العدد 2554 - الأربعاء 02 سبتمبر 2009م الموافق 12 رمضان 1430هـ

ملفات سبتمبر

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ملفات كبيرة موقوفة أو مؤجلة ستفتح في شهر سبتمبر/ أيلول الجاري. الملفات نوعية في أوراقها ويرجح أن يكون لها تأثيراتها الإقليمية وارتدادات سياسية على مختلف القضايا الساخنة. فهناك ملفات اقتصادية دولية تتصل مباشرة بأزمة النقد العالمية التي تصادف انفلاتها قبل سنة تقريبا في 14 سبتمبر. وهناك ملفات أمنية تتصل بتدحرج الاستقرار في باكستان وأفغانستان والعراق والعواقب المحتملة عن تداعياتها في حال فشلت آليات الضبط المعتمدة في المناطق الثلاث. وهناك الملف النووي الإيراني وتفرعاته المتصلة بأمن الخليج والعلاقات الإقليمية في دائرة استراتيجية وغنية بالنفط. وهناك الملف الفلسطيني وملحقاته السورية واللبنانية. وأخيرا هناك ملف المبادرة الأميركية المنتظرة التي يرجح أن يعلن عنها كإطار عام لتسوية أزمة «الشرق الأوسط».

الملفات كبيرة وهي تصادفت في سبتمبر لمجموعة أسباب منها بدء الجمعية العامة للأمم المتحدة جلساتها السنوية الدورية في نهاية الشهر، ومنها وقوع «هجمات 11 سبتمبر» في العام 2001 التي كانت فاتحة تحولات في العلاقات الدولية وإدارة واشنطن لسياستها الخارجية، ومنها أيضا حصول أزمة النقد قبل سنة في سبتمبر وما أسفر عنها من متغيرات بدأت بتوسيع دائرة الشراكة الدولية لاحتواء عناصر الكارثة.

المصادفة جعلت من سبتمبر شهر الأزمات ونقطة تحول أحدثت انعطافات سلبية وإيجابية وساهمت في تعديل أولويات كسرت الكثير من زوايا الصورة التقليدية في علاقات الدول. فالأزمات متشعبة ومتداخلة ولم تعد تأثيراتها تقتصر على الدول الكبرى وكذلك لم تعد الدول الكبرى قادرة على معالجتها بانفراد وبعيدا عن تلك القوى النامية التي أخذت تشق طريقها الخاص في إطار توازنات إقليمية لا يمكن تجاهلها كما كان الحال في العقود الماضية.

أزمة أسواق المال التي أنهت عامها الأول تقريبا، لم يعد بإمكان الدول الكبرى السبع أو الثمان أو التسع معالجتها متجاهلة نمو قوى إقليمية قادرة على المساعدة في وضع الحلول أو ضخ النقد لمنع التدهور. فالدول الصناعية السبع الكبرى ستجتمع غدا في لندن لبحث تداعيات الأزمة النقدية تمهيدا لعقد اجتماع «مجموعة العشرين» في الولايات المتحدة في 24 سبتمبر الجاري. ومجموعة العشرين التي تأسست في ضوء انهيار الأسواق المالية أصبحت قوة جديدة في إطار العلاقات الدولية تلعب فيها البرازيل والسعودية مثلا دورا في صوغ تصورات لعالم ما بعد الأزمة.

مشكلة الأمن لم تعد تقتصر على الدور الأميركي الذي أصيب بنكسات في عهد الرئيس السابق جورج بوش. فالمشكلة بدأت تنتقل من «الأمركة» إلى «التدويل» وأخذت القوى الإقليمية تساهم في التدخل للحد من انتشار العنف وتوزعه على المحيط الجغرافي للعراق أو أفغانستان. ونمو دور القوى الاقليمية في احتواء عدم الاستقرار أعطى صورة مغايرة لمواقع الدول في خريطة «الشرق الأوسط» سواء لباكستان والهند من جانب الشرق أو لإيران وسورية من جانب الغرب.

ملف الأمن الاقليمي لا ينفصل عن الملف النووي الإيراني الذي دخل في شهر سبتمبر الجاري مرحلة التصفية بعد أخذ ورد دام نحو ست سنوات. فالدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا عقدت أمس اجتماعها في فرانكفورت للبحث في الملف النووي في وقت أعلنت طهران عن استكمالها درس رزمة اقتراحات تنوي تقديمها للنقاش في إطار حل تسووي للمشكلة. وجاءت المبادرة الإيرانية لتتوافق زمنيا مع المهلة التي عرضتها الولايات المتحدة وتنتهي في سبتمبر الجاري.

بغض النظر عن مضمون الرد الإيراني ومدى تجاوبه مع المطالب الدولية سيكون الملف في الشهر الجاري مدار بحث ونقاش وتجاذب في الأمم المتحدة خلال جلسات الجمعية العامة التي ستخصص لمعالجة موضوع الحد من الانتشار النووي. وإيران من خلال عرض المسألة تحاول أن تقايض الملف (تشكيل كنسورسيوم دولي لإنتاج الوقود عالميا) بأوراق إقليمية تتصل بإمكان أن تلعب دورها الخاص في التعاون لمكافحة «الإرهاب والمخدرات والهجرة غير القانونية والجريمة المنظمة».


شركاء جدد

إلى الملفات النقدية والأمنية والنووية يبدو ملف «الشرق الأوسط» في مقدمة القضايا الإقليمية الساخنة الذي ينتظر منذ فترة مبادرة أميركية - دولية تكسر الجمود وتفتح الباب أمام حلول تضبط النزاع تحت سقف التفاوض المفتوح على مختلف المسارات. فالملف المتنوع الأوراق يرجح أن يفتتحه الرئيس الأميركي باراك أوباما رسميا في سبتمبر حين يلقي خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تبدأ دورتها في 23 الشهر الجاري. وخطاب أوباما الذي يطمح إلى رسم «هيكلية سياسية» لحل الصراع العربي - الإسرائيلي في إطار تسوية دائمة تحتاج إلى عامين من المفاوضات يستهدف احتواء التوتر الإقليمي وإعادة السلطة الفلسطينية وحكومة تل أبيب إلى الحوار على قواعد عمل تأخذ بالاعتبار مصالح الطرفين. وبغض النظر عن شمولية خطاب أوباما وقدرته على استيعاب مختلف عناصر المسألة المزمنة تؤكد الإشارات العامة وجود رؤية جديدة في التعامل مع القضية وتفرعاتها الإقليمية ومساراتها الثنائية وتلك المتصلة بأمن لبنان وسيادته واستقلاله مقابل ضمان موقع سورية الإقليمي في إطار تسوية «الشرق الأوسط».

ملفات كبيرة موقوفة أو مؤجلة تصادف فتحها دفعة واحدة في سبتمبر الجاري. والتفاؤل بشأن حلها يخضع للكثير من الاحتمالات المتضاربة بين النجاح الجزئي والفشل المحدود الذي يمكن السيطرة على تداعياته. المراهنة ليست على مدى نجاح أو فشل معالجة الملفات وإنما على الأدوار الإقليمية التي يمكن أن تلعبها القوى النامية في إطار مظلة دولية أخذت تتسع لتستقبل المزيد من الأعضاء المؤثرين في التعاون أو المساعدة.

الجديد في الملفات أنها لم تعد تخضع لإرادة الدول السبع أو الثمان أو التسع الكبرى. فهذه الدول بدأت تعترف بعد صمت طويل بوجود قوى إقليمية نامية يمكن إدخالها في إطار الشراكة الدولية لمعالجة أزمات لم تعد تقتصر تأثيراتها على مساحات ضيقة. دخول البرازيل والسعودية مثلا في «مجموعة العشرين» يشكل نقطة تحول تستحق المراقبة للتعرف على خلفياتها وأبعادها. ودخول الهند وإيران وباكستان وتركيا وسورية ومصر في دائرة الصورة الإقليمية لساحات «الشرق الأوسط الكبير» يرسم خريطة طريق لاحتمالات غير متوقعة وتحتاج إلى رصد ومتابعة لفهم المسارات الشاقة والصعبة التي يمكن أن تطرأ وتضطر الدول الكبرى إلى مشاركة أو مساعدة القوى الإقليمية النامية للتعاون معها بهدف احتواء تداعياتها.

هذا الجديد في «ملفات سبتمبر» يطرح أسئلة تستحق أجوبة بشأن طبيعة «النظام الدولي الجديد» وهويته السياسية المختلفة في نسيجها الايديولوجي ونمطه التعددي بعد الإخفاقات الأميركية في «الشرق الأوسط الكبير» وخروج تيار «المحافظين الجدد» من البيت الأبيض. فالجديد ليس في الملفات وفتحها مصادفة في سبتمبر وإنما الشركاء الجدد ودخولهم في إطار المساهمة في معالجة الأزمات المالية والأمنية والإقليمية في دائرة جغرافية تتمتع بأهمية استراتيجية خاصة من ناحية تأثيرها على ضمان الاستقرار أو المشاركة في دفع النمو الاقتصادي العالمي.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2554 - الأربعاء 02 سبتمبر 2009م الموافق 12 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً