 266 - الخميس 29 مايو 2003م الموافق 27 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً